الثـقــافــة

في الذكرى الـ 63 لاستشهاد القائد البطل الجيلالي بونعامة ورفاقه

حياة مليئة بالبطولات والتضحيات 

من مواليد 16 أفريل 1926 بقلب الونشريس دوار بني يندل موليار المسماة حاليل باسمه بلدية برج بونعامة ولاية تيسمسيلت، ينتمي إلى أسرة فقيرة سلب منها الاستعمار الفرنسي نعمة الحياة الكريمة، ابن “عبد القادر بن العربي و”رتيعات خيرة بنت عبد القادر بنت عبد القادر”، تربى في منطقة جبلية تعد أهم القلاع المنيعة لجبهة وجيش التحرير الوطني، سنة 1933 ألتحق بالدراسة بمدرسة “موليار” المسماة حاليا باسم الشهيد “صالح صابيح” زميل “الجيلالي بونعامة” في الدراسة ورفقه في الكفاح، وكان ن أنجب تلاميذ فصله متميزا بحدة الذكاء، غير أنه حرم من مواصلة الدراسة من طرف إدارة المدرسة الإستعمارية في جولية 1939 حسب سجل القيد المدرسي .

بعد توقفه عن الدراسة ساعد والده الذي كان مستأجرا دكانا ببوقايد ثم عمل بمنجم الرصاص التابع للشركة الفرنسية البلجيكية ببوقايد، وانضم إلى نقابة المنجميين للدفاع عن إخوانه العمال، استدعي لتأدية الخدمة العسكرية الإجبارية ونقل إلى الهند الصينية ضمن صفوف الجيش الاستعماري بفرقة الرماة، وقد استفاد من هذه التجربة بعد تسريحه وعودته للعمل بالمنجم وهو مهيأ للنضال السياسي والكفاح العسكري .

نشاطه السياسي

انخرط في صفوف حركة انتصار الحريات الديمقراطية فتشبع بالروح الوطنية التي عمل على زرعها بين أبناء جلدته، وأصبح ممثلا للحركة بناحية الونشريس، مما سمح له بالتعرف بمناضلين من مناطق أخرى كالأصنام، الجزائر ووهران، ثم اختير رئيسا لخلية المنظمة الخاصة بالمنطقة، سنة 1948 نظم مظاهرة مناهضة للسياسة الاستعمارية أثناء فترة انتخاب النواب للمجلس الفرنسي والتي على إثرها اعتقل رفقة مجموعة من المناضلين، وحكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر.

صيف 1951 نظم الإضراب العام لعمال منجم بوقايد استمر لمدة خمسة أشهر، وكان لهذا الإضراب صدى كبيرا في الجزائر وحتى في فرنسا نفسها، جويلية 1954 مشاركته في مؤتمر حركة الانتصار بهورونو البلجيكية .

التحضير لاندلاع الثورة بمنطقة الونشريس

سنة 1953، بالتنسيق مع الشهيد “سي البغدادي” ( أحمد عليلي ) بأمر من الشهيد “سويداني بوجمعة” للإشراف على تنظيم الاجتماعات وتشكيل الطلائع الأولى للثورة بالقرى والمداشر والمدن وحفر المخابئ وجمع الذخيرة والأسلحة الحربية وصنع المتفجرات وجمع الأموال لتمويل الثورة، 6 نوفمبر 1954 إلقاء القبض على الشهيد إثر اندلاع ثورة أول نوفمبر 1954 ووضع بجيبه مسدس لاتهامه بحمل السلاح ليكون اعتقاله مموها بالصيغة الشرعية.

حكم عليه بالسجن لمدة سنة ويوم بالسجن الكبير الأصنام ثم نقل إلى سجن بربروس بالجزائر العاصمة، وبعد نهاية مدة السجن، نفي إلى مدينة وهران ووضع تحت الإقامة الجبرية، أواخر 1955 فر من الإقامة الجبرية بوهران واتصال برفاقه بناحية الأصنام منهم “سي عمر بن محجوب” ليلتحق بوحدات جيش التحرير الوطني المتواجدة بجبل بيسا دائرة تنس.

وشرع مباشرة في خوض غمار الكفاح المسلح بمنطقة الونشريس والظهرة مع “سي البغدادي” القائد الأول لمنطقة الونشريس والظهرة، وعمل على تكثيف الاتصالات مع المناضلين لضم الشباب لتدعيم صفوف الثورة والحد من نشاطات الحركات المناوئة لها، نهاية سنة 1956 رقي “سي محمد” إلى رتبة مسؤول عسكري ضمن قيادة المنطقة الثالثة للولاية الرابعة، وأصبح جيش التحرير الوطني في منطقة الونشريس يتمتع بالقوة والتنظيم والانضباط .

بعض العمليات العسكرية التي قادها “سي محمد بونعامة”

في سبتمبر 1956 تم تنظيم عملية فدائية استهدفت حرق وتدمير مخيم الاصطياف بعين عنتر قرب بوقايد، وتخريب مراكز حراس الغابات، 1 جانفي 1957 هجوم على معسكر العدو المتواجد بالمرجى بين الكيفان قرب قرية موليار، وخلف الهجوم مقتل 36 جنديا فرنسيا وتدمير المركز وعربة كهربائية وتسجيل سقوط شهيدين من صفوف المجاهدين وغنم كل أسلحة المركز.

في مارس 1957 في منتصف النهار فرقة الكومندو “سي جمال” تحت قيادة “سي محمد”، تشتبك مع قوات العدو قرب سوق الحد خلف الإشتباك مقتل 15 جنديا فرنسيا واستشهاد 6 مدنيين عزل، أفريل 1957 القضاء على العميل كوبيس وإلحاق جنوده بصفوف جيش التحرير الوطني، ماي 1957 بسيدي بختي جبل عمرونة بثنية الحد كتيبة جيش التحرير الوطني بقيادة سي محمد بونعامة تشتبك مع كتيبة المشاة قوامها 140 جنديا لمدة أربع ساعات خلف هذا الاشتباك 37 قتيلا في صفوف العدو وأسر ضابط برتبة نقيب و4 جنود.

كما استشهد 6 مجاهدين وغنم المجاهدون كمية من الأسلحة ، ماي 1957 تحمامت قرب باب البكوش قوات جيش التحرير الوطني بقيادة الشهيد تفاجئ قوات العدو المكلفة بالتمشيط مما أدى إلى نشوب معركة طاحنة دامت يوما كاملا، تدخل أثناءها سلاح الطيران لفك الخناق المضروب على القوات الفرنسية، وأسفرت هذه المعركة على مقتل 50 جنديا فرنسيا وجرح عدد كبير، كما تم تدمير ست شاحنات عسكرية، واستشهد 13 مجاهدا في جيش التحرير الوطني وحرق من جراء القصف الجوي 35 مسكنا.

جوان 1957 فصائل جيش التحرير الوطني بقيادة “سي محمد بونعامة” و”سي أمحمد بوقرة” بعد تنصب كمينا لفيلق العدو المدعم بالأسلحة الثقيلة بجبل البارود بالونشريس ومحاصرة الفيلق نشبت المعركة التي دامت يوما كاملا قتل أثناءها 30 جنديا من قوات العدو واستشهد 7 مجاهدين ، أفريل 1958 تمكنت فصائل من جيش التحرير الوطني بقيادة سي محمد بونعامة وسي حسان في باب البكوش من التصدي لحامية فرنسية كانت قد نزلت بالمكان في محاولة لاستكشاف مراكز ومخابئ جيش التحرير، فوقعت المعركة التي أسفرت عن مقتل 70 جنديا فرنسيا وعدد من الجرحى واستشهد 30 مجاهدا وتم غنم كمية من الأسلحة، صائفة سنة 1957 ترقية سي محمد إلى رتبة  قائد المنطقة الثالثة التي تشمل سهول الشلف وجبال الونشريس وجزء من سهل سرسو وجبال الظهرة، تمتد شمالا من تنس إلى تيبازة وجنوبا من دراق بالمدية إلى عمي موسى بولاية غليزان .

ومع نهاية سنة 1957 ، أصبحت هذه المنطقة خاضعة بكاملها لنظام الثورة ولا تعترف بالإدارة الاستعمارية، النصف الثاني من سنة 1958 ترقية سي محمد إلى رتبة صاغ أول (رائد) مسؤول عسكري عضو مجلس الولاية الرابعة مكلفا بالشؤون العسكرية وإلى جانبه الرائد سي صالح زعموم مكلف بالشؤون السياسية، تحت قيادة العقيد سي أمحمد بوقرة ، إفشال عملية التاج في إطار مخطط شال للقوات الاستعمارية، ثم عملية الحزام إثر قيام سي محمد بتقسيم كتائب جيش التحرير الوطني إلى فصائل وأفواج صغيرة محددة الأهداف معتمدة على السرعة في التنقل والانتشار ومضاعفة العمليات الفدائية في المدن والقرى، خاصة في الجزائر العاصمة وضواحيها.

جوان 1960 سي محمد يفشل مخطط الإليزيه بعد عودته من اللقاء السري مع الدولة الفرنسية ويقلب الموازين بمبادرته إلى عقد اجتماع ضم الضباط والجنود بالمنطقة الثانية ينشئ اللجنة العسكرية للتنسيق والتنفيذ ويحل مجلس الولاية، وقوات العدو تباشر عملية الصرصور بالونشريس التي توقفت بعد سبعة أيام من بدايتها، جوان 1960 سي محمد يتولى قيادة الولاية في إطار التسيير الجماعي بعد قدوم الرائد أحمد بن شريف من تونس إلى جانب سي حسان (يوسف الخطيب) وسي يوسف (يوسف بلخروف)، إنشاء المنطقة 6 (العاصمة والساحل ومتيجة) وإعادة بعث خلايا جبهة التحرير الوطني بالعصمة وتدعيم الإعلام وتوسيع الاتصالات بالمجندين الجزائريين في صفوف العدو لتعزيز القدرة القتالية للكتائب وتنظيم هياكل اتصال سريعة في داخل المدن وبالولايات الأخرى وباتحادية فرنسا والحكومة المؤقتة بتونس، تحرير دليل الفدائي الجزائري به مجمموعة من المبادئ الأساسية لحرب العصابات، 11 ديسمبر 1960 سي محمد بونعامة يصدر الأوامر لتنظيم مظاهرات سلمية تعبيرا عن وحدة الشعب الجزائري ووقوفه مع حكومته المؤقتة، وقد تزامن ذلك مع انعقاد دورة الأمم المتحدة ومناقشة القضية الجزائرية وزيارة جنرال دي غول للجزائر .

استشهاده

8 أوت 1961 سي محمد يرتقي إلى مصاف الشهداء بعدما ضحى بكل ما لديه من أجل القضية الوطنية فلم يظهر عليه أي تأثر عندما أخبر باستشهاد والديه إثر غارة جوية وتوقيف أخيه الأكبر وتهديم منزلهم كل ذلك لم ينقص من عزيمته، بل انكب بدون توقف لتطوير وسائل الكفاح متحديا الموت ليفاجئ في ليلة الثامن من أوت 1961 وهو بمركز جيش التحرير الوطني بمدينة البليدة بمنزل النعيمي بالحصار وصفارات الإنذار على الساعة التاسعة ليلا، وأعقب ذلك معركة غير متكافئة بين ثلة من المجاهدين الأبطال وقوات العدو المدعمة بالفرقة الحادية عشر للتدخل السريع والملحقة بالرئاسة تساندها وحدات المظليين المتواجدين محليا بالإضافة إلى حامية البليدة ، لقد قاوم سي محمد ورفاقه بيقظة والتزام وثبات لعدة ساعات أمام القوات ذات التدريب العالي، وبعد القضاء على عدد من ضباط وجنود العدو استشهد البطل سي محمد بونعامة قائد الولاية الرابعة التاريخية وأستشهد معه كل من خالد عيسى الباي مسؤول الاتصالات بالولاية، عبد القادر وادفل مشغل الجهاز اللاسلكي، المناضل مصطفى النعيمي صاحب البيت كما أصيب بجروح خطيرة كل من محمد تقية مسؤول مصلحة التوعية والأخبار، بن يوسف بومهدي مسؤول بجبهة التحرير الوطني وأسر إثنان من عائلة النعيمي.

وبانتهاء المعركة سارعت القيادة الفرنسية إلى إعلان الخبر معتبرة ذلك انتصارا عظيما حققه الجيش الفرنسي، كما قامت الطائرات برمي مناشير كتب عليها محمد مات بالعربية والفرنسية، وبمجرد انتشار خبر استشهاده هبت وحدات جيش التحرير الوطني بشن عدة عمليات جريئة على امتداد الولاية، كما كثفت العمليات الفدائية بالعاصمة والمدن الأخرى، واستمرت المعركة أكثر من ضراوة مستوحاة من أفكار وتضحيات سي محمد وقبله سي أمحمد وغيرهما من الأبطال اللذين استشهدوا لتحيا الجزائر.

إعداد: جطي عبد القادر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى