روبرتاج

عادات تقليدية قديمة غير محمودة العواقب يتوارثها سكان القرى بالنعامة

الرقية واستعمال الحجرة السوداء وغاز البوتان للتخلص من سم العقارب

إعـداد ابراهيم سلامي

يلجأ العديد من قاطني التجمعات القروية والبدو الرحل بولاية النعامة إلى عادات قديمة للتخلص من التسمم العقربي تتمثل في استعمال طرق ووسائل تقليدية توارثوها عن الأجداد.

ويتحدث سكان البوادي بمناطق جنوب الولاية عن العديد من الطرق التي يستعملها قاطنو الخيّم بالمراعي الشاسعة والنائية لتخليص المصاب من سم العقرب كالتداوي بالأعشاب والاستعانة بما يعرف بالرقية وكذا استعمالالحجرة السوداء التي توضع في مكان اللسعة بعد تشريحه بأداة حادة والتي تربط في مكان اللسعة لامتصاص السم ثم تسقط لوحدها بعد ذلك لتوضع في كوب من الحليب كي يذهب السم عنها قبل أن ترمى.

الرقية الشرعية وسيلة للشفاء

ولم ينف الحاج (محمد القوراري) من بلدة (تيوت) الواقعة 88 كلم جنوب شرق ولاية النعامة تردد العديد من المصابين بسم العقرب بمنطقته على الطلبة أو حفظة القرآن من المشائخ المعروفين بالزوايا من أجل الرقية من لسعة العقرب كوسيلة للشفاء، مشيرا “أنه يؤمن بتلك الرقية ذلك أنها مكنته هو شخصيا والعديد من أقاربه الذين أصيبوا بلسعة العقرب من الشفاء لكنه يؤكد ويحرص على توفر النية وقوة الاعتقاد بما يقوم به المرقى من قراءة آيات من القرآن الكريم وبعض الأحاديث النبوية المأثورة في كوب من الماء ليقدم للمصاب ليشربه لتزول بذلك فعالية السم من الجسم، ومن الطرق الأخرى التي يلجأ إليها سكان تلك المناطق للوقاية من لسعات العقارب وهو عشاب تقليدي وبائع متجول للحيوانات الصغيرة من بلدة (عسلة) استعمال السكان للقنافذ باعتبارها تنتمي إلى الحيوانات من فصيلة الشوكيات التي تتغذى على مختلف الحشرات السامة، ويداوم سكان بعض البوادي بولاية النعامة على عادة متوارثة تتمثل في اقتناء القنفذ لمكافحة التسمم العقربي والقضاء على انتشار تلك الحشرة السامة والتهام كل الزواحف والحشرات السامة كالعقارب والأفاعي مما يمثل متنفسا آخر للقاطنين بالمناطق المعزولة التي تتميز ببعد المسافةوصعوبة المسالك التي تفصلها عن المراكز الحضرية على غرار البدو الرحل لمحاربة تلك الحشرة.

الخبرة والكتب القديمة لتحضير مستخلصات الأعشاب الطبية

ومن الطرق التقليدية الشائعة أيضا للتخلص من سم العقرب اللجوء إلى استعمال بعض الأعشاب الصحراوية كعشبتي الرمد والحنتيت اللتين تقدمان كمسحوق للمصاب ليتناولها قصد التقليل من فعالية التسمم العقربي، ومنهم من يتناول مادة السمن البلدي المحضر بعشبتي الزعتر والعرعار لتوقيف انتشار سم العقرب في الجسم أو استخدام غاز البوتان لاعتقادهم بأنهم يساعد على تجمد السم لكن تلك الطرق غير ناجحة وغير مضمونة النتائج في العديد من الأحيان، حيث يسترجع السم حركته في الجسم بعد ارتفاع درجة حرارة الجسم، ويجلب سكان تلك القرى هذه الأعشاب سواء بالتقاطها من المراعي مباشرة أو عن طريق اقتناءها من العطارين وبائعي الأعشاب المنتشرين بالأسواق الأسبوعية، حيث يعتمد بائعو الأعشاب في غالبية الأمر على الخبرة والكتب القديمة ليصبح هؤلاء المصابين بالتسمم العقربي الذين يتفادون معاناة التنقل لمسافات بعيدةللوصول إلى وحدات العلاج على شكل حقل تجارب للعطارين وغيرهم باستخدام الأعشاب والنباتات الطبية التي في أحيان كثيرة تجهل أخطارها.

الوسائل التقليدية.. دواء غير مضمون النتائج

ويرى (الطبيب ب.ميلود) المختص في علاج التسممات أن استعمال الأعشاب الطبية كوسيلة لعلاج التسمم العقربي له عواقب وخيمة إذا لم يتم الالتزام بقوانين ولوائح تنظيم الطب البديل، حيث أن أغلب موادالنباتات التي يتم العلاج بها عرفت عن طريق التوارث دون دراسة لمكوناتها الكيميائية أو تأثيرها على البشر عند استخدامها وهو ما قد يسبب تأثيرات جانبية أو مضاعفات صحية خطيرة أو مميتة للمصاب، موضحا أن البعض لا يحترم المقادير والكميات أو الجرعات المحددة الواجب التقيد بها وغالبا ما تكون تلك المستحضرات خالية من المواد ذات فعالية للعلاج وما دام الطب الحديث قد توصل للمصل المضاد الذي يعالج سم العقارب فلا داعي لأن يلجأ الأفراد لمثل تلك الأعشاب والنباتات الطبية خاصة وأن للعشبة الواحدة مفعول يتعلق بكل جزء من مكوناتها كالورقة أو الساق والجذر، ويعتقد الطبيب (غفاري) أن اللجوء إلى استعمال هذا النوع من التداوي غير مضمون النتائج يعود إلى الاستماع إلى نصائح خاطئة خاصة في المجتمعات التي يقل بها مستوى التثقيف الصحي وهو ما ينجم عنه أضرار بليغة للمصابين كون أن البعض من تلك الأعشاب تحتوي على مواد مضرة للصحة وقد تتسبب مثلا في الفشل الكلوي وتسمم الدم وهبوط نبضات القلب كما أن بعض الأعشابتحتوي على مركبات كيميائية تتفاعل مع الأدوية الطبية الأخرى وربما تتفاعل مع العناصر الغذائية وتقلل من استفادة الجسم من الطعام المتناول، وينصح الطبيب ذاته إسعاف المصاب بسم العقرب بنقله نحو أقرب مركز صحي لتلقي لقاحا صيدلانيا يوقف انتشار السم في الجسم كما أن توفر وصفة الطبيب المعالج بعد التأكد من أن الأمر يتعلق بلسعة عقرب أمر ضروري كي تتحمل المؤسسة الاستشفائية المسؤولية في حالة حدوث تأزم أو مضاعفات خطيرة ناجمة عن التسمم العقربي.

تراجع بنسبة 25 المائة في عدد الإصابات

وبما أن سكان الخيّم يفضلون استعمال الطرق البدائية لمعالجة تسممات العقرب بدلا من التوجه إلى المصالح الصحية تسعى مصالح الطب الوقائي للمؤسسات الاستشفائية العمومية الجوارية إلى تعميم وتكثيف حملات التوعية ونشر الثقافة الصحية وتنظيم حملات جمع العقارب ومحاربة المظاهر الملوثة للمحيط في أوساط التجمعاتالقروية للولاية، وقد أعطت تلك الحملات الوقائية لمحاربة التسممات العقربية نتائج ملموسة مكنت من تسجيل تراجع كبير في عدد الإصابات بداء التسمم العقربي بولاية النعامة بنسبة فاقت الـ25 المائة مقارنة بسنة الحالية والسنة التي سبقتها  بعد أن كانت نفس الولاية من أكثر المناطق الموبوءة على مستوى الوطن في سنوات الماضية،  وتعد البلديات الجنوبية للولاية كـ «تيوت» و«عسلة» و«العين الصفراء» من المناطق التي تتصدر أكثر حالات تسممات العقارب بمعدل كبير سنويا وتتزايد تلك الحالات مع بداية الثلاثي الثاني من كل سنة تزامنا مع اقتراب فصل الصيف وارتفاع معدلات درجات الحرارة ليتراجع عددها مع نهاية أكتوبر، وتوضح المصالح أن تكلفة علاج المصاب بلسعة العقرب التي تصل في المراحل المتقدمة إلى نحو 15 ألف دج فضلا عن أعباء المكوث بالمستشفى إلى أكثر من يوم واحد مما يتطلب نشر المزيد من الوعي والثقافة الوقائية لتفادي تسجيل ارتفاع حالات الإصابة بهذا النوع من التسممات، وذلك من خلال التزام الأسر القروية باحتياطات نظافة المحيط أو اتخاذ التدابير اللازمة في المحيط السكني كإبعاد أكوام الأتربة والقمامات والحجارة عن الأحياء لتفادي توفير الأجواء الملائمة لتكاثر العقارب.

إجراءات احترازية دائمة تلازم قاطنو الخيّم والرحل

وتعوّد أغلب القرويين القاطنين بمناطق تتصف بتضاريسها الصخرية التي توفر الظروف الملائمة لتكاثر هذه الحشرة السامة التي تلد الأنثى منها أزيد من 100 بويضة دفعة واحدة وكذا قاطنو الخيّم والبدو الرحل على تطبيق إجراءات احترازية منها تفاديا للإصابة بسم العقرب، وعادة ما يلتزم هؤلاء السكان وخاصة منهم الرعاةالمنتشرين بالمساحات السهبية بالحذر الكبير عند المشي والتأكد من موطئ القدم واحتراسهم قبل الجلوس ومراقبة الحذاء قبل ارتدائه، وحسب عينة من هؤلاء السكان بقرية «حرشاية» فإن منطقتهم عرفت في السابق بتكاثر العقرب السوداء اللون ذات السم الفتاك لكنها اختفت بعد أن لجأ مختصو البيولوجيا الحيوانية بمعهد «باستور» بمزاوجتها بالعقارب الصفراء اللون ذات السم الضعيف من حيث تأثيراته وانتشاره في الجسم للحصول على جيل من العقارب غير الفتاكة والتي لا تؤدي إلى مضاعفات خطيرة عقب الإصابة التييكفي أن يحقن المتعرض لها بمصل مضاد ليتعافى بعد بضعة دقائق، ويرى هؤلاء القرويون أن تعميم التغطية بالإنارة العمومية عبر كافة أحياء القرى والمداشر النائية مكن من تقليص عدد الإصابات بشكل ملفت لأن تلك الحشرة السامة تلجأ إلى الأماكن الرطبة نهارا فيما تخرج للحركة والصيد ليلا لتقتات  على الخنافس والعناكب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى