خاص

“عبد المجيد تبون” ومبادرة الأقطاب الثلاثة المجتمع، الدولة والسوق الحرة

تبني الاقتصاد التضامني كاستراتيجية جديدة

  • من أجل ضمان توطين الرأسمال الاجتماعي والتوازن الجيد في توزيع الاستثمار

بقلم: الدكتور “ابراهيم سلامي” من النعامة

 

إن المتتبع لسياسة الجزائر الجديدة المنتهجة يلمس الفوارق في عدة مجالات، وهذا بعد تبني الاقتصاد التضامني للحد من آثار الأزمات الاقتصادية المحتملة، باعتبار أنه اقتصاد يسعى إلى التخفيف من آثار “آلية السوق” على الفئات الهشة والضعيفة، وتعبئة الثروات المادية وغير المادية في إطار تآزر متضامن كفيل بمواجهة متطلبات التنمية المدمجة والمندمجة، فهو يرتبط أساسا بالمجتمع والدولة والسوق، حيث تنبع المبادرة من أحد الأقطاب الثلاثة، ولها دورة حياة قد يشترك فيها هذا الثلاثي، فإن كانت مثلا سلع وخدمات للبيع، فهي تباع في ا من خلال قوانين الدولة وحمايتها، فهو يؤدي إلى التماسك الاجتماعي عن طريق التضامن من خلال العلاقة الجوارية القائمة (كالتعليم، الصحة، البيئة، الديمقراطية)، وترافق عملية تحقيق الاقتصاد التضامني بأبعاده الثلاثة “الحوكمة”، التي تعد جزء مهما في التقليل من مخاطر الاقتصاد وتحقيق التنمية المستدامة.

إن الاقتصاد التضامني يهدف إلى أن يكون اقتصادا موازيا، باعتباره دعامة ثالثة يرتكز عليها الاقتصاد المتوازن والمدمج، إلى جانب القطاع العمومي والقطاع الخاص، زيادة على ذلك أن النموذج الذي يقوم عليه الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يمكن من ضمان توطين رأس المال الاجتماعي والتوازن الجيد في توزيع الاستثمار، وهو ما تسعى إليه الجزائر عن طريق تحقيق الإقلاع الاقتصادي.

 

الحوكمة و دورها في مجالات الاقتصاد التضامني

تلعب الحوكمة دورا هاما في  مجالات الاقتصاد التضامني وأيضا في عملية إرساء الأمن الاقتصادي من خلال عملية التقويم ورسم الطريق الصحيح، وبالتالي تحقيق الأهداف المسطرة تجسيدا للتنمية المستدامة، باعتبار أن  الحوكمة لها علاقة مباشرة بالجانب الاقتصادي، فهي تقود إلى الاستعمال المدروس والأمثل لاستغلال الموارد الطبيعية، وبالتالي انعكاس هذه الأهمية على عدة مجالات منها بالدرجة الأولى، معاملات الإنسان والمحيط الذي ينشط فيه. ولعل ابرز مجالات الاقتصاد التضامني تتمثل أساسا في توفير الخدمات الأساسية،  ويكون عن طريق ما تقوم به مؤسسات الدولة بدعم الفئات المحرومة، وتدعيم العدالة الاجتماعية عن طريق توزيع الثروات بين الطبقات الاجتماعية المتفاوتة،  وتوفير فرص التشغيل أي توفير تنظيمات الاقتصاد التضامني التي من شأنها القضاء على البطالة.

 

الأمن الاقتصادي في خدمة الاقتصاد التضامني مكملا للأمن الاجتماعي

يصنف الأمن الاجتماعي على أنه حماية الأفراد من فقدان العلاقات التقليدية والقيم ومن العنف الطائفي الأثني، كما يعتبر الأمن الاقتصادي مكملا للأمن الاجتماعي ولا يمكن الفصل بينهما، حيث يسعى الإنسان إلى تأمين احتياجاته من المأكل والملبس والمسكن وتوفير الحاجيات الأساسية والحماية والضمان الصحي والاجتماعي والتعليم وتجنب البطالة والعوز.

ويتعدى مفهوم الأمن الاقتصادي جهود الدول، بل يتعدى ذلك إلى جهود المنظمات الدولية والتي تقدم يد العون والمساعدة إلى الدول المحتاجة بغية مساعدتها في المواضيع ذات الجانب الاقتصادي المتعلقة بحياة الدول أو الأفراد، ومن هذه الجهود ذات الطبيعة الاقتصادية هي القروض التي تمنحها المنظمات الدولية للدول أو المساعدات التي تقدمها بعض المنظمات مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والتي تساهم في تقديم المساعدة للمتضررين من الحروب أو الكوارث من أجل إعادة ممارسة حياتهم.

 

مرتكزات الأمن الاقتصادي “السيادة الاقتصادية” كآليات للاقتصاد التضامني

إن البنائية الهيكلية للاقتصاد الدولي تعتمد على 04 أبعاد أساسية وهي الأمن، الإنتاج، المال، المعرفة، بالإضافة إلى المرتكزات الثانوية كالنقل البحري والجوي، الطاقة، والتجارة، إن هذا التصنيف الذي يضع الأمن على رأس الإبعاد الأساسية للهياكل الاقتصادية عندما يصدر عن شخصية اقتصادية ذات سمعة عالمية، فإن ذلك يعكس مدى أهميته في الحياة الاقتصادية على المستوى الدولي وانعكاسات ذلك على المستوى الإقليمي والمحلي.

كما أن الأمن الاقتصادي له علاقة بفكرة “السيادة الاقتصادية”، فهي القدرة على التحكم في أكبر عدد ممكن من أدوات السياسة في المجال الاقتصادي”، وتعني السيادة الاقتصادية المسيطرة على الموارد الوطنية المتاحة والتحكم بها من أجل اقتصاد وطني محصن ولا يتأثر كثيرا بأفكار اقتصاديات العولمة، على أن السيادة الاقتصادية في الوقت الحاضر دخلت في مرحلة التآكل والضياع أو التلاشي وخاصة في الدول النامية.

 

مكونات الأمن الاقتصادي ودورها في تحقيق التنمية المستدامة

تتعدد عناصر الأمن الاقتصادي التي بإمكانها القضاء على جميع الاختلالات، من خلال توفير الغذاء، وكسب رهانات جديدة في مجال الطاقة، ومواجهة الأزمة الصحية بكوادر جزائرية، بالإضافة إلى مجال تكافؤ الفرص وتوظيف ألاف الشباب في وظائف دائمة، وتحقيق الأمن البيئي، وتبقى مبادرة الجزائر في استغلال الثروات المحلية منها منجم غار جبيلات من بين القرارات السيادية الاقتصادية الهامة، ومن بين المحاور الكبرى التي الاهتمام بها ومرافقتها وفق أجندة مدروسة:

(01)- الأمن الغذائي: يعتبر من أهم عناصر الأمن الاقتصادي  هو “تأمين حصول أفراد المجتمع على ما يلزم لغذائهم من احتياجات غذائية أساسية يحددها علم التغذية من المواد النباتية والحيوانية أو كليهما، مع ضمان توفير حد أدنى من تلك الاحتياجات بالكم والكيف الضروريين لاستمرار حياة هؤلاء الأفراد، فالأمن الغذائي يعني (قدرة المجتمع على توفير المستوى اللازم من الغذاء لأفراده في حدود مداخيلهم المتاحة، مع ضمان مستوى الكفاف من الغذاء للأفراد الذين لا يستطيعون الحصول عليه بدخلهم المتاح، سواء أكان هذا عن طريق الإنتاج المحلي، أو الاستيراد اعتمادًا على الموارد الذاتية). ولكونه من أهم عناصر المحافظة على الحياة، ينظر إلى الغذاء بأنه يشكل بعدًا اجتماعيًّا وسياسيًّا باعتباره أحد حقوق الإنسان.

(02)- الأمن الطاقوي: يعتبر من بين الرهانات الجديدة التي تسعى إليها الجزائر جاهدة من خلال البحث عن طاقات جديدة بديلة وصديقة للبيئة وغير مكلفة، والجزائر من بين الدول التي حاباها الله بمساحات واسعة وصحاري شاسعة، يمكن برمجة فيها مشاريع الطاقة الشمسية واستغلال السياحة البيئية .

(03)- الأمن الصحي: يهدف إلى ضمان الحد الأدنى من الحماية والوقاية من الأمراض، حيث ترتبط الصحة ارتباطا وثيقا بتحقيق الأمن الاقتصادي للمجتمع، فالمجتمع الذي يخلو من الأمراض يتمتع شعبه بنشاط وقوة، ما يمكنه من الإنتاج والعمل وتحقيق معدلات نمو اقتصادي مناسب، بينما يحدث العكس في المجتمع الذي تسيطر عليه الأمراض والأوبئة.

ولذلك تحاول الدول مكافحة الأمراض الخطرة، مثل فيروس كورونا، الإيدز وأنفلونزا الخنازير والطيور، وحتى الأمراض التي تصيب الحيوان، لحماية اقتصادها ومواطنيها، وعليه الأمن الصحي  يقصد به توفير وسائل الوقاية والمعالجة من الأمراض والأوبئة، كما يرتكز الأمن الصحي بصورة أساسية على توفير برامج الرعاية الصحية الأولية، وخدمات التأمين الصحي للمواطنين، وتوفير الأدوية المنقذة للحياة، وتطوير المؤسسات الصحية وزيادتها، كالمستشفيات والمراكز الصحية ومراكز الإرشاد والتثقيف الصحي، فضلًا عن إعطاء أهمية قصوى لصحة الفئات الضعيفة، كالأطفال والمرأة والمعوقين وكبار السن وضحايا الحرب.

(04)- الأمن التكافلي أو التأمين الاجتماعي والصحي: هو تلك السياسة التي ترمي إلى توفير الحماية الاجتماعية للعاملين في مؤسسات الدولة والمجتمع من خلال إتباع نظام استقطاع جزء من رواتب العاملين وإيداعها في صندوق معين وفق قوانين ولوائح معروفة، لمنحهم تعويضات في حالات ترك العمل أو الفصل من الخدمة أو بلوغ سن التقاعد، أو العجز أو المرض أو الوفاة.

وهذا النظام يعرف بالتأمين الاجتماعي أو فوائد ما بعد الخدمة، والذي يرتكز بصورة أساسية على تسخير عمليات التكافل وسط قطاع العاملين، لتوفير الحماية والأمن الاجتماعي لهم، أما الأمن التكافلي الصحي فهو نظام تكافلي بين المواطنين والدولة، حيث يدفع المشترك – حسب دخله – مساهمة شهرية محدودة ليتمتع هو وأفراد أسرته بالخدمات الطبية المتكاملة، بغض النظر عن حجم الأسرة وحجم الخدمات المطلوبة، والتي تشمل الكشف والفحص المجاني، والدواء بتكلفة رمزية.

(05)- مكافحة الفقر: تمثل مكافحة الفقر واحدة من أهم مكونات الأمن الاقتصادي. إذ يمثّل الفقر الخطر الأكبر على المجتمعات المعاصرة، فبانتشار الفقراء في المجتمع، تنتشر الأمراض وسوء التغذية وتكثر الجرائم والسرقات، كما تتفاقم حالة عدم الرضا، مما يتسبب في عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني، ولذلك ينظر إلى مشاريع مكافحة الفقر وكفاءتها في التدخل، على أنّها عامل أساسي في تحقيق الأمن الاقتصادي، بل الأمن الشامل في المجتمع.

(06)- العمل: يعتبر العمل مصدرا مهما في إشباع الحاجات الأساسية للإنسان وتحويل الفرد من حالة الفقر والجوع والخوف، إلى حالة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. كما أنه الوسيلة والمدخل الفاعل في تحقيق القوة والأمن الاقتصاديين، ولذلك ينظر إلى المجتمع الذي تسود فيه معدلات مرتفعة من البطالة وغير الناشطين اقتصاديًّا على أنه مجتمع فقير أو غير منتج أو غير نامٍ، أو متأخر، مما يؤسس لحالة من عدم الاستقرار الاجتماعي. أمّا ارتفاع معدلات السكان الناشطين اقتصاديًّا فينعكس استقرارًا في الوضع الاقتصادي للدولة المعنية، ويعكس مدى قدرتها على تحقيق أمنها الاقتصادي .

(07)- السياسات الاجتماعية: هي انتشال المجتمع من المستوى المعيشي المتدني، حيث تشمل السياسات الاجتماعية البرامج والمشاريع  ذات التمويل الصغير، والبرامج المنتجة وتشغيل البطالين، ورصد مشاريع استقرار الشباب، وتشجيع الدراسة، والاهتمام بالمرأة، والتي تستهدف التنمية الاجتماعية ورفع مستويات المعيشة للأسر والمجتمعات المحلية وحماية الشرائح الضعيفة ومكافحة الفقر وغيرها، بعدًا مهمًّا من أبعاد تحقيق الأمن الاقتصادي، ولذلك لا بد من توسيع مفهوم الرعاية الاجتماعية ليشمل احتياجات مختلف الفئات في المجتمع، وتفعيل برامج التدخل الاجتماعي والاقتصادي التي تحقق عائدًا اجتماعيًّا كبيرًا.

(08)- استغلال الثروات والموارد الطبيعية: يتيح استغلال الثروات والموارد الطبيعية بطريقة عادلة في انتشار العدالة في توزيع عائداتها على أفراد المجتمع،  وتنخفض معدلات البطالة والفقر، وتتحسن مستويات المعيشة .

(09)- الأمن البيئي: يهدف إلى حماية الفرد من تخريب الطبيعة بشكل عام، فهو يعتبر الأمن البيئي العنصر الرئيسي في تحقيق الأمن الاقتصادي، من خلال حماية الطبيعة من التخريب على المديين القصير والطويل، منعًا لتدهور البيئة، ومشاكل معالجة النفايات وغيرها، من التهديدات البيئة وحياة الإنسان.

(10)- العدالة وتكافؤ الفرص: ينمو الاقتصاد ويتطور عندما يكون لدى السواد الأعظم من السكان الأدوات اللازمة للمشاركة في المنافع الناتجة عن النمو الاقتصادي، ولهذا ينبغي أن تستهدف استراتيجيات التنمية تخفيض حدة عدم المساواة في الفرص، ومن ثم تحقيق المساواة وتحسين الكفاءة والعدالة فتقرير «التنمية في العالم» للعام 2006 الصادر عن البنك الدولي تحت عنوان: «الإنصاف يعزز قوة النمو من أجل تخفيض أعداد الفقراء»، يؤكد أن العدالة لا بد أن تكون جزءًا لا يتجزأ من أي استراتيجية ناجحة لتخفيض أعداد الفقراء في أي مكان من العالم النامي.

من خلال ما تم الإشارة إليه تبقى الحوكمة أذاه مهمة في تحقيق وتجسيد الاقتصاد التضامني وإرساء الأمن الاقتصادي في الجزائر، كونه عنصرا مساهما في صنع الاستقرار السياسي فالدول ذات السيادة الاقتصادية هي صاحبة الصوت المسموع في العالم. كما أن غالبية هذه الدول لا تمتلك موارد كافية للطاقة مثل النفط إلا أنها استطاعت بفضل التخطيط الجيد من حجز مكانة لها في حين بدأت الجزائر تسترجع مكانتها تدريجيا بعد إعادة تثمين ثرواتها الكبيرة والشروع في استغلالها بفضل السياسة المنتهجة، والعمل على تفعيل دورها الريادي خاصة مع دول الجوار جنوبا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى