
يتواصل الشهر الوردي بتنشيط العديد من الجلسات والورشات النسوية من طرف المؤسسات والمجتمع المدني، بمشاركة قياسية لضحايا سرطان الثدي وعنق الرحم، سمحت بتبلور عديد الأفكار والخروج بمقترحات من شأنها تقديم الدعم لهن، عن طريق رفعها إلى الوصاية للدراسة وإيجاد السبل الكفيلة بتنفيذها على أرض الميدان.
وفي هذا الشأن، تشهد ولاية وهران حركية كثيفة لكل الأطراف التي تهمها حملات التحسيس والتوعية، على غرار جمعية “فرد” التي نظمت جلسة خاصة نشطتها طبيبتها النفسانية، جمعت نساء مصابات بداء السرطان لتبادل المعطيات وكيفية التعامل مع الأطفال في حال إصابة الأم بالمرض.
جمعية “فرد” تسلط الضوء على تجارب تعامل الأم المصابة مع الأولاد
وفي معرض جلستها النقاشية، خصصت جمعية “فرد” التي مقرها بوهران، الحديث عن كيفية التعامل مع الأطفال من طرف الأم المصابة، بهدف عدم التأثير على معنويات الطفل، خاصة إذا كان في مرحلة الدراسة، وقد عمدت جريدة “البديل” التي شاركتهن التجربة، منحهن أسماء مستعارة حفاظا لهن على خصوصيتهن.
حيث روت النساء الحاضرات تجارب مريرة مع أولادهن، والسبب في ذلك انعدام مفاهيم التعامل مع الموقف من قاموس معلوماتهن، ظنا أن إخفاء الأمر عنهم سيكون عاديا إذا تم اكتشافه مع مرور الوقت، وهي الفكرة التي تبين خلال الجلسة أنها “فكرة خاطئة” وتأثيرها سلبي جدا على الطفل، الذي يشعر بالتهميش وحتى عدم الثقة واهتزاز العلاقة بين الطرفين.
على غرار السيدة “سامية”، التي تحدثت بكل أسف عن ابنتها التي أخبرتها أنها لن تكون علاقاتها وطيدة بها كأم صديقة كما كانت في السابق، وذلك في إطار المعاملة بالمثل، بعدما كتمت “سامية” خبر إصابتها بسرطان الثدي عن ابنتها “حنين”، خوفا عليها من التأثر لصغر سنها (14 سنة)، إلا أن البنت كانت أكثر ذكاء عندما كانت تفتح الحاسوب وتلاحظ تواتر “الملفات المبحوث عنها” الحاملة لكل ما يتعلق بـ “السرطان”، وعند استفسارها لشقيقها الأكبر، أكد لها إصابة والدتهما بالمرض، وحرص على كتمانها للخبر، لأن الأم لا تريدها أن تعلم، وكان ذلك، إلى أن لاحظت الأم تغير تصرفات “حنين” معها حول خصوصياتها،وتنصدم بالحقيقة التي مازالت تشغل بالها، بعد اعتراف ابنتها بمعرفتها الحقيقة، وأنها اتخذت قرارا مصيريا يتعلق باحتفاظها بأمورها الخاصة لنفسها دون تقاسمها مع أمها في إطار المعاملة بالمثل.
في قصة أخرى، كشفت “جازية” عن معطيات حزينة تتعلق بابنتها “أميرة”، التي كانت على مشارف اجتياز عتبة شهادة التعليم المتوسط، عندما اكتشفت إصابة والدتها بداء السرطان وخضوعها لعملية جراحية، لتفشل في الامتحان، وتقرر التوقف عن الدراسة لمساعدة والدتها في أشغال البيت وتحمل المسؤولية، وهو ما جعل مستقبلها الدراسي يتوقف. بينما حكت “سليمة” عن تجربة رائعة خلال مرحلة اكتشاف إصابتها بالمرض ومسيرتها العلاجية بالمؤسسة الاستشفائية المتخصصة في الولادة والطفل المعروفة “سانتان”، التي كانت مرافقة لها نفسيا ولأسرتها (الزوج والأولاد)، وهو ما جعل اطلاعهم على الخبر يتم بطريقة سلسة وبسيطة دون تعقيدات ولا صدمات، ما جعل العلاج والوضع النفسي لـ “سليمة” يتم بطريقة جد إيجابية وسط تفاعل قوي من العائلة.
بينما غلبت الدموع “سعاد” وهي تروي قصتها بكل حزن، بعدما ظنت أن زوجها سيقف بجانبها، لأنه الوحيد الذي رافقها للطبيب وعلم بمرضها، وحرصت ألا يخرج الخبر عنهما، حتى الأولاد لأنهم صغار ولا يفهمون ذلك، إلا أن زوجها أخبر عائلته دون علمها، وبعد فترة ولدى خضوعها لعملية استئصال الرحم تخلى عنها بكل سهولة معلنا أنه يريد أن ينجب المزيد من الأطفال وعليه تطليقها، وهو ما صدمها لأنه كان مرافقها الوفي والداعم لها في البداية، إلا أن عائلته أثرت عليه فيما بعد، فطلقها بكل سهولة.
“زكية” هي الأخرى روت حمايتها مع داء السرطان، كاشفة أنها كانت مجبرة على التحلي بالقوة، لأن فشلها أو انهيارها هو انهيار لعائلتها، كونها كانت مور قوة ودعم وتحفيز وسند أفرادها، شكرا دعم زوجها لها وتفهمه، خاصة وأنه يشتغل في قطاع الصحة، مؤكدة على نجاح تصرفها القوي في تجنيب عائلتها أي مشكل نفسي، لاسيما حينما دخلت على والدتها مبتسمة، تبحث عن الأكل وهي قادمة من المستشفى حاملة خبر إصابتها بالداء، إلا أنها قوبلت بدموع والدتها لأنها سمعت الخبر من ابنها وزوج ابنتها من المستشفى مباشرة، وانتشر الخبر بين أفراد العائلة، إلا أن “”زكية”، تصرفت بسلوك مخالف لعادات المصابات بالمرض، فقد تركت خالاتها بالبيت رفقة والدتها، وذهبت إلى الحلاقة، تجملت هناك وعادت لتحمل حقيبتها وتتجه إلى المستشفى لإجراء استئصال الثدي بشكل طبيعي، وهو ما أدهش العائلة، غير أنها بتصرفها بتحد وقوة وكبرياء جعلها تعيد الثقة لأفراد العائلة وتجعلها قوية أكثر وإن كانت أحيانا تشعر بالضعف.
كما تطرقت إلى تجربة جدا هامة، تتعلق بتعاملها مع بناتها، فقد ذكرت “زكية” أنها تعمدت أن تغير ملابسها أمام بناتها من البداية وهن صغيرات، وفي كل مرة تشرح لهن في إطار ردها عن تساؤلاتهن حول التغيير الحاصل بصدرها، حتى اعتدن الوضع وكبرن اليوم في انسجام تام مع الوضع، وأصبح الأمر طبيعيا لهن، خاصة وأن زوجها كان يحلق لها شعرها كليا وتقوم هي بربطه والاحتفاظ به بين خصوصياتها موضحة لهن أنها هي من تقوم بذلك حتى تعالج جيدا ويعود للنمو بشكل طبيعي.
لكن تجربة “حكيمة” مع ابنتها كانت قاسية، لأن ابنتها “نورهان” كانت طفلة وعلمت بأمر والدتها، وبدأت تبحث عن معطيات أكثر حول المرض، فأخبرت صديقتها بالمدرسة، لتعود لها الصديقة بمعلومات صادمة، وهي أن والدتها أخبرتها أن السرطان “مرض قاتل”، وهي المعلومة التي كانت سببا في انهيار “نورهان” وبكائها المستمر خوفا من فقدان والدتها وقد أثر ذلك على مردودها الدراسي.
وأثناء رواية النسوة لتجاربهن المختلفة في تفاعل أطفالهن مع خبر الإصابة بمرض السرطان، أجمعت النسوة على أن تأثير الخبر على البنات أقوى منه على الذكور، وذلك بحكم قوة الاتصال ودرجة التقارب في العلاقة بينهما، لأن البنت الأقرب إلى الأم في غالب الأحيان، وترى نفسها نسخة من والدتها، بينما الذكر يرى أن رجولته في قوته وصلابته اقتداء بوالده في مواجهة أمور الحياة بمختلف أشكالها.
للأطباء المعالجين دور التأثير على نفسية المرأة ضحية السرطان
وفي سياق الحديث عن تجاربهن مع رحلة العلاج من داء السرطان، فتحت الطبيبة النفسانية بجمعية “فرد” نافذة، أبانت من خلالها الدور الهام للطاقم الطبي المعالج للمرأة المصابة بداء السرطان وتأثير ذلك على نفسيتها.
وفي هذا المقام، سردت “سامية” الطريقة السلبية التي كانت تتعرض لها عند خضوعها لجلسات العلاج، بعدما يبدي الأطباء غرابتهم من طريقة الاستئصال التي تمت على ثديها، كون الطبيب الجراح فضل أن يبتر الجزء المصاب فقط من الثدي والإبقاء على باقي العضو، حتى لا يظهر الفرق واضحا للناس عند ارتداء ملابسها.
فيما كانت تجربة “جازية” مؤلمة أكثر، لأنها لم تجد من يساعدها على جعل ابنتها تتخطى الحادثة وتعود لمواصلة الدراسة، خاصة وأن الطاقم التربوي لم يتخذ خبر توقفها عن الدراسة باهتمام، لثنيها عن قرارها. في الوقت الذي أكدت “زكية” أنها تواصلت مع المؤسسة التربوية لابنتها، وأطلعت طاقمها التربوي على مرضها، حتى يتخذوا ذلك في الحسبان أثناء التعامل مع ابنتها خلال الدراسة وخاصة فترة الامتحان، وقد ساعدها تفاعلهم في تأقلم البنت مع الوضع وازدياد حرصها على الحصول على نتائج جيدة لتكون حافزا نفسيا إيجابيا لوالدتها. بينما أجمعت النسوة على غياب الدور النفساني للأخصائيين رغم وجودهم بالمؤسسات الاستشفائية، يؤثر سلبا على رحلة العلاج للمريض بالسرطان سواء الإناث أو الذكور.
تكوين الطاقم الطبي لمرافقة المريضة بالسرطان نفسيا ضرورة ملحة…
واختتمت الجلسة النقاشية التي كانت مفعمة بمعطيات هامة كشفت عنها مريضات بالسرطان، خلال روايتهن لمسيرتهن النضالية للشفاء من داء السرطان، في هدوء وانشراحمنحتهن إياه جمعية “فرد” بفتحها الباب من أجل معرفة معاناتهن الحياتية، ومعركتهن اليومية في مجتمع مازال يجهل الجانب النفسي، خاصة في رحلة العلاج من السرطان، ويركز كل اهتمامه على العلاج الموضعي، وذلك لغياب الوعي والمعلومات في هذا الشأن.
حيث انتهى التحليل الكمي والكيفي الذي قامت به النفسانية بجمعية “فرد”، إلى أن أهم عنصر مستهدف في شهادات المريضات كان “الطبيب النفسي”، وهو العنصر الذي يعتبر غائبا بقوة في الخارطة العلاجية، ما يعني أنه على الجهات الوصية أن تدعم بروتوكول علاج السرطان بالمتخصصين النفسانيين، وذلك للعمل على إذاعة الخبر في محيط المريضة بطريقة صحيحة وإيجابية، تجعلها تتلقى الدعم النفسي منه بشكل جيد (خاصة العائلة أو المحيط المقرب)، كما دعت إلى ضرورة توفير نفسانيين بالمؤسسات التربوية من أجل الوساطة بين الطاقم التربوي وعائلة التلميذ، لمواكبة التغيرات التي تظهر على سلوكه أثناء الدراسة، من أجل مساعدته ومساندته على تجاوز المراحل السلبية، خاصة ما يتعلق بالوضع العائلي (مرض أو مشاكل خاصة)، خاصة وأن الأطفال يعتبرون الحلقة الأهم والأسهل كسرا في العائلة لتأثرهم السريع بالأحداث.
وللترويح عن أنفسهن، وبداية انفتاح المجتمع الجزائري على مرض السرطان واستئصاله بضحاياه، وتقبله كمرض عادي مثل باقي الأمراض، تمنت الحاضرات لو أنه يتم فتح فضاء للقائهن باستمرار كمصابات من أجل تبادل الأحاديث والاطلاع على تجارب بعضهن، إلى جانب منح أطفالهن فرصة اللقاء والتعارف وتبادل المعطيات، لأنهم يحكون بدون خلفيات وهو ما يسمح لهم بدعم بعضهم وتقبل مرض أمهاتهم بشكل طبيعي والتعايش مع الوضع.
ميمي قلان