
توقعت شركة “مايكروسوفت” في تقرير نشرته صحيفة “الغارديان” أن المستقبل القريب سيشهد تحوّلا جذريا في طبيعة العمل والوظائف، حيث سيتحول جميع الموظفين إلى مدراء لوكلاء الذكاء الاصطناعي.
ولم تعد القيادة محصورة بالمناصب العليا، بل سيُطلب من الجميع إدارة “موظفين رقميين” يتولون تنفيذ المهام المختلفة.
“الشركات الرائدة”.. مفهوم جديد لهيكلة المؤسسات
أشارت “مايكروسوفت” إلى صعود نمط جديد من المؤسسات أطلقت عليه اسم “الشركات الرائدة”. في هذا النموذج، يقوم موظف بشري واحد بتوجيه عملاء الذكاء الاصطناعي المستقلين وتفويضهم بإنجاز مختلف الأعمال، مما يعني أن كل موظف سيتحول إلى رئيس مجموعة من الوكلاء الرقميين الذين يديرون العمليات اليومية بكفاءة ومرونة.
رئيس العميل.. الدور المستقبلي لكل موظف
في تدوينة حديثة، كتب “جاريد سباتارو”، أحد كبار التنفيذيين في “مايكروسوفت”، موضحا أن الموظفين سيؤدون أدوار “رئيس العميل”، حيث سيتولون بناء وتفويض وإدارة وكلاء الذكاء الاصطناعي لتعظيم تأثيرهم، وأوضح “سباتارو” أن هذا التغيير سيتطلب من الموظفين أن يتعاملوا مع مسيرتهم المهنية وكأنهم مدراء تنفيذيون لشركات ناشئة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، من قاعات الاجتماعات إلى خطوط الإنتاج الأمامية.
الذكاء عند الطلب.. بنية العمل المستقبلي
تُبنى الرؤية الجديدة لمايكروسوفت على مفهوم “الذكاء عند الطلب”، الذي يعني استخدام وكلاء الذكاء الاصطناعي لتقديم إجابات فورية وتنفيذ مجموعة واسعة من المهام الداخلية، من بينها جمع بيانات المبيعات، وإنشاء التوقعات المالية، ومراقبة الأداء الإداري.
وذكرت الشركة في تقرير مؤشر اتجاهات العمل السنوي أن هذه الشركات ستكون أكثر سرعة ومرونة وقادرة على تحقيق قيمة مضافة بوتيرة غير مسبوقة.
ثلاث مراحل نحو تحول شامل
ترى مايكروسوفت أن تطور الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في أماكن العمل سيمر عبر ثلاث مراحل رئيسية. في البداية، سيحصل كل موظف على مساعد ذكاء اصطناعي، ثم سيلتحق وكلاء الذكاء الاصطناعي بالفرق كزملاء رقميين يتولون تنفيذ مهام محددة، وأخيرا سيتولى البشر وضع التوجيهات العامة، بينما يدير الوكلاء مختلف العمليات التشغيلية، مع الحاجة إلى تدخل بشري محدود لمراقبة الأداء فقط عند الضرورة.
التأثير على العمل المعرفي والمهن التقليدية
أكد التقرير أن تأثير الذكاء الاصطناعي لن يقتصر على الأعمال الروتينية فقط، بل سيمتد إلى العمل المعرفي الذي يشمل العلماء والأكاديميين والمحامين وغيرهم.
وبحسب مايكروسوفت، فإن هذا التحول يشبه تطور البرمجيات الذي بدأ بمساعدة البرمجة ثم انتقل إلى أدوات تنفذ البرمجة كاملة نيابة عن المبرمجين.
مثال حي من سلاسل التوريد
كشفت الشركة عن مثال تطبيقي من قطاع سلاسل التوريد، حيث يستطيع وكلاء الذكاء الاصطناعي إدارة العمليات اللوجستية الكاملة، بينما يقتصر دور البشر على توجيه النظام وإدارة العلاقات مع الموردين والعملاء.
تعزيز نشر الذكاء الاصطناعي
تعمل مايكروسوفت على تسريع تبني الذكاء الاصطناعي في بيئات العمل عبر تطوير أدوات مستقلة مثل “استوديو القائد المساعد”، التي تسمح للشركات ببناء وكلاء ذكاء اصطناعي مستقلين. وذكرت أن شركة الاستشارات العالمية “ماكينزي” من أوائل المستخدمين لهذه الأدوات، حيث تعتمد على الوكلاء لتنفيذ مهام مثل جدولة الاجتماعات مع العملاء المحتملين.
الذكاء الاصطناعي بين الفرص والمخاوف
في حين تعد مايكروسوفت أن الذكاء الاصطناعي سيلغي العمل المرهق ويعزز الإنتاجية الاقتصادية، لا تزال المخاوف قائمة بشأن تأثيره على سوق العمل. فقد أشار تقرير السلامة الدولية للذكاء الاصطناعي، المدعوم من الحكومة البريطانية، إلى احتمال فقدان عدد كبير من الوظائف بسبب قدرات الوكلاء الرقميين العالية.
تحذيرات من فقدان الوظائف
كشف صندوق النقد الدولي أن نحو ستين في المئة من الوظائف في الاقتصادات المتقدمة مهددة بالذكاء الاصطناعي، وأن نصفها قد يتعرض لأثر سلبي. كما توقع معهد توني بلير أن يحل الذكاء الاصطناعي محل نحو ثلاثة ملايين وظيفة في القطاع الخاص البريطاني، مع الإشارة إلى أن خسارة الوظائف قد تقتصر على مئات الآلاف لأن التكنولوجيا ستخلق فرصا جديدة أيضا.
المخاطر الخفية لاستبدال البشر
حذر الدكتور أندرو روجويسكي، مدير معهد الذكاء الاصطناعي المُركّز على الإنسان بجامعة صري، من أن استخدام وكلاء الذكاء الاصطناعي بدلا من العمال سيؤدي إلى فقدان المعرفة الضمنية المتراكمة في عقول البشر، وهي المعرفة التي تُنتج الأفكار المبتكرة وتحافظ على علاقات العمل المثمرة مع العملاء والموردين.
الذكاء الاصطناعي.. قفزة إلى المستقبل أم تهديد للإنسان؟
يتضح من رؤية مايكروسوفت أن الذكاء الاصطناعي سيغير مستقبل العمل بشكل جذري. وبينما تَعِد الشركات بالمزيد من الإنتاجية وتقليل الأعباء البشرية، تبقى التساؤلات قائمة حول مصير ملايين الوظائف، ودور البشر في عالم تزداد فيه هيمنة الآلات. يبقى التحدي الأكبر هو كيفية الموازنة بين التقدم التكنولوجي والحفاظ على القيم الإنسانية في سوق العمل المستقبلي.