
لقد بات الذكاء الاصطناعي محط اهتمام عالمي، سواء لما يقدمه من إمكانيات هائلة أو لما يثيره من مخاوف تتعلق بآثاره الاجتماعية والاقتصادية.
ومع تصاعد استخدامه في مختلف القطاعات، أصبح واضحًا أن هناك حاجة ملحة لتطوير أطر تنظيمية وحوكمة قانونية شاملة، بهدف تحقيق توازن بين الابتكار التكنولوجي والحفاظ على الاستقرار المجتمعي.
التنظيم الدولي: بين الاتحاد الأوروبي والهند
الجهود الدولية لتنظيم الذكاء الاصطناعي بدأت تأخذ منحى أكثر جدية. الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، أقر قانونًا جديدًا يعتمد على تصنيف أنظمة الذكاء الاصطناعي وفق مستويات المخاطر، مع حظر بعض الأنظمة التي تُعتبر ذات تهديد غير مقبول. وتهدف هذه الخطوة إلى السيطرة على التأثيرات السلبية المحتملة لهذه التقنية، بما يضمن استغلالها بشكل آمن وفعال.
من جهة أخرى، تعد الهند مثالًا مثيرًا للاهتمام. فرغم كونها من الدول الرائدة في إدارة بيانات الذكاء الاصطناعي، بدأت تعتمد نهجًا أكثر حذرًا. ويبدو أن الحكومة الهندية، بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، تتجه نحو وضع سياسات توازن بين تشجيع الابتكار والتصدي للمخاطر الأمنية. هذا التحول يشير إلى إدراك أعمق لتحديات الذكاء الاصطناعي، ليس فقط على مستوى الاقتصاد الوطني، ولكن أيضًا على الصعيد العالمي.
العملات الرقمية والتحديات الجديدة
أحد الجوانب التي تتطلب تنظيمًا عاجلًا يتمثل في العملات المشفرة والأصول الرقمية. يرى الخبراء أن هذه التقنيات تحمل مخاطر تتجاوز القضايا الاقتصادية لتشمل الأمن السيبراني والسيادة الوطنية. إذ أصبحت بورصات العملات الرقمية غير المنظمة مصدرًا للقلق، حيث قد تؤدي إلى زعزعة استقرار الأسواق وتمويل الأنشطة الإجرامية.
تركيا في معادلة التوازن
تركيا، التي تعد واحدة من الدول الطامحة في مجال التكنولوجيا، بدأت تتبنى موقفًا أكثر تحفظًا تجاه الذكاء الاصطناعي. ففي ظل ارتباطها الوثيق بالاتحاد الأوروبي ومجموعة بريكس، يبدو أن تركيا تدرك الحاجة لمواكبة التطورات التنظيمية. هذا التحول يعكس رؤية استراتيجية تهدف إلى تعزيز الابتكار مع ضمان عدم الانجراف نحو تبعات غير محمودة.
من المنتظر أن تشهد الأعوام المقبلة تكثيفًا للجهود الدولية للتعامل مع الذكاء الاصطناعي، حيث ستُعقد قمم عالمية، أبرزها “القمة العالمية للذكاء الاصطناعي” في باريس عام 2025. هذه القمم ستركز على موضوعات حيوية، مثل مستقبل الوظائف، والابتكار، والثقة في الذكاء الاصطناعي، إلى جانب الحوكمة العالمية.
التعاون ضرورة وليس خيارًا
يرى الخبراء أن التعاون الدولي هو السبيل الوحيد لتجنب التبعات السلبية للذكاء الاصطناعي. إذ إن تجاهل هذه القضايا قد يؤدي إلى تفاقم مشكلات لا يمكن السيطرة عليها. الأمر يتطلب تضافر جهود الحكومات والشركات والمجتمع المدني، لضمان تطوير سياسات تخدم البشرية بدلاً من أن تُشكل خطرًا عليها.
يبقى السؤال الأهم: هل سيتمكن العالم من إيجاد هذا التوازن المطلوب؟ أم أن الذكاء الاصطناعي سيظل أداة ذات حدين؟ الإجابة ستعتمد على ما ستسفر عنه الجهود الدولية في السنوات القليلة المقبلة.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله