
شهدت فعاليات اليوم الوطني للطالب بجامعة “طاهري محمد” ببشار، عرض مشروع طلابي مميز يجمع بين الحس الإبداعي والمعرفة الأكاديمية، ويُجسد توظيفًا عمليًا لتقنيات معمارية حديثة. فقد قدّم طلبة السنة الثالثة ليسانس بقسم الهندسة المعمارية تصورًا هندسيًا لعيادة متعددة الخدمات بمدينة كرزاز، معتمدين في إنجازه على تقنية نمذجة معلومات البناء (BIM)، في تجربة تُعدّ الأولى من نوعها على مستوى الجامعة.
إدراج تقنية نمذجة معلومات البناء (Building Information Modeling – BIM) في مشروع طلابي من هذا النوع، يُمثّل خطوة نوعية تعكس وعيًا متزايدًا لدى الطلبة بأهمية التحول نحو الحلول الرقمية في قطاع البناء، نظرًا لما توفره هذه المنهجية الذكية من مزايا علمية وعملية.
وتُعد BIM من أبرز التحولات التكنولوجية في ميدان التشييد والهندسة المعمارية، إذ تقوم على إنشاء نموذج رقمي ثلاثي الأبعاد يحتوي على معلومات دقيقة تشمل مختلف الجوانب الهندسية والمعمارية والوظيفية للمبنى، طوال دورة حياته، من التصميم إلى التشغيل والصيانة.
وعلى خلاف الأساليب التقليدية المعتمدة على الرسومات الثنائية الأبعاد، تتيح هذه التقنية دمج وتنسيق مختلف التخصصات (المعماري، الإنشائي، الكهربائي، الميكانيكي…) ضمن نموذج موحّد، ما يُسهم في تقليل الأخطاء، وتعزيز التعاون بين الفرق، وتوفير الوقت والتكاليف.
وقد حظي المشروع بعرض تفاعلي نال إعجاب الحضور من أساتذة وممثلي إدارة الجامعة، حيث استُخدمت نظارات الواقع الافتراضي للتجول داخل النموذج المعماري، ما أتاح رؤية دقيقة ومجسّدة للعيادة المقترحة. كما شملت الجلسة عروض فيديو رقمية وثّقت مختلف مراحل تطوير المشروع ومكوناته.
وعبّر الطالب “و. وليد” (20 سنة) عن فخره بالمشاركة في هذا المشروع قائلاً: “بذلنا مجهودًا كبيرًا على مدى أشهر لاكتساب مهارات متقدمة في البرمجيات الحديثة، وكان للدعم المستمر من الأستاذ المشرف دورٌ حاسم في الوصول إلى هذه النتيجة”.
من جهتها، أوضحت زميلته “ك. راضية” (19 سنة): “لم يكن تعلم تقنية BIM بالأمر السهل، لكن الورشات الأسبوعية التي نظمها الأستاذ المشرف ساعدتنا على تجاوز الصعوبات تدريجيًا وتحويل التحديات إلى فرص حقيقية للتعلّم”.
وقد أكد الأستاذ “أحمد لطفي سليماني” أن هذه المبادرة تُعد محطة متميزة في مسار التعليم المعماري بالجامعة، باعتبارها أول تجربة على مستوى القسم تعتمد تقنية (BIM)، بهدف تحديث أساليب التدريس وتمكين الطلبة من اكتساب كفاءات رقمية متقدمة تؤهلهم للاندماج في سوق العمل.
وأشار إلى أن المشروع جمع بين الجانب النظري والتطبيقي، من خلال تدريب الطلبة على أدوات وتقنيات غير مدرجة ضمن المناهج التقليدية، مع التركيز على معالجة حاجة حقيقية تمسّ سكان بلدية كرزاز إلى مرافق صحية متعددة الخدمات.
كما تضمن العمل إعداد مذكرة توثيقية شاملة (Portfolio) ضمّت المخططات، الرسومات التقنية، تفاصيل التنفيذ، والجدول الزمني والميزانية التقديرية، وأضاف أن استخدام تقنية BIM مكّن الطلبة من التفكير الشمولي، والتعرف المبكر على التعارضات التقنية (clash detection) في مراحل مبكرة من التصميم، مما يُسهم في تقليل الأخطاء وتوفير الوقت والتكاليف في التنفيذ، واعتبر أن التحدي الأبرز تمثّل في تجاوز نمط التفكير التقليدي وتدريب الطلبة على العمل ضمن بيئة رقمية تعاونية تتيح تنسيق مختلف التخصصات الهندسية داخل نموذج موحد، وهو ما أصبح ضرورة حتمية في ظل التوجه الدولي لاعتماد هذه المنهجيات في المشاريع الحكومية.
وتبقى مثل هذه المبادرات الطلابية بحاجة إلى آليات دعم ومرافقة فعّالة من الجهات الوصية والمؤسسات المهنية، حتى لا تبقى مجرّد تمارين أكاديمية، بل تتحول إلى مشاريع حقيقية تُجسَّد على أرض الواقع، وتُسهم في تلبية حاجيات المجتمع المحلي وتعزيز التنمية المستدامة، كما يُرتقب أن تفتح هذه التجربة آفاقًا جديدة للتعاون بين الجامعة والبيئة المهنية، بما يعزز فرص الطلبة في الاندماج بسوق العمل ويكرّس العلاقة بين التكوين الأكاديمي واحتياجات الواقع المهني.
عمر العربي