الثـقــافــة

فنانون يعانون الأمرّين ويستصرخون

في انتظار الكشف على قانون الفنان

يعيش معظم الفنانين الجزائريين أوضاعا تستدعي تدخل المسؤولين للنظر في مصيرهم المجهول ونخص بالذكر هنا الممثلون والممثلات، المطربون والمطربات الذين صنعوا مجد وفن وثقافة هذا الوطن خلال سنوات الستينات والسبعينات من القرن الماضي حيث وفي غياب الإنتاج السينمائي والدعم الحقيقي لهم أصبح الكثير منهم يعاني التهميش وعرضة لتصاريف الأيام.

أسماء فنية كثيرة تركت بصماتها على المشهد الفني وصنعت السنوات النيّرة للسينما الجزائرية وشرفت الجزائر في العديد من المحافل الدولية والمهرجانات الثقافية، لكن بعد العشرية السوداء لم نعد نسمع الكثير من هؤلاء ركزا فأصبحوا يعانون في صمت ويموتون أيضا في صمت، وأن ما حدث للفنانين الراحلين أمثال أحمد وهبي وقاسي تيزي وزو وعلي الكحلاوي والشيخ ولد العيد وصباح الصغيرة وبقارة حدّة وزليخة والقائمة طويلة، يطرح ألف سؤال وسؤال، فهل جزاء هؤلاء أن تكون ختمة حياتهم مرضا وآلاما، دموعا ومأساة مواجعا وفواجعا؟.

النقاش أصبح يفرض نفسه تلقائيا

إن فتح النقاش على مصراعيه بخصوص بعث وتأسيس قانون للفنان أو ميثاق للفنان أصبح يفرض نفسه بصورة تلقائية أكثر من أي وقت مضى، فإلى عهد قريب حاول الراحلين أحمد وهبي وحمدي بناني من وضع تصور كإطار للمناقشة والإثراء والحوار، وقد بارك المشروع أقطاب الفن الجزائري على غرار” خليفي أحمد، رويشد، قاسي تيزي وزو، سلوى، المطربة نورة، عبد الحميد عبابسة، الطاهر فرقاني، المطربة نادية، بلاوي الهواري، بوجمعة العنقيس، رابج درياسة، المطربة صباح الصغيرة، المطربة ثلجة، وغيرهم من الفنانين وغيرهن من الفنانات الذين معظمهم مات وفي قلبه غصة، لكن مسودّة هذا المشروع سرعان ما دخلت في طي النسيان بسبب العراقيل والصعاب والبيروقراطية الإدارية، لأنّ الجدل في الساحة الفنية ظلّ قائما حول التعريف السليم والصحيح للفنان؟. وهل كلّ من دخل الفن بين عشية وضحاها سيكون معنيا بالأمر؟. أم هناك معايير ومقاييس لابد من أخذها بعين الاعتبار وجعلها مرآة لمعرفة الفنان الحقيقي من الدخلاء؟…الأكيد أن لأصحاب دور التسجيل والتوزيع كلمة في الموضوع، بحيث يعرفون كل صغيرة وكبيرة عن السوق الغنائية حتى لا نقول الساحة الفنية، والمؤكد أيضا أن ميثاق الفنان الذي قيل فيه الكثير وكلما ترّبع مسؤول عن الوزارة الوصية إلاّ ووعد بفتح الملف والإسراع بتفعيله، لكن سرعان ما يأخذ شكل الجدل البيزنطي ليطوى من جديد أو يُؤجّل حتى إشعار آخر حين يأتي وزيرا جديدا، أو يأخذ طابع المهرجانية بتكريمات للفنانين قد تقتلهم وهم أحياء. لكن الجميع يجزم بأنّ هناك أيادي خفية لا يخدمها تأسيس ميثاق للفنان لأنّها تحترف فن البزنسة في الغناء والسمسرة في الفن وتسبح ضد تيار الفنانين الغيورين على الفن الجزائري، بل تعتبره في حالة تجسيده ضربا لمصالحها وتهديدا لها وإعلانا بزوالها، فيما تُفضّل الموجة الجديدة التي ركبت سفينة الفن في الألفية الثالثة الإبقاء على الملف بين المد والجزر حتى تشق لنفسها نجومية في غياب كلّ معالمها ومقاييسها، لأنه ليس كل من غنى أطرب. هكذا يبقى ملف قانون الفنان مطروحا بكل مشاكله وتصوراته ونقاطه المعقدة وتجاذباته وتقاطعاته من طرف جميع الأطراف لكن المطلوب إعادة وضعه على طاولة النقاش بصفة جدية وبشكل موضوعي، حينها فقط يردّ الاعتبار للفنان الجزائري ومن خلاله للفن عامة.

مشروع قانون الفنان على طاولة الحكومة

لقد أفاد رئيس لجنة صياغة قانون الفنان، الفنان ميسوم لعروسي، بمناسبة الإحتفال بذكرى يوم الفنان في جوان الماضي بأن مشروع قانون الفنان الجزائري يتواجد حاليًا على طاولة الحكومة، وأكد لعروسي أن هناك إرادة سياسية قوية للتكفل بالفنان الجزائري وتعزيز دوره في المجتمع. وأوضح أن وزارة الثقافة قد وضعت خطة لبدء مشاورات مع الفنانين في جميع أنحاء البلاد. كما أضاف أنه تم الانتهاء من صياغة نص قانون الفنان وأنه حاليًا يتمتع بمستوى الأمانة العامة للحكومة لمناقشته في الوقت القريب. يهدف هذا القانون إلى توفير الحماية والدعم للفنانين وتعزيز دورهم في المجتمع والثقافة الجزائرية بشكل عام. كما أنّ القانون من المتوقع أن يتضمن ترتيبات لتحسين وضع الفنانين من خلال توفير الرعاية الصحية والاجتماعية والتأمين وتعزيز فرص العمل والتعليم في المجال الفني. ومن المهم أن يتم توفير الدعم المالي اللازم للفنانين لمساعدتهم على ممارسة أعمالهم الإبداعية بشكل مستدام ومستقل.

لقاء وطني لإثراء مشروع قانون الفنان

هذا وللتذكير، فقذ سبق في ماي الماضي بالجزائر العاصمة تنظيم لقاء وطني حول مشروع قانون الفنان حضره مجموعة من الفنانين والخبراء والمختصين، وهذا بهدف إثرائه والخروج بورقة طريق تبين أفضل السبل للتكفل بالفنان الجزائري اجتماعيا ومهنيا. حيث أكدت يومها وزير الثقافة والفنون صورية مولوجي، في كلمة لها قرأها بالنيابة عنها ميسوم لعروسي نائب رئيس المجلس الوطني للفنون والآداب أن الانطلاق في هذا المشروع غايته “تحقيق مكاسب جديدة” عملا بتوصيات رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون الساعية لتحقيق تكفل أفضل بالمبدعين والفنانين, وأن ذلك سيكون بمثابة “ميلاد عهد جديد من خلال ورقة الطريق التي سيحدد معالمها المختصون والفنانون وهم أدرى بما يعيشه الفنان”. كما دعت السيدة مولوجي المشاركين في هذا اللقاء إلى أهمية الخروج بمقترحات تتعلق بالدرجة الأولى بالتكفل الاجتماعي بالفنان الجزائري بما يضمن له التغطية الصحية والتقاعد المحترم وفق الأطر القانونية السارية إلى جانب العمل على أن تكون للفنان بطاقة بيومترية تتضمن مساره الفني. وأوضحت في ذات الشأن بأن كل الإجراءات التي سيتم اتخاذها تكون ضمن “مواكبة متطلبات العصر وجهود الدولة للرقمنة, كما سنوسع صلاحيات ومزايا بطاقة الفنان بما يحقق القيمة المضافة في خدمة الفنان الجزائري، مع التشديد في مسألة الاستحقاق لهذه البطاقة ضمانا للاحترافية والمصداقية”. من جهة أخرى, أكدت الوزيرة بأن قطاعها يسعى اليوم إلى “وضع الأسس التي يقف عليها وضع الفنان الجزائري شامخا متينا حتى لا يظل عرضة لنقاشات جانبية وغير مؤسسة”, مشيرة إلى أن هذا القانون الذي سيرى النور فور الانتهاء من صياغته النهائية سيضمن احترام الفنانين الذين ظلت روحهم وفية لهذا المجتمع مهما كانت الظروف. وخلال هذا اللقاء فتُح النقاش حول بطاقة الفنان، حقوق وواجبات الفنان، الحماية الاجتماعية، أحكام الفئات الخاصة (الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة والأجانب)، إلى جانب استعراض عمل لجنة صياغة قانون الفنان منذ تنصيبها في أوت 2022 وإلى غاية انتهاء ورشات صياغة المشروع عبر 36 ولاية مدعمة باستبيان إلكتروني تم إطلاقه عبر منصات رقمية تابع للوزارة إلى غاية تسليم المجلس الوطني للفنون والآداب للتقرير النهائي.

تعاقب الوزراء وظل المشروع حبرا على ورق

— سنة 2011 بدا أن القانون، الذي يهدف إلى توفير الحماية الاجتماعية للمشتغلين في المجالات الفنية والثقافية، على وشك أن يُصبح حقيقة، مع استحداث هيئةٍ تابعة لوزارة الثقافة؛ هي “المجلس الوطني للفنون والآداب”، والذي أُسندت إليه مجموعةٌ من المهام، تتقدّمها “متابعةُ وضعية الفنّانين والمؤلّفين”، و”المصادَقة على المعايير الخاصّة بالاعتراف بصفة الفنّان”، وتسيير “البطاقة الوطنية للفنّانين”. لكنَّ المشروع بقيَ حبيس الأدراج.

— سنة 2014 حين أعلنَت وزيرة الثقافة، حينها، خليدة تومي، عن بداية التطبيق الرسمي لـ”قانون الفنّان”، والذي أوضحت أنّه يشمل “جميع المُبدعين الذين يُقدّمون أعمالاً ثقافية ملموسة أو يُساهمون فيها”، وأنَّ تجسيده سيبدأ من خلال منح وثيقة رسمية (سُمّيت “بطاقة الفنّان”) لأشخاصٍ تنطبق عليهم تلك الشروط.

— 2015 تسليمِ أوّل “بطاقة فنّان”؛ وهو ما اعتبرته، حينها، “أوّلَ خطوةٍ في طريق إطلاق القانون الذي سيخدم الفنانين ويُحسّن وضعيّتهم الاجتماعية”. لكن سرعان ما تبيَّن أنّ البطاقة، التي سُلّمت لأكثر من ألف “فنّانٍ” حتّى ذلك الوقت، مُجرَّد ورقةٍ بيروقراطية لا تُسمِن ولا تُغني مِن جوع؛ إذْ لم تُوفّر لمن حصلوا عليها أيَّ شكلٍ من الحماية الاجتماعية، وهو ما دفع مشتغلين في مجالات ثقافية وفنّية يُعبّرون عن رفضهم التقدُّم لطلبها، مُشيرين إلى أنّها مُنحت لأشخاص لا تربطهم صلةٌ بالثقافة والفنون، بالموازاة مع تداوُل وسائل إعلامٍ محلّية أخباراً عن فتحِ مصالح الأمنِ تحقيقات حول بيع بطاقاتٍ مزوَّرة لأشخاص يستخدمونها في تسهيل إجراءات الحصول على تأشيرة سفر.

— سنة 2019 ووصول مريم مرداسي إلى وزارة الثقافة، كان عددُ البطاقات التي سلّمها “المجلس الوطني للفنون والآداب” قد تجاوَز عشرة آلاف، بينما تراجَع الحديثُ عن “قانون الفنّان”، لتحلَّ محلَّها تفاصيلُ تقنية حول طُرق معالجة ملفّات طالبي البطاقة، وعصرنتها من خلال إصدارها في نسخةٍ إلكترونية.

— سنة 2021، قدّمت وزيرة الثقافة، حينها، مليكة بن دودة، للحكومة مشروعَ “مرسوم تنفيذي” يهدف إلى “التكفُّل بانشغالات الفنّانين والممثّلين في مجال علاقات العمل، من خلال ضمان حمايتهم العادلة، لا سيما بإخضاع كلّ علاقات عملهم إلى إبرام عقود عمل مسبقة تكون كتابيةً لمدّة غير محدّدة أو لمدّة محدّدة”. غير أنّ المشروع لم يرَ النور هو الآخر.

— سنة 2022، وهو “اليوم الوطني للفنّان” في الجزائر، كشف مدير “دائرة الآداب وتطوير الفنون” في وزارة الثقافة، ميسوم لعروسي، في لقاءٍ مع إذاعة حكومية، عن تسليم أكثر من 13 ألف بطاقة فنّان (من بينها 554 بطاقة إلكترونية)، تتوزّع على قرابة 180 “مهنةً” في المجال الثقافي والفنّي تعترف بها وزارة العمل، مُضيفاً أنّ هذه الوثيقةَ تُوفّر لأصحابها امتيازات عدّة؛ مثل التأمين الصحّي، والتقاعد، والحصول على تمويلٍ لإنشاء مؤسّسات ثقافية. ولم يفوِّت لعروسي، خلال اللقاء، التبشيرَ بـ”اقتراب موعد إصدار قانون الفنّان”.

بقلم: هشام رمزي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى