
يعـتبر موسم الاصطياف بولاية تلمسان موسما للسمسرة والبزنسة لتحقيق الربح السريع، خاصة بالنسبة للعائلات ذات الدخل المحدود، وهذا من خلال استئجار شققها وشاليهاتها مقابل مبالغ مالية بين 10 إلى 20 مليون سنتيم للشهر، والغريب في الأمر أن كل شيء أصبح ممكنا للكراء كالمباني والحمامات والمحلات،عـبر 12 شاطئـا مسموحــا ومحروسـا بالمناطق الساحلية الموجودة بالشريط الساحلي الذي يصل طوله إلى 70 كـلم، عـلى غـرار مرسى بن مهيدي، بيدر، سيدي يوشع وأولاد بن عايد.
انتشار غـير مسبوق لظاهرة السمسرة في كـراء الشقق والشاليهات التي باتت تنافس الفنادق والمركبات السياحية في استقطاب المصطافين، ما يضطر العـديد من المصطافين والسياح اللجوء إلى استئجار الشقق والشاليهات لقضاء موسم الاصطياف بها، وقد فضلت بعض الأسر هجر بيوتها في الصيف خاصة بالمنطقة الساحلية مرسى بن مهيدي لإيجارها لمن يدفع أكثر، فكراء بيت مفروش لشهر واحد يعـود على العائلة بربح يتراوح ما بين 10 إلى 15 مليون سنتيم من شأنها تغطية جميع مصاريف الدخول الاجتماعي بكامله من شهر رمضان والدخول المدرسي وحتى عـيد الفطر، حيث يدفع الفقر والحاجة الكثير من العائلات إلى هجر بيوتها المحاذية للبحر وإيجارها للمصطافين مقابل مبالغ مالية مرتفعة، تتراوح بين 5 و15 مليون سنتيم حسب وضعية البيت وموقعه.
وقد عرفت هذه الظاهرة ارتفاعا غير مسبوق خلال السنتين الأخيرتين على غرار السنوات الفارطة، لتمتد إلى الشاليهات التي دخلت هي الأخرى بورصة الكراء ولكن بأسعار جدّ معقولة نوعا ما، والتي تراوحت ما بين مليون وثلاثة ملايين سنتيم شهريا، إلاأن ذلك لم يشفع لها من منافسة نشاط السماسرة في تأجير بيوت وشقق وشاليهات للعائلات المصطافة.
واستنادا إلى معلومات استقـتها “البـديل” من مواطنين محليين من هذه البلديات الساحلية المنتشرة عـبر تراب الولاية، خاصة التي يتراوح عـدد المصطافين بها سنويا ما بين مليوني وأربعة ملايين مصطاف، فإن الكثير من الشباب وحتى الكهول السماسرة يزاولون خلال الصيف نشاط كراء الشقق خاصة مع ارتفاع الطلب ومحدودية العرض.
فالبحث عن مكان للاستئجار على الساحل يبدأ قبل الصيف بأربعة أشهر، خاصة بالنسبة للمغتربين من فرنسا، كندا وإسبانيا…الذين عادة ما يوكـلون أقرباءهم لمهمّة البحث أو يستأجرون عن طريق الإنترنت مادامت الأموال متوفرة، نظرا لمحدودية الفنادق والمركبات السياحية بهذه المنطقة السياحية، بالإضافة إلى أسعارها الغالية يفضل الكثيرون استئجار الشقق التي تتوفر حسب الطلب.
بلدية مرسى بن مهيدي الساحلية تحتل المرتبة الأولى في استئجار الشقق والشاليهات
وعـلى غـرار هذه الشواطئ، تحتوي تلمسان على لؤلؤة ذات مساحة شاسعة تعطيها الولاية أكبر أهمية، إنه القطب السياحي مرسى بن مهيدي بشاطئيه “موسكاردة 1 و2″ و”بن مهيدي” الذي يساهم بفعالية كبيرة في مدا خيل الخزينة العمومية نظرا للكم الهائل للمصطافـين الذين يقصدوه من خارج الولاية والأجانب.
إذ تشكّـل شواطئ هذه البلدية الساحلية حوالي 75 كيلومترا غرب تلمسان- عـبر الطريق السيار شرق ـ غرب، والتي تحصّلت على جائزة أفضل مدينة ساحلية بتلمسان، وفق المسابقة التي أطلقتها السلطات المحلية بمناسبة اليوم العالمي للبيئة تجسيدا للبرنامج الكبير باعتبار سنة 2013 سنة البيئة ببلادنا، والمقدّرة قيمة الجائزة بـ 100 مليون سنتيم، القبلة المفضّلة لملايين المصطافين المتوافدين إليها من مختلف أنحاء الوطن ومن خارجه، لقضاء عطلة ممتعة في هذه المنطقة ذات الطبيعة الخلابة.
وتستقبل هذه شواطئ “مرسى بن مهيدي” التي تتمتع بطبيعة ساحرة سنة بعد سنة أعدادا متزايدة من الزائرين، رغبة منهم في الاستمتاع بجمال الموقع ورفاهية المنشآت الفندقية المنجزة بغض النظر عن إسهامها في تنمية السياحة بالشواطئ.
وكان أكثر من 5 ملايين مصطافا قد أقام خلال السنوات الماضية بالسواحل الحدودية لغرب الوطن، حسب الإحصائيات المعـدّة من طرف مديرية السياحة لولاية تلمسان، كما تحتل هذه المنطقة الساحلية المرتبة الأولى من حيث الطلبات المتعلقة باستئجار الشقق والشاليهات باعتبارها البلدية الأكثر استقطابا للمصطافين، وهذا ما جعل أسعار الكراء ترتفع في هذه المنطقة، إذ عـلى سبيل المثال تؤجر شققا من غرفتين بـ 6 ملايين سنتيم للشهر على شاطئ مرسى بن مهيدي، بينما يصل مبلغ إيجار شقة من 3 غرف إلى 9 ملايين شهريا.
أما الفيلات فحدث ولاحرج، فتوجد فيلات تؤجر بـ 15 مليون، ومنها ما تصل لحدّ 20 مليون للشهر، وغالبية المستأجرين تجدهم من المغتربين الذين يدفعون بسخاء، كما أن سعر الاستئجار يختلف من شهر إلى شهر فسعر الاستئجار مثلا في شهر جوان وجويلية يختلف عن شهر أوت.
عائلات تحرم نفسها وأبنائها باستئجار سكناتها للغير
الحمامات والمحلات تدخل بورصة البزنسة
“البديل” خلال إنجازها لهذا التحقيق، استطاعت الوقوف عن كثب على بعض تصريحات المواطنين، الذين يقطنون في مختلف البلديات القريبة من شواطئ مرسى بن مهيدي والذين يلجأون إلى هذا الأمر بغرض الحصول عـلى مدخول إضافي، يساعدهم على سد مستلزماتهم اليومية.
وفي هذا الإطار، يقول بعض السكان إن ظاهرة تأجير السكنات بهذه المدن أصبحت تعرف انتشارا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، نتيجة الطلب المتزايد على التخييم مقابل النقص الكبير في الهياكل السياحية كالفنادق والمنتجعات السياحية، وعجزها عن تلبية طلبات المواطنين الراغبين في قضاء عطلتهم الصيفية على شواطئ ولاية تلمسان، فحتى وإن وجدت، كما يقول محدثونا، فإن أسعارها كثيرا ما لا تكون في متناول كافة العائلات، الأمر الذي يدفع بهم إلى البحث عن البديل الذي وجدوه أساسا في كراء شقة أو منزل أو طابق فيلا أو حتى شاليه، كل حسب إمكانياته المادية، فالحاجة تجبر بعض العائلات بمرسى بن مهيدي على تقاسم شققها مع عائلات أجنبية.
