
فاطمة بوفنيق”، أستاذة وباحثة في جامعة وهران2، تخصص علوم اقتصادية، دكتوراة تحليل وتنمية اقتصادية من جامعة تلمسان، ولها منصب أستاذة محاضرة صنف “أ”، بالموازاة مع كونها أستاذة مكونة مختصة في تكوين الفاعلين والفاعلات في الميدان الاجتماعي، خاصة التنمية والنوع الاجتماعي، كما أنها تعتبر خبيرة في نفس الاختصاص.
هي لا تعتبر نفسها بعيدة عن مهنتها الجامعية بممارستها للنشاط الجمعوي، وإنما تجد تكاملا بين العالمين، فقد سمح لها النشاط الجمعوي بطرح فكرة تتعلق بضرورةالتنسيق وخلق التكامل بين ما يدرس في الجامعة وما يحدث في المجتمع، وقد جاءت أطروحتها الجامعية في هذا الشأن انطلاقا من الانشغالات الميدانية ومحيطها الاجتماعي، التي دفعتها إلى الاهتمام بالمرأة وقضاياها خاصة محاربة العنف المسلط عليها.
كما كانت أرضية، سهلت لها العمل الميداني كباحثة جامعية، وأعطتها صبغة خاصة ومميزة لدى تعاملها مع طلبتها في قاعة التدريس، إذ أنها لا تكتفي بتقديم المعلومة جافة، وإنما تطعمها بمعطيات ميدانية من الواقع المعاش، ناهيك عن احتكاكها بالطلبة وملامستها لهم من الناحية المجتمعية أو الاجتماعية.
إشكالية تدريس منهجية البحث العلمي
التقتها جريدة “البديل” على هامش اليوم الدراسي الذي نظمته، وأشرفت عليه نهاية الأسبوع الماضي والموسوم بـ “تدريس منهجية البحث العلمي”، والذيعرفمشاركة 44 متدخلا.
وكانت الفكرة قد جاءت حسب الأستاذة “فاطمة بوفنيق”، بعد أن تم اكتشاف بعض الاختلالات خلال الامتحانات المقدمة للطلبة في هذه المادة، أي منهجية البحث العلمي، حيث كانت سابقا تدرس في السنة الثانية أو الفصل الثاني من السنة الثانية للماستر. وفي كل مستوى يحضر للمستوى اللاحق، لكن البرنامج الرسمي يحمل فقط خطوطا عريضة، وهو ما جعل الأساتذة الذين يدرسون هذه المادة يجتهدون كل حسب رؤيته الخاصة، وبالتالي تبين من الامتحانات أن المواضيع لا تتماشى مع ما يتصوره الأستاذ كمعطيات للطالب في السنة الثانية أو في تقرير التربص أو في الماستر1.
ولأن هذه المادة المهمة والأساسية كانت تدرس خلال أربعة (4) أشهر الأخيرة من الماستر2، وهي فترة قصيرة لتحضير أو إنجاز مذكرة التخرج، مما يجعل الطالب لا يتقن صياغة منهجية المذكرة، الأمر الذي جعلهم يدرسونها بداية من السنة الأولى وهذا منذ سنتين فقط، حتى يكون للطالب فرصة العطلة الصيفية والفصل الأول للتحضير، وهو ما يعتبر تحسنا إلا أنه يبقى جانب الربط بين الأساتذة، أي كيف يساهم كل أستاذ في تكوين هذا الطالب حتى يكون في السنة الثالثة يحتاج للقيام بتربص، وفي السنة الثانية ينجز مذكرة بطريقة صحيحة وسهلة وإذا كانت له حظوظا في الدكتوراه، يكون على دراية تامة بكيفية صياغة أطروحة التخرج.
اليوم الدراسي سمح بالتعرف على انشغالات التعليم في مادة منهجية البحث العلمي، وهو ما سمح بطرح إشكالية الممارسات التعليمية، من جهة والمحتوى حسب كل مستوى، إضافة إلى المدرس، وبالتالي معرفة الأدوات الواجب استعمالها أو اعتمادها سواء بيداغوجية أو ديداكتيكية من أجل إيصال الرسالة للطالب.
وفي هذا الشأن، تم اقتراح الفكرة على المخبر الذي وافق ثم المجلس العلمي هو الآخر، وبعدها منحت الترخيص عمادة الجامعة، وقت أخذ هذا اليوم الدراسي شهرين من التحضير، بداية من شهر جويلية الذي أعلن في يوم 17 عن تنظيم “اليوم الدراسي” وإلى غاية 31 جويلية، حيث تم استقبال الملخصات، وجهت إلى لجنة القراءة والانتقاء وبعدها تم استقبال المداخلات كاملة. وقد كان الموضوع مطروحا على المستوى الوطني، إلا أن عدم توفر إمكانية التكفل بالمشاركين انحصرت المشاركات على ولاية وهران وخاصة جامعة وهران2، على أن يكون ملتقى وطنيا في القادم، من أجل التكفل الحقيقي بهذه الإشكالية التي تعتبر ضرورية التناول لأهميتها في المراحل التعليمية للطالب وعلاقتها بالميدان عقب تخرجه.
اليوم الدراسي سمح بتوفير أرضية جديدة للمشاركين من أجل الإعلان عن انشغالات مواضيع مكملة لتدريس البحث العلمي، حيث شارك طلبة متخرجين من الجامعة بدرجة الدكتوراه، بالعودة على المعاناة والتسهيلات التي واجهتهم خلال تحضيرهم لأطروحة التخرج، كذلك بالنسبة للطلبة الذين مازالوا في طور التحضير لأطروحة الدكتوراه، فيما كان الأغلبية هم الأساتذة الذين يدرسون هذه المادة.
وقد سمحت الفرصة لهؤلاء المتدخلين بالتوصل إلى الإجماع حول مجال الممارسات التعليمية بغض النظر عن المادة، في الوقت الذي طرح انشغال ومشكل يتعلق بتغيير الممارسات التعليمية حتى تكون منسجمة مع المحيط الحالي وعقلية الطلبة، لأن التدريس ربما ما زال يمارس بأساليب تقليدية، إضافة إلى إشكالية حول رغبة بعض الزملاء الأساتذة في التغيير، لكن الفضاءات لا تسمح لتكون هذه الممارسات متغيرة (ممارسات تعليمية ميدانية).
فيما يخص المنهجية، لاحظ المشاركون أنه يجب أن تكون إعادة نظر في المحتوى بحيث يكون تواصل بين تعليم المادة في السنة الثانية واستعمالها في السنة الثالثة، ثم بالنسبة لليسانس ثم تعليمها في ماستر2 وفي الدكتوراه، حتى تتغير الأهداف من مستوى إلى مستوى. كذلك بالنسبة لبعض التقنيات التي يجب أن تتغير حتى تتأقلم مع الإشكاليات والاحتياجات الجديدة.
أما النقطة الثالثة، فهي أن الإنتاج العلمي تقييمه يجد صعوبات في النشر عبر المجلات المحكمة، وهذا ما يعني أن الإشكال في التقييم يؤثر على تثمين هذا البحث، لأنه أحيانا عندما يتم نشره يعتبر ذلك هدف، ولكن أحيانا الإشكاليات لابد من نشرها والاستفادة منها في السياسات العمومية. يعني الإنتاج العلمي بالجامعة والاستفادة منه على مستوى السياسات العمومية وحتى المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية لأن همزه الوصل بين الطرفين ما تزال ضعيفة
تغيرات التعليم الجامعي بين الماضي واليوم
وبخصوص الفرق بين التعليم الجامعي في السنوات الماضية وتعليم اليوم، فترد الأستاذة “فاطمة بوفنيق” بالقول: “منذ 40 سنة على بداية تدريسي، كنت قريبة في السن مع طلبتي آنذاك، فقد كان للسن دور مهم في العلاقة بيني وبين الطلبة، وخلال التدريس لدي قواعد، هي شروطي التي يراها الطلبة اليوم تضييقا عليهم، كالانضباط، الحضور، التقيد بالوقت، أنا أراها ضرورية من أجل تحقيق نتائج علمية جيدة، تمكن الطالب فيما بعد من مستوى معين لتكون له حرية التناول لحياته العلمية والمهنية، بالطريقة التي يراها مناسبة، أما بالنسبةللطلبة فهي ضغوطات وطريقة بدائية.
في الوقت الذي أرفض فيه أو لا أحبذ المقارنة، فهناك الكثير من الذين يقولون أن الطلبة في الماضي كانوا أكثر جدية على المستويين الشخصي والعلمي، لكن أنا أعتبر أن الظروف الاجتماعيةوالاقتصادية لها تأثير على الممارسات و الحياة اليومية للفرد، ولأن المقارنة بالنسبة لي هي إصدار حكم، فأنا لا أسمح لنفسي بأن أصدر حكما بخصوص طلبتي، في الوقت الذي أحاول فيه فهم وإيجاد تصور للحياة العلمية والتدريس وتصورهم كطلبة. وهو ما ظهر خلال المناقشة التي تمت أثناء اليوم الدراسي، فهناك بعض الأساتذة ذكروا بأنهم في واد والطلبة في واد آخر، ما يعني أنه إذا كنا لا نتساءل حول هذا الاختلاف سيكون هناك خلل بين الأستاذ والطلبة والذي لن يبقى منحصرا لدى جيل، وإنما هذا الخلل سيمس تناول المواضيع العلمية والإشكاليات المطروحة.
مثلا الإشكاليات في التسعينات والألفينات ليست نفسها إشكاليات اليوم. أيضا، عندما كنا نحضر للدكتوراة سابقا كنا نحن الطلبة من نقترح الموضوع على المؤطر، أنا اليوم فهناك طريقة أخرى فيها تقريبا يكون الموضوع مفروضا على الطالب، لأنه في إطار برنامج وطني للبحث العلمي الذي نعتبره أمرا جيدا لأنه يتناول الانشغالات الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، ولكن من جهة أخرى تطرح إشكالية الباحث في تناول الموضوع الذي يعتبره الإشكالية الأساسية.
مشاكل الطالب الجامعي ماضيا وحاضرا؟
وفيما يتعلق بأهم العراقيل أو المشاكل التي عانة منها الطالب في الماضي وكذا الحاضر، فقد ردت الأستاذة “فاطمة بوفنيق” بأن الطالب في الماضي كان يدرس دون أن يركز عقله على منصب العمل، لأن مناصب العمل كانت متاحة، أما اليوم فالطالب يركز على ماذا أو كيف ستكون نهايته عقب إنهائه الدراسة، لأن البطالة تنتظره. فالمشكل الرئيسي للطالب هو موضوع التشغيل وهذه النقطة تؤثر سلبا على نفسية الطالب وهو ما ينعكس على مستواه التعليمي وطريقة اهتمامه بدراسته، فتصبح سيرورته من الناحية العلمية والأخلاقية غير مقبولة أو غير صحيحة إن صح التعبير، لكنه يعتمدها لأجل تحقيق نقاط ومستوى يسمحان له بالظفر بمنصب عمل. مضيفة أن الطالب كان في الماضي عند حصوله على البكالوريا يختار ما يريد دراسته كتخصص في الجامعة، أما اليوم فقد اصبح محصورا بين توجيهات محددة وفق شروط خاصة تفرض عليه خيارات معينة تجعله يلتحق بالجامعة، فيدرس لكنه يركز كل جهوده على إعادة البكالوريا لتحقيق نتائج تسمح له باختيار التخصص الذي يرغب فيه.
العنف والمرأة
ولأن الأستاذة “فاطمة بوفنيق” معروفة بنشاطها الجمعوي المتعلق بالمرأة خاصة، والذي تعتبره شقا أساسيا في تحقيق إنجازاتها في البحث العلمي بالجامعة، فهي ترى أن دفاعها عن المرأة عقيدة تستحق النضال، لأن المرأة ركيزة المجتمع.
وفي هذا المجال، أوضحت لجريدة “البديل” بقولها: “كما سبق وصرحت، فإن قربي من المجتمع ونشاطي الجمعوي واحتكاك بالمرأة ومعايشة يومياتها إلى جانب مهنتي كأستاذة باحثة في الجامعة، جعلتني أكرس كل وقتي للنضال، ضمنه نضالات المرأة من أجل تحقيق مكاسب تسمح لها بإثبات ذاتها ومواجهة العنف الذي يمارس عليها بمختلف أشكاله”. مردفة: “في الواقع غير ممكن نفي المكتسبات التي حققتها المرأة، لكن يمكنني القول أن هناك تفاوتا بين النضال والنتائج المحققة، على غرار القانون الجزائري، فالعنف سابقا لم يكن يفرق بين العنف على المرأة، سواء من طرف رجل في الشارع أو الزوج في البيت… إلخ. حتى جاء قانون 2015، الذي فصل في الأمر وأصبح معترفا بالعنف الممارس ضد المرأة، واليوم تناول إشكالية العنف من طرف الطب الشرعي، الشرطة، الدرك وكذا المحاكم قد تحسن. ورغم هذا تبقى نقائص في قانون الأسرة رغم ما حققته المرأة في هذا الجانب. ولكن حتى وإن كنا لا نعتبر هذه التغيرات جوهرية بالنسبة لنضالنا المستمر، فإننا نعتبرها جوهرية في الحياة اليومية للنساء.
واختتمت الأستاذة الجامعية والمناضلة الجمعوية “فاطمة بوفنيق” حديثها ليومية “البديل” بآمالها أن تتطور الجامعة وتصبح أكثر ارتباطا بالسياسات العمومية و المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، وتحقق المرأة مكتسبات إضافية تضمن لها حقوقها وتحميها من مختلف أشكال العنف الذي تتعرض له.
ميمي قلان