
طاطا “زكية” …. كسبت محبة واحترام الجزائريين، لاسيما نسائهم ببساطتها وتواضعها، وطريقتها المتميزة في تقديم أطباق الطعام بأسلوب بسيط ولغتها الشيقة في تقديم الوصفات الممزوجة بالنصائح، إنها “طاطا زكية”…. التي اكتسحت في السنوات الأخيرة الطلب على وصفات الأطباق اللذيذة، لاسيما التقليدية منها.
غزت “طاطا زكية” مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما أصبحت “ماركة” مميزة لبعض العلامات الغذائية الجزائرية، لاسيما خلال شهر رمضان المبارك، وهو ما جعلها تزداد انتشارا وطلبا من طرف الفتيات خاصة، لأنه الشهر الذي يعرف إقبال هذه الفئة من النسوة على المطبخ، تتفنن كل فتاة في تزيين طاولة الإفطار بما لذ وطاب من الأطباق، خاصة تلك التي لها علاقة بالتقاليد ومن الجدات، والتنافس عبر عرض صورها على مواقع التواصل الاجتماعي، مما يساهم في انتشار هذه الأطباق ويروج لتقاليد كل منطقة.
الحفاظ على المكونات الأصلية للأكلات… سر النجاح
ويبقى سر نجاح “طاطا زكية” في مجال الطبخ التقليدي متعلقا بمدى حفاظها على العناصر الأساسية المكونة للأطباق مهما كان نوعها، لأنها أساس الحفاظ على ذوقها الأصلي حتى بمحاولة تجديدها بإضافة نكهات غريبة عنها.
فهي ترى أنه يحق لكل شعب الافتخار بتقاليده ومنها أطباقه التقليدية، وتضيف في حديثها إلى جريدة “البديل” أن الحفاظ على المكونات الأصلية للأكلات هو الحفاظ على هوية سكان المنطقة، على غرار طبق “الحريرة” الذي يعتبر الطبق الرئيسي لسكان الجهة الغربية من الجزائر، فيما يقابله طبق “شربة فريك” لدى سكان الشرق الجزائري خلال شهر رمضان الكريم.
وتستغل “طاطا زكية” فرصتها بالعمل مع بعض “العلامات الغذائية” للتعريف بمختلف الأطباق، الأصلية منها، مع الإشارة إلى موضع الاختلاف سواء بالنسبة للمكونات أو طريقة التحضير، في محاولة منها لرفع اللبس عن بعض الأطباق التي مازالت مطلوبة لدى المستهلك إلى اليوم، لكنها آتية من منطقة أخرى، مردفة أن التحدث عن طبق الأكل بإسهاب يسمح للمتلقي بالتعرف على أصوله ومكوناته الأصلية والأساسية والإضافات التي دخلت عليه.
على غرار ما يحدث اليوم في عالم “الحلويات”، الذي يشهد نقلة نوعية وتطور سريع في عملية التحضير والتقديم، والتجديد الذي يمس بعض الأنواع، رغم أن الذوق الأصلي يبقى هو المطلوب دوما، لأنه مليء بنكهات تحمل شذى الذاكرة وذكريات الجدات، في وقت مضى كان الأكل بسيطا لكنه مليء بالعناصر الغذائية المهمة لأنه كان طبيعيا 100 بالمائة، عكس اليوم، حيث تطغى النكهات الاصطناعية على الذوق، وهو ما أصبح يؤدي إلى الأمراض ويعرض الصحة الجسدية والنفسية إلى الخطر.
النكهات الاصطناعية غير المدروسة… تهدد الأطباق التقليدية
تعتبر “طاطا زكية” حب المتابعين لها فخر وعزة لها، لاسيما وأنه تعدى حدود الجزائر، وأصبحت الرسائل تأتيها من الخارج، بعدما أصبحت أطباقها رائجة.
ولأن حب الجمهور هو رأس مالها، فهي تركز في عملها مع الماركات الغذائية على تجريب منتجاتهم بمطبخها قبل أن توافق على العمل معها، حتى لا تخدع ثقة جمهورها، وهو ما يجعلها محل ثقة حتى هذه المصانع، التي تسعى من خلال الترويج لمنتجاتها إلى كسب ثقة المستهلك وخدمة رغباته الغذائية. فهي لا تخفي تخوفها من سطوة هذه النكهات الاصطناعية على الذوق الأصلي للأطباق التقليدية، من خلال العمل على توفير هذه الأطباق صناعيا، على غرار العديد من الأكلات، إلا أن العودة إلى المطبخ التقليدي يبقى هو الأصل، وهو أساس تطور وانتشار المنتجات الغذائية الاصطناعية، لأنه السر الحقيقي لنجاح الطبخ، والدليل أن بعض المواطنين يسافرون ويقطعون أميالا وكيلومترات من أجل تذوق أطباق تقليدية خاصة بالمناطق الأصلية لطبخها، كون أصحاب المطاعم هناك مازالوا يحتفظون على أسرار الأجداد في المكونات الأصلية لها رغم كل التطور الحاصل في عالم الطبخ.
وتؤكد الطباخة “طاطا زكية”، أن نجاح مصانع المواد الغذائية المختلفة، لاسيما تلك التي تعتمد على النكهات الاصطناعية، يعود أساسا إلى اعتماد العناصر الغذائية الأصلية والأساسية في تكوين موادها الغذائية، حتى لا تفسد طعم الأطباق التي تضاف إليها بالعكس، يجب أن تعزز تلك النكهات الأصلية للطبق، لاسيما الأطباق التقليدية، وتراجع بعض الماركات أمام غيرها يرجع إلى هذا العامل الاستراتيجي في كسب ثقة وإقبال المستهلك، مضيفة أنه يجب مراجعة الطباخين الذين لهم تجربة مميزة في عالم الطبخ لضمان نجاح رواج منتجاتهم، لأن مجرد عدم احترام المقادير المضبوطة للعناصر المكونة للمنتوج يؤدي إلى فشل تسويقه، ويحمل صاحبه خسارة مالية إلى جانب خسارة ثقة المستهلك.
طاطا “زكية” .. الأعراس واللمات العائلية… أساس نجاحها
تبقى اللمات العائلية من أهم المناسبات التي جعلت “طاطا زكية” تتربع على عرش الطبخ، فقد كان اسمها يتداول خلال جلسات تناول الطعام، عند السؤال عن الشخص الذي حضر الأطباق.
وبدأ الطلب عليها من عائلة لأخرى، من أجل تقديم صورة جميلة لموائدها وإعطاء صورة تجمع جمال التقديم بلذة الذوق، لتنتشر سمعتها مع الوقت وتصبح مطلوبة حتى بين عائلات الشخصيات المهمة بالجزائر، وتتوسع دائرة نشاطها لتتمدد كيلومترات من وهران حتى تلمسان غربا وإلى الجزائر العاصمة وسطا، بعدما أثبتت جدارتها في إدارة المطبخ وحرصها على طريقة التقديم على طاولات الضيوف، فأصبح الطلب عليها كبيرا ليشمل الأعراس، حيث تقدم مقترحها إلى صاحب الوليمة ليناقشها ويتم الانتهاء بتحضير أطباق جميلة التقديم، لذيذة النكهة وحسب القدرة الشرائية المتاحة.
بيد أن السر الحقيقي وراء نجاحها في نيل ثقة العائلة الجزائرية لتدخل مطبخ بيتها وتتصرف كأنها فرد من العائلة، يعود حسب “طاطا زكية” إلى الحفاظ على أسرار العائلات، باعتماد قاعدة “لا عين رأت ولا أذن سمعت”، لأن الثقة هي رأس مال الشخص سواء في جلسات الحديث أو خلال مواقف قد تحدث بالبيت أو العمل…، فالأمر يشبه سر الطبخ، إذ لكل طباخ سر في نجاح أطباقه، وهو مبدأ الجدات الذي جعل أكلاتها تستمر وتصارع للبقاء، والحفاظ على مكانتها لدى الأفراد، رغم كل التطور الذي يشهده عالم الطبخ والغذاء.
من المطبخ إلى قفة المساعدات الغذائية
ولأن “طاطا زكية” كانت رفقة زوجها الراحل “عبد العزيز خمليشي” وأولادها الثلاثة (محمد وفاطمة وابنة شقيقتها التي ربتها) دأبوا على استضافة الجميع، وفتحوا باب بيتهم لاستقبال مختلف الناس من أصدقاء ومعارف، فقد تربت فيهم مساعدة الغير، من خلال التطوع الفردي والجماعي.
كما أن تنقل “طاطا زكية” بين مطابخ العائلات وقاعات الأفراح وانتشار وصفاتها، عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن طريق الترويج لبعض العلامات الغذائية، منحها فرصة التقرب من العائلات والاطلاع على وضعيتهم المعيشية الحقيقية.
حيث عملت على استغلال علاقاتها الاجتماعية مع الأسر التي وضعها الاجتماعي جيد لتساهم في تقديم يد العون إلى العائلات المحتاجة، عن طريق جميع المساعدات الغذائية، المالية والإنسانية، وإشراك الشباب في إحصاء هذه العائلات وتوصيل المساعدات لها دون تشهير أو كشف لعناوينها أو أسمائها، حفاظا على كرامتها.
فهي تستغل المناسبات لتتواصل مع العائلات التي لها مدخول يساعدها على تقديم المساعدة المادية، فتقوم بجمعها ثم تقوم بزيارة إلى تلك العائلات المحتاجة للاطلاع الميداني على وضعها الحقيقي ومعرفة ما تحتاجه كأولوية، ليتم توفيره لها. كما أنها أصبحت معروفة بإحسانها لدى أصحاب المحلات، الذين يضعون المنتجات المتوفرة بكثرة لديهم تحت تصرفها، بينما يقدم لها البعض مساعدات مالية، حينما يتعلق الأمر بالمرضى للتكفل العلاجي بهم، خاصة فيما يخص التحاليل، الأشعة والأدوية، إلى جانب الأدوات المدرسية مع اقتراب موعد الدخول المدرسي.
وفي إطار المساعدات الإنسانية، فتفضل “طاطا زكية” التنقل شخصيا وتقديمها إلى من يحتاجها دون الكشف عن ذلك لدى الآخرين، لأن الكثير ممن يحتاجون المساعدة لا يظهرون حاجتهم على الملأ، بل العلاقات والمناسبات الاجتماعية هي من تكشف واقعهم، لأن عزة النفس عندهم أولى من حاجتهم.
تعليم وتدريس الطبخ التقليدي… أساس الحفاظ على الهوية الثقافية
ترى “طاطا زكية” أن الحفاظ على الهوية الثقافية لأية أمة، يتطلب منها غرس ثقافتها المادية واللامادية لدى أطفال اليوم لأنهم مستقبل الغد، وذلك من خلال إدراجها ضمن ممارساته اليومية.
في هذا الشأن، تتحمل الأسرة جزء مهما من الحفاظ على الهوية الثقافية لها، عبر التركيز على القيام بمختلف النشاطات التي تجعل الفرد يتفاعل معها ويكسبها بمرور الوقت كعنصر أساسي، مثلما هو الحال بالنسبة لشهر رمضان، الذي تكون مائدة إفطاره مكونة أساسا من الأطباق التقليدية، رغم تزيينها بأطباق جديدة.
وكذلك بالنسبة للأعياد، فالحلويات وإن كانت اليوم تعرف تطورا مهما، إلا أن الحلويات التقليدية تبقى محافظة على مكانتها ومنافسة لها، من حيث شكلها البسيط وسر ذوقها المميز. مضيفة أن الطبخ يجب أن يمارس يوميا ولا يبقى مجرد محطوط على الأوراق بين دفات الكتب، لأن النكهة والذوق يكتسبان بالممارسة، والخبرة التي تخلق نوعا من التميز لدى كل طباخ، لاسيما بنات اليوم اللواتي تبحثن عن الأطباق سريعة التحضير دون التفكير في مكوناتها ومدى انسجامها وتأثيرها على الصحة الجسدية وحتى النفسية للمستهلك، في ظل الانتشار الكبير والواسع للمطاعم التي توفر الأكل الجاهز والسريع، والذي يهدد صحة الإنسان بعدما أصبح مصدرا للكثير من الأمراض على غرار السمنة، السكري، القولون العصبي…، وهو ما يستدعي العودة إلى عادات الجدات، من خلال إدماج البنت في سن مبكر في عالم المطبخ والنشاط البيتي، كجزء من الثقافة اليومية بطريقة تجعل الطفلة تقبل على إنجاز الأشغال المنزلية بشغف وحب وليس عمل إجباري، من خلال إعطائها الفرصة للإبداع وإظهار رؤيتها للأمور، ومنها الخياطة، الحياكة، الحلاقة، الطبخ… بإشراف الأم أو الجدة لمنحها أصول النشاط وتدعيمها بأسرار تميزها عن غيرها من البنات، ليتحول نشاطها إلى روتين تعود إليه لتملأ أوقات فراغها أو تسلي نفسها بعد انتهائها من واجبتها الدراسية أو المهنية ونفس الأمر بالنسبة للذكور.
استغلال مواقع التواصل الاجتماعي للحفاظ على الذاكرة
وترى “طاطا زكية”، أن أفضل سبيل للحفاظ على الذاكرة الغذائية اليوم، يمر عبر استغلال مواقع التواصل الاجتماعي من خلال الترويج لأطباق المأكولات التقليدية.
فقد يصبح طبق تقليدي معين “ترند” يجوب العالم، لأن أحد محضريه قام بإدخال عنصر إضافي عليه أو قدمه بطريقة مغايرة، مما يجعل العارفين بأصوله ينشرونه ويشيرون إلى أصله وحقيقته، مما يخلق الفضول لدى من يكتشفونه لأول مرة إلى تجربة تحضيره بالطريقتين (الأصلية والدخيلة)، كما أنهم يكسبون معلومات جديدة فيما يخص الطبق والمكان الأصلي لتحضيره، وهو ما يتم اليوم في مختلف المجالات، مثل الحياة التقليدية تماما أو الصناعات التقليدية والحرف عموما…. وهي الطريقة التي يمكن لبنات اليوم وحتى الشباب، استغلالها للحفاظ على ذاكرة الجدات.
أعدته: ميمي قلان