
يشهد العالم اليوم تطورا غير مسبوق في تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، مما أثار تساؤلات هامة حول هوية الأشخاص في الفضاء الرقمي. فعلى الرغم من التقدم الكبير في هذه التقنيات، إلا أنها تثير تحديات جادة في كيفية التمييز بين البشر والآلات، خاصة في ظل قدرة الذكاء الاصطناعي على توليد محتوى يبدو وكأنه من إنتاج البشر.
التحديات في التمييز بين الإنسان والآلة
في السنوات الأخيرة، أصبحت تقنيات الذكاء الاصطناعي أكثر تطورًا، ما يجعل من الصعب التمييز بين المحتوى الذي ينتجه الإنسان والمحتوى الذي تنتجه الآلات. على سبيل المثال، أصبحت الخوارزميات قادرة على كتابة نصوص معقدة أو إنتاج صور وأصوات محاكاة للبشر، بل إن بعض الأنظمة الرقمية أصبحت قادرة على محاكاة سلوك الإنسان بدقة، مثل حل الألغاز الرقمية المعقدة التي تستند إليها أنظمة التحقق الإلكترونية. بالإضافة إلى ذلك، فإن انتشار روبوتات الدردشة الذكية التي يمكنها إجراء محادثات طبيعية ومعقدة قد صعّب عملية التمييز بين المحادثات البشرية وتلك التي تجريها الآلات.
على الجانب الآخر، أصبح استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي مصدرًا للقلق في مجال الأمن السيبراني، إذ تستغل بعض الجهات السيئة هذه التقنيات لتوليد محتوى مزيف بهدف نشر الشائعات وإحداث الفوضى، ما يؤدي إلى تهديد استقرار المجتمعات الرقمية وتضليل الرأي العام.
نظام جديد للتحقق من الهوية الرقمية
في محاولة للتصدي لهذه المشكلة، اقترح عدد من الباحثين تطوير نظام جديد للتحقق من الهوية الرقمية يُسمى “وثيقة إثبات الهوية البشرية”. يهدف هذا النظام إلى ضمان أن المستخدمين الذين يتفاعلون في الفضاء الرقمي هم بشريون فعلاً وليسوا روبوتات.
يعتمد هذا النظام على تقنية “إثبات المعرفة الصفرية”، التي تسمح بالتحقق من هوية المستخدم دون الكشف عن بياناته الشخصية، يمكن للمستخدمين تخزين هذه الوثائق الرقمية على أجهزتهم الشخصية لضمان خصوصيتهم وحمايتهم. لكن، رغم الإيجابيات التي يقدمها هذا النظام، إلا أن هناك تحديات خطيرة تواجهه. من أهم هذه التحديات هي احتمال تسريب أو بيع هذه الوثائق بشكل غير قانوني، مما قد يؤدي إلى انتشار المحتوى المزيف وتهديد مصداقية النظام بأسره. علاوة على ذلك، سيكون هناك خطر تركيز السلطة في يد جهة واحدة، سواء كانت حكومة أو مؤسسة خاصة، مما يثير القلق بشأن الاحتكار الرقمي وإمكانية استغلال هذه الجهات لفرض رقابة أو تقييد الوصول إلى الخدمات الرقمية
مع تطور هذه الأنظمة، يبرز سؤال مهم حول من يتحمل مسؤولية حماية الخصوصية الرقمية. يشير العديد من الخبراء إلى أن الشركات التي تطور هذه التقنيات يجب أن تتحمل المسؤولية في معالجة القضايا المتعلقة بالأمن والخصوصية بدلاً من تحميل المستخدمين عبء التكيف مع تقنيات جديدة.
في الواقع، تُظهر الكثير من الأنظمة الحديثة عدم قدرة الشركات على معالجة المشاكل الجوهرية التي تسببها تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل انتشار المعلومات المضللة والروبوتات المتطفلة. بدلاً من ذلك، تتجه هذه الشركات إلى تحميل المجتمع مسؤولية هذه القضايا، وهو أمر غير عادل ولا يحقق الأهداف المرجوة
يظل التحدي الأكبر في الفضاء الرقمي هو كيفية التمييز بين الإنسان والآلة في عالم يسوده الذكاء الاصطناعي. على الرغم من التقدم الذي تم إحرازه في هذا المجال، يبقى الطريق طويلًا نحو ضمان الخصوصية وحماية الهوية الرقمية بشكل فعّال. من أجل تحقيق ذلك، يجب على شركات التكنولوجيا أن تتحمل مسؤولية تطوير تقنيات آمنة ومستدامة تحمي المستخدمين من تهديدات الذكاء الاصطناعي وتضمن لهم التفاعل الرقمي بأمان.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله