
هي ناشطة جمعوية، لا تركز في نشاطها على جميع المساعدات وتوزيعها على المحتاجين فقط، بل تتعدى ذلك إلى إيجاد حلول تساعد المرضى المحتاجين في الحصول على علاج مجاني وتكفل أوسع طبيا، عبر علاقاتها وتوسطها لدى المؤسسات الاستشفائية العمومية والخاصة، كما أنها معلمة قرآن، إنها السيدة “عائشة الحضري”،رئيسة جمعية “الرحمان للأعمال الخيرية”، التي التقتها جريدة “البديل” على هامش إحياء المتحف الوطني”أحمد زبانة” لتظاهرة “ليالي المتحف”، ضمن مشاركة رابطة المجتمع المدني الفاعل بوهران.
من مرض ابنتها إلى مساعدة الغير وإنشاء جمعية
كانت فترة جائحة كورونا التي ضربت العالم، فرصة لإنشاء جمعية “الرحمان للأعمال الخيرية”، بتوجيه من الدكتور “عبد العالي” المتخصص في جراحة العظام بمستشفى الأطفال بكناستيل، بعدما لاحظ نشاطات السيدة “الحضري” الفردية في المجال الإنساني، وتنقلاتها إلى المرضى حتى خارج ولاية وهران، لتسهيل النشاط الخيري وكسب غطاء قانوني، فكان ذلك في جويلية 2020، بمقرها بحي السلام ببلدية مرسى الحجاج. وقد كان الفضل في دخولها عالم النشاط الخيري، هو تتبعها لعلاج مرض ابنتها، التي بدأت في علاجها منذ الولادة، وباحتكاكها بالمرضى والمؤسسات الاستشفائية التي كانت تقصدها، اكتشفت أن المرضى يحتاجون المساعدة سواء بالنسبة للتوجيهات أو الماديات، فانطلقت في تقديم يد المساعدة حسب قدراتها مستغلة شبكة علاقاتها، ليصبح هدف الجمعية التنسيق بين المرضى المحتاجين وقطاع الصحة، مع توفير أجهزة ومعدات طبية، كراسي متحركة، أسرة، مساعدة الفقراء والمحتاجين في قفة رمضان، الختان، تقديم الدعم للتلاميذ والطلاب المحتاجين،توفيرالأدواتالمدرسيةوالكتب، مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة وإيصال انشغالاتهم إلى الجهات المعنية.
إنشاء “البطاقتين الزرقاء والبيضاء” لمجانية علاج المرضى المحتاجين
ولأن جمعية “الرحمان” للأعمال الخيرية هدفها خدمة المحتاج عموما، فقد ابتكرت رئيستها “عائشة الحضري” سبيلا متميزا يسمح بتقديم المساعدة للمحتاج مع الحفاظ على كرامته، وذلك عن طريق إنشاء “البطاقة الزرقاء”، التي تغنيه عن الإحراج والكشف عن مستواه الاجتماعي، لدى تقدمه إلى المؤسسة الصحية التي يربطها تعاقد مع الجمعية، بمجرد إظهاره للبطاقة الزرقاء يوجه مباشرة لإجراء التحاليل الطبية المطلوبة، كما يتم خصم 50 بالمائة بالنسبة للأشعة، لمن دخلهم الشهري لا يتعدى 25 ألف دج.
كما واصلت سعيها لمساعدة أكبر شريحة في المجتمع من للاستفادة من العلاج بأقل التكاليف، فكانت النتيجة “البطاقة البيضاء”، التي تخص كل شرائح المجتمع بدون تمييز، الذين يتعدى أجرهم 30 ألف دج، حيث يدفعون 50بالمائة بالنسبة للتحاليل. ولتمكين الأفراد من إحدى البطاقتين، تقوم جمعية “الرحمان” للأعمال الخيرية بإجراء تحقيق بالتنسيق مع صندوق الضمان الاجتماعي، حول طالبها من أجل تفادي الاستغلال غير الأخلاقي لهذه المساعدة الطبية، التي وفرتها صاحبة مخبر التحاليل، وكذا مسؤولو مركز التصوير الطبي “الدكتور قريش” بأرزيو.
نشاطات تطوعية مختلفة لخلق الحركية وصنع الفارق
وفي إطار نشاط جمعية “الرحمان” للأعمال الخيرية، فقد فضلت هذه الجمعية عدم التركيز على تقديم المساعدة في الجانب الطبي فقط، بل تعدته إلى مختلف المجالات التي تقدم إضافة للفرد والمجتمع.
حيث تساعد الأطفال على التحصيل العلمي عن طريق توفير دروس دعم لتعزيز معارفهم العلمية وكذا تزويدهم بالكتب والأدوات المدرسية، حتى يتسنى لهم التعليم بكل أريحية مع أترابهم، خاصة أولئك الذين ينتمون إلى عائلات محتاجة، ناهيك عن التكفل بالأطفال الذين يصنفون ضمن فئات ذوي الاحتياجات الخاصة. كما أنها تنظم تظاهرات مناسباتية وخاصة، على غرار إحياء التظاهرات الرسمية والخاصة، من أجل إدماج المواطنين في مختلف الأحداث، بغية تغيير طريقة الفرد ونظرته للمجتمع والحياة اليومية، لأن الفرد ليس مخلوقا للأكل والنوم والعمل لتحصيل المال فقط، بل له حياة يستحق أن يعيشها من خلال مشاركة غيره، فهو يساعد بأفكاره ويتلقى رؤى مخالفة، جديدة وداعمة لموقفه، مما يجعله يشعر بجدوى وجوده في هذه الحياة.
لم تتوقف نشاطات جمعية “الرحمان” للأعمال الخيرية على مساعدة المحتاج في الجانب النادي فقط، بل تسعى أيضا إلى التوسط بين المؤسسات الرسمية والمؤسسات الاقتصادية من أجل مساعدة البطالين للحصول على مناصب شغل تسمح لهم بالتكفل بعائلاتهم.
حالات خاصة بقيت في الذاكرة
وخلال مسيرتها الطويلة في عالم التطوع، فقد بقيت ذاكرة السيدة “عائشة الحضري” تخزن الكثير من الحالات الخاصة والمواقف الغربية، تجعلها تركز كل جهودها لتقديم الأفضل.
حيث بقي الطفل “فيصل” المنضويتحت فئة “أطفال القمر”، عالقا بذهنها رغم مرور أكثر من 3 سنوات على رحيله إلى دار الآخرة، وذلك للقرب الذي كان يجمعها به ومدى تأثرها بوضعيته الصحية وتشبثه بالحياة، فقد كان يزاول دراسته رفقة أخته بمدرسة المكفوفين ببوزفيل.
كما أنها تستذكر تلك المولودة التي ظهرت عليها أعراض المرض وهي حديثة الولادة، إلا أن عائلتها لم تبال بالوضع، حتى مرت أكثر من 4 شهور، ليكتشفوا أنها مجبرة على الخضوع إلى عملية على مستوى الدماغ، وقد تمت العملية بنجاح وهي اليوم تبلغ من العمر 6 سنوات.
كما لازالت تذكر مساعدة عناصر الدرك الوطني الذين سهلوا لها مهمة التنقل إلى عين الترك في إحدى ليالي جائحة الكوفيد 19، لأجل توصيل حفاظات لرجل مسن كانت زوجته تستعين بغطاء الطاولة الجلدي لوضعه له كبديل عن الحفاظات لأنها لا تملك ثمن شرائها، وهي الحالة الحرجة التي استجابت لها فورا ولم تتمكن من الحصول على رخيصة للتنقل، إلا أن عناصر الدرك عبر السد الثابت وقتها، تفاعلوا معها بإيجابية وسمحوا لها بالمرور، وهو ما اعتبرته ثقافة مواطنة وانخراط في العمل التطوعي عبر تسهيل القيام به.
العمل الخيري ينبع من الفرد والتطوع يخلق التطور
ولأن العمل الخيري مهم في المجتمع، ويشجع على التكافل والتعاون ومساعدة الخير، فالسيدة “الحضري” تشتغل أيضا على الجانب التوعوي للمواطنين، من خلال تحسيسهم بفائدة مساعدة الغير في حل مشاكلهم، لأن التواصل والتفاعل بين الأفراد يفتح آفاق جديدة ويبث الأمل داخل الفرد.
فقد أضافت إلى نشاطها الخيري، تقديم النصيحة والتوجيه لمن يقصدها، على غرار نجاحها في تجنيب أسر الطلاق، وتحصيل مطلقات لنفقاتهن، ومساعدة مرضى للحصول على حقوقهم الضائعة بطريقة أو بأخرى، فهي تعايش الشخص المحتاج للمساعدة طيلة وضعيته غير المريحة حتى تنفرج أزمته.
كما أنها تغتنم لقاءاتها مع مختلف الفئات لتقدم لهم النصائح والتوجيهات، من أجل تشجيعهم على مساعدة الغير بطريقة فردية وشخصية، دون الحاجة للجمعيات، لأن معظم المواطنين يرفضون الانضواء تحت أية قبعة، مركزة على أنه مهما كانت قيمة العمل الخيري والمساعدة المقدمة لمن يطلبها، فهي تفتح باب سعادة له وتخلق راحة لمن قدمها، لاسيما وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يحثنا على التطوع، لأن “الصدقة تدفع البلاء وتطفئ غضب الله”، كما أن التطوع في مختلف المجالات، يخلق تطورا لدى الفرد ويساهم في فعاليته في المجتمع وتطويره. وأن الفرد بتطوعه وانخراطه في مختلف النشاط يقري رصيده المعرفي والاتصالي، وهو ما يسهل عليه متاعب الحياة اليومية. كما أنه يعمل على أخلقة المجتمع، فهو يسمح الفرد بالاندماج ضمن العمل الجماعي ويجعل يبتعد عن الآفات الاجتماعية وكل ما يضر به وبغيره، وبالتالي فالتطوع سلوك معالج ومحارب للآفات الاجتماعية والإجرام.
العمل التطوعي هو تجسيد ميداني وليس شعارات
وأمام أهمية العمل التطوعي، ترى السيدة “عائشة الحضري” رئيسة جمعية “الرحمان” للأعمال الخيرية، أنه من واجبها تشجيع الأفراد على الانخراط في الأعمال التطوعية والقيام بالمبادرات لأنها نشاطات تجعل الفرد يشعر بقيمة الحياة، ورغم قناعتها بالدور المهم الذي تقوم به الجمعيات في مختلف المجالات، إلا أنها تبقى بحاجة إلى التطور من خلال التعامل وتبادل الأفكار مع بعضها.
فهي ترى أن العمل التطوعي هو نشاط مشترك، لأنه يقدم خدمة للغير دون انتظار المقابل، بما يفتح المجال لخلق حركية وفق ديناميكية تسمح بالتنافس من أجل تقديم الأفضل والإبداع في المجال الخيري أيا كان نوعه، لأنه يصب في خدمة وتطوير المجتمع. في وقت تستغل نشاطها كمدرسة للقرآن الكريم لحض النساء على القيام بفعل الخير دون الإفصاح عنه، مع تشجيعهن على الدعوة لتقديم يد المساعدة من قبل أفراد أسرهن لاسيما الأبناء لأنهم الجيل الصاعد وهو الذي يحتاج إلى تأطير وإرشاد ودعم حتى يكون جيلا فاعلا في المجتمع ومؤثرا بطريقة إيجابية.
الأمل عدو الألم
تؤمن رئيسة جمعية “الرحمان” للأعمال الخيرية المتواجد مقرها ببلدية مرسى الحجاج، بأن الأمل هو باب الحلول لكل مشاكل الحياة.
فهي تركز في معالجتها لمختلف المشاكل والعوائق التي تعرقل الحياة اليومية لمن يستنجد بها على إقناعه بضرورة التمسك بخيط الأمل، لأنه يفتح باب التفكير في الأفضل، وهو ما يجعل الفرد الذي يتعامل معها، يشعر بأنه يتواصل بكتلة مشاعر إيجابية لا يعرف اليأس إلى قلبها طريق، وذلك لتشبعها بالقدم الدينية، كونها مدرسة للقرآن، وكذا احتكاكها الدائم مع كبيرات السن، اللواتي لا تبخلن عليها بالنصيحة، وكذا تجاربهن وقصص مجتمعية لاستخلاص الدروس والعبر.
أعدته: ميمي قلان