
في عصر يتدفق فيه المعلومات بسرعة البرق، يجد الكثيرون أنفسهم أمام مفارقة غريبة: كيف يمكن لخدعة بسيطة أن تتحول إلى “حقيقة” عبر الإنترنت؟ هذه القصة تروي كيف وقعت أنظمة الذكاء الاصطناعي في فخ الأكاذيب التي كان يُفترض أن تكون مجرد دعابة عابرة.
من الدعابة إلى “الحقيقة الرقمية”
لطالما اعتاد الصحفي “بن بلاك” على نشر قصص خيالية في الأول من أبريل كجزء من تقاليد “كذبة نيسان”، بهدف إضحاك قراء موقعه المحلي. لكنه لم يتوقع أن تتحول إحدى مزاحاته إلى مصدر موثوق به بالنسبة للخوارزميات الذكية. ففي عام 2020، نشر مقالاً يفيد بأن بلدته “كومبران” في ويلز سجلت رقماً قياسياً في عدد الدوارات المرورية لكل كيلومتر مربع. ورغم أنه عدل الخبر لاحقاً ووضح أنه مجرد خدعة، إلا أن الآلة الرقمية كانت أسرع منه.
الذكاء الاصطناعي يكرر الأخطاء البشرية
المفاجأة الصادمة جاءت عندما اكتشف “بلاك” بعد سنوات أن محركات البحث، خاصة تلك المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، تقدم معلوماته المزيفة كحقائق مؤكدة. بل والأكثر إثارة للقلق، أن بعض المواقع الإلكترونية، مثل منصات تعليم القيادة، أعادت نشر الخبر دون تحقق، مما منحه مصداقية غير مستحقة.
“الأمر مرعب حقاً”، يعترف “بلاك”، “فشخص في أسكتلندا قد يبحث عن معلومات مرورية في ويلز فيصادف بيانات خاطئة، فقط لأن نظاماً آلياً اعتبرها صحيحة”. المشكلة هنا ليست في الخدعة نفسها، بل في كيفية انتشار المعلومات الزائفة بلا رقابة، حتى عندما يكون مصدرها واضحاً من البداية.
تأثير الذكاء الاصطناعي على النشر المستقل
يرى “بلاك” أن التحدي الأكبر يكمن في استغلال أنظمة الذكاء الاصطناعي لمحتوى الناشرين المستقلين دون عائد أو إذن. فبينما تتعاون المؤسسات الإعلامية الكبرى مع شركات التقنية، يبقى الصحفيون المستقلون عاجزين عن حماية أعمالهم من الاستخدام غير المشروع.
هذه الحادثة دفعته إلى إعادة النظر في استراتيجيته. فبعد سنوات من نشر المقالات الهزلية، قرر التوقف نهائياً، ليس خوفاً من السخرية، بل لأن العالم الرقمي لم يعد يميز بين المزاح والحقيقة.
درس للجميع: الإنترنت لا ينسى
القصة تطرح سؤالاً مهماً: من يتحمل المسؤولية عندما تتحول الخدع إلى “وقائع”؟ هل هي أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تفتقر إلى آلية تمييز الدعابة؟ أم المواقع التي تنسخ المحتوى دون تمحيص؟ أم المستخدمون الذين يتلقون المعلومة بلا تشكيك؟
الجواب ربما يكون مزيجاً من كل ذلك. لكن الواضح أن الحد الفاصل بين الحقيقة والخيال أصبح أكثر ضبابية في العصر الرقمي، وأن أول أبريل لم يعد يوماً واحداً في السنة، بل تحول إلى ظاهرة يومية.
إعداد: ياقوت زهرة القدس بن عبد الله