حيث هناك عائلات أخرى بهذه المنطقة لا تملك مكانا آخر تذهب إليه، لكن رغم ذلك يلجأون إلى كراء جزء من مسكنهم بسعر معقول، فهؤلاء يقبلون العيش مع عائلة أجنبية في شقة واحدة، كما يقول أحد المؤجرين مقابل جزء من المال “لأنّ راتبي الشهري لا يكفيني لتغطية بعض المصاريف الضرورية، فألجأ إلى كراء غرفتين من شقتي كل صيف مقابل ستة ملايين إضافية أجنيها خلال هذه الفترة، وأعمل كل ما في وسعي حتى أوفر الجوّ اللازم للعائلة التي تؤجر عندي وأحيانا أترك البيت لعـدة أيام أغتنم فيها الفرصة لزيارة الأهل”.
ويقول أحد الموظفين بمؤسسة عمومية رفض الإفصاح عن اسمه : “منذ أربع سنوات وأنا أؤجّر شقتي لمدة شهر كامل لأحد أقاربي، يقطن بفرنسا، مقابل 10 ملايين سنتيم، ففي هذه الفترة آخذ زوجتي وأولادي إلى بيت جـدّهم بقرية بوكانون الحدودية التابعة لدائرة باب العسة، حيث يمكـثون فيه طيلة هذه الفترة، أما أنا فأمكث عند أهلي، وأستعمل المال المحصل عـليه في تسديد القرض الذي أخذته من البنك، أمّا الآن ومنذ أن أصبحت أؤجر مسكـني فإنني ربحت من جهتين، قلّـلت من المصاريف وربحت العشرة ملايين”.
وعـلى هذا الأساس، فلا تكاد تدخل مقهى أو محل تجاري إلا وتجد فيه إعلانا من هذا النوع، بعد أن تحوّلت ولاية تلمسان في السنوات الأخيرة إلى قبلة مفضّلة بالنسبة للكثير من العائلات، التي تعوّدت قضاء عطلتها الصيفية بشواطئها الذهبية وعن هذه الظاهرة يقول أحد المسؤولين بقطاع العقار، إن نشاط الوكالات العقارية العاملة في المدن الساحلية يزيد في هذه الفترة بحوالي 90 بالمائة، مقارنة بباقي أشهر السنة، بسبب عروض الإيجار الكبيرة التي تتلقاها هذه الأخيرة في هذا الفصل، بفعل لجوء العديد من الخواص إلى كراء مساكنهم خلال شهري جويلية وأوت، لارتفاع أسعار الكراء في هذه الفترة التي تتراوح ما بين 5 و10 ملايين للشهر وأحيانا أكثر، وتعد أسعار هذه السكنات معقولة جدا مقارنة مع أسعار الفنادق والمركبات السياحية التي قد تصل في بعض الأحيان إلى 20 مليون، معتبرا أن ظاهرة كراء مساكن الخواص في العطلة الصيفية شيء جيد ومهم، لأنه يدخل في إطار تشجيع السياحة بالمنطقة وتغطية النقص الكبير المسجل في الهياكل السياحية، لكن شرط أن يكون هذا النشاط منظما وأن يمر عـبر طرق قانونية، لأن كراء الآلاف من السكنات من دون المرور على الوكالات يحرم خزينة الدولة أموالا طائلة.
في نفس السياق، يقول أحد التجار بمنطقة مرسى بن مهيدي الساحلية، إن ظاهرة البزنسة في كراء الشقق والبيوت والشاليهات ليست وحدها المعنية، حيث إن الظاهرة طالت حتى الحمامات والمحلات التجارية، حيث تجد الشباب يبحثون عن محلات وحمامات ومستودعات للكراء من أجل استغلالها في فصل الصيف الذي يشهد حركة كثيفة للمواطنين وإقبالا متزايدا للمصطافين والسياح والمغـتربين.
للإشارة، كشفـت مديرية السياحة والصناعة التـقـليدية لولاