
يعد “بيانو” أحد الطقوس الإحتفالية العريقة بعيد عاشوراء التي لازال يحتفظ بها سكان أدرار، وأقاليم توات وقورارة وتديكلت عموما. وفي هذا الجانب يرى الباحث والناشط الجمعوي في مجال التراث والسياحة الأستاذ عبد الحليم عمراوي أن “بيانو” يشكل أحد مظاهر إحياء عيد عاشوراء لدى أطفال توات في يوم التاسع من شهر الله المحرم من كل عام.
وأضاف السيد عمراوي أن “هذا النوع من الطقوس الإحتفالية يصنعها الأطفال في كل قصور توات جماعات وفرادى للبحث عن “بيانو” في كل بيت من بيوت القصر الطيني الذي كان ولا يزال حاضنة للتراث الذي لا ينضب والتضامن الذي لا ينتهي ابتداء من الزيارات التي يفرح فيها الجميع من مختلف الأعمار وانتهاء باحتفالات تخصص رمزيتها للطفل والمرأة في الربوع التواتية”. ويسبق إحياء عيد عاشوراء طقوس “بيانو” والتي يحتفي فيها الأطفال الصغار فيجوبون المنازل لجمع الحلوى والفول والحمص المطبوخ وغيرها مما يفرح به الأطفال وتجود به أيادي النسوة عبر القصور. ويقال أنّ أصل كلمة “بيانو” هي كلمة أمازيغية زناتية وتعني الأكلة التي يجمعها الأطفال في ذلك اليوم من الفول والحمص المطبوخين في الماء وهناك من يقول إنها من البيان والوضوح أي دخول شهر محرم وظهور هلاله وبذلك عندما تقال عبارة “بيانو فيك” بتشديد حرف النون التي يتداولها سكان المنطقة بينهم خلال هذه المناسبة فمعناها “أني سبقتك لرؤية هلال محرم لذا يجب عليك أن تعطيني شيئا”، حسب المتحدث ذاته. كما تفرح النساء بهذا اليوم لفرح الأطفال حيث أن النسوة التواتيات تتصدقن في هذا اليوم بما يعطيهن أرباب بيوتهن في هذه المناسبة الدينية حيث يذكر أن أفضل الصدقات ما كانت تعطى في هذا اليوم فتنتظره النسوة التواتيات بشغف وفارغ الصبر لتبذلن العطاء غير المحدود للأطفال الصغار فتفرحن لفرحهم. ويبدأ يوم “بيانو” من بعد صلاة الصبح حيث يجوب الأطفال الأزقة الضيقة مرددين عبارات مختلفة منها: “بيانو الشحمة والكديده …أراهم بانو جنود المعرفه ” و”جنود المعرفة طبعا هم الأطفال الصغار الذين سيكبرون ويدرسون حتى يصيروا علماء “. ومن العبارات أيضا “يا عائشة هاتي بيانو.. إيلا ما طاب هاتي نطيبوه، وإيلا نحرق هاتي نعاودوه، وإيلا مكان هاتي دراهمو”، وفي قصور قورارة باللهجة الزناتية يردد الأطفال:” بيانو بيانو… أفاول أنسوجنا”. وأضاف السيد عمراوي انه عندما يقال أيضا “بيانو فيك” فيتم الرد على من يقولها بعبارة “قدح ما يرويك ” أو “الساقية والماجن ترويك” كما في بعض قصور قورارة. وينتهي هذا اليوم مبكرا قبل وقت الضحى فيفترق الأطفال على أمل اللقاء في مثل هذا اليوم المشهود، وينزوي كل ببوقالته وإنائه يأكل ويستمتع بما جمعه فيه منتظرا عاما آخر عله يظفر بمثل ما ظفر به. ولا تنتهي تظاهرة “بيانو” وعيد عاشوراء عند هذا الحد بل يلتقي في نفس اليوم الصغار والكبار لحضور رقصة فلكلور “صارة” المعروفة في قصر تمنطيط بجنوب أدرار، حين يجتمعون ليلا في قصبة “تيفاغي” حاملين العصي وأعمدة الحديد ليبدأوا احتفالاتهم المخلدة لعيد عاشوراء والتي تستمر ثلاثة أيام كاملة. وفي صباح اليوم الموالي تقام الفاتحة الكبيرة في الزاوية الطيبية “زاوية الشيخ سيدي محمد بن عمر” بقصر “تاهقة” و”غمراقبور” حيث يلتقي مريدي الطريقة الطيبية وزوار تمنطيط الوافدين من كل القصور التواتية خاصة بودة وزاوية سيدي البكري التي تربطها علاقات تاريخية بتمنطيط، حيث تمتزج أهازيج البارود والحضرة وقرقابو معلنين الفرح والإحتفال بهذا اليوم المبارك، كما ذكر ذات الباحث.
ق.ج