تكنولوجيا

طفل غروك: تطبيق جديد من ماسك يثير جدلاً حول ذكاء الأطفال الاصطناعي

في ظل تصاعد الجدل حول أدوار الذكاء الاصطناعي في حياة الأفراد خاصة الأطفال. أعلن الملياردير المعروف “إيلون ماسك” أن شركته المتخصصة في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي. ستباشر العمل على إعداد تطبيق جديد مخصص للصغار، سيحمل اسم “طفل غروك”، ويهدف إلى تقديم محتوى يناسب الفئة العمرية الطفولية. دون أن يُفصِح “ماسك” عن تفاصيل واضحة حول طبيعة هذا المحتوى أو آلية عمله. مكتفيًا بالإشارة إلى التوجه العام للتطبيق عبر منشور مقتضب على منصته الاجتماعية. ما فتح باب التساؤلات واسعًا حول أهداف المشروع وخلفياته التقنية والتربوية.


 

طفل غروك.. بين فرص التعلّم ومخاوف التلقين

إعلان “ماسك” عن هذا التطبيق يأتي في وقت تشتد فيه المناقشات العالمية حول دور الذكاء الاصطناعي في تشكيل وعي الأطفال. حيث يرى البعض أن إدخال هذه التقنيات في حياة الناشئة قد يعزز فرص التعلّم المبكر ويمهّد لبناء جيل قادر على التعامل مع التحوّلات الرقمية بثقة وذكاء. بينما يرى آخرون أن تعريض الأطفال لمحتويات ينتجها الذكاء الاصطناعي دون رقابة بشرية صارمة قد يفتح الباب أمام مخاطر متعلقة بالتلقين والانغلاق المعرفي. خاصة في حال ارتكبت الأنظمة الرقمية أخطاء في تقييم ما هو مناسب تربويًا وثقافيًا. وهو ما يجعل مشروع “طفل غروك” محاطًا بتحفّظات متنامية في الأوساط التربوية والأكاديمية.

ويذكر أن روبوت المحادثة التابع لنفس الشركة “غروك”، والذي صدر بنسخته الرابعة مؤخرًا. كان قد أثار زوبعة من الانتقادات بعد نشره عبارات وصفت بأنها تحمل كراهية وتطرفًا.

ما اضطر الشركة إلى تقديم اعتذار رسمي، وهو ما يجعل فكرة تخصيص نسخة من نفس المنظومة لفئة الأطفال أمرًا مقلقًا لدى كثير من أولياء الأمور والمهتمين بالشأن التربوي. خاصة إذا لم تكن هناك ضمانات واضحة بشأن المحتوى وأدوات الرقابة البشرية المرافقة.

 

التسويق  بين السمعة والواقع

تحرص الشركات الرقمية الكبرى على تسويق منتجاتها الجديدة ضمن أطر ترويجية جذابة، وغالبًا ما تلجأ إلى إبراز البعد الإنساني أو المجتمعي في مشاريعها كنوع من التمويه الذكي للغايات التجارية.

ويبدو أن إعلان “ماسك” عن “طفل غروك” يأتي في هذا السياق، إذ لم يتم الإفصاح عن أي شراكة مع مختصين في التربية أو علم النفس الطفولي.

كما لم يتم ذكر أي إشراف من لجان مستقلة لضمان توافق التطبيق مع معايير الأمان الذهني للأطفال. وهو ما يعزز الانطباع بأن المشروع ما زال في مرحلته الدعائية الأولى، ولم يتجاوز بعد مستوى التخطيط النظري.

وما يثير التساؤل أكثر هو توقيت الإعلان، حيث جاء بعد سلسلة من الانتقادات التي وجهت إلى النسخة السابقة من روبوت “غروك”. مما يدفع البعض إلى الاعتقاد بأن إطلاق فكرة التطبيق الجديد هو مجرد محاولة لصرف الأنظار وإعادة رسم صورة الشركة في أذهان المتابعين. عبر مخاطبة فئة ينظر إليها دومًا بعين الحماية والاهتمام، أي الأطفال.

وفي ظل هذا التوقيت المربك، تبقى نوايا المشروع محلّ شك، حتى يتم تقديم توضيحات مفصّلة حول مضمونه وأهدافه التقنية والتربوية.

 

الأطفال والذكاء الاصطناعي: من يحمي العقول الصغيرة؟

مع تزايد اعتماد الأسر على الوسائط الرقمية في التربية والترفيه، أضحى من الضروري سن قوانين واضحة تحدد مسؤولية الشركات عند تقديم محتويات موجهة للأطفال. فالأمر لا يتعلق فقط بالرقابة الأبوية. بل يستدعي تدخلًا مؤسساتيًا يلزم الشركات باتباع معايير تربوية دقيقة. ويضع حدودًا فاصلة بين الذكاء الاصطناعي كأداة مفيدة. وبين استخدامه كوسيلة اختراق فكري قد تشوّه وعي الطفل في مراحله الأولى.

فإذا كان “طفل غروك” مشروعًا جادًا كما ألمح ماسك، فإن من واجب الشركة تقديم رؤية متكاملة تشمل محتوى تعليميًا يخضع لتقييم تربوي. ومراجعة لغوية وثقافية دقيقة، إلى جانب وجود واجهات تفاعلية تضمن للطفل تجربة امنة وسليمة.

كما يجب توضيح ما إذا كان التطبيق سيتعلم من سلوك الأطفال أنفسهم أم سيكتفي بمحتويات جاهزة. لأن التعلّم الذاتي لأنظمة الذكاء قد يحمل مخاطر التكرار أو الانحياز أو الانزلاق نحو أفكار غير مقصودة.

وبين حماسة التقنية ومخاوف التربية، يبدو أن إطلاق تطبيق للأطفال من طرف شركة أثارت الجدل سابقًا. لن يمر دون مساءلة وعيٍ مجتمعي عميق، فالأطفال ليسوا زبائن صامتين، بل عقول تتشكل. ويجب أن يكون أي مشروع يقترب من هذه العقول خاضعًا لمراقبة صارمة، وشفافية لا تحتمل الغموض.

ياقوت زهرة القدس بن عبد الله 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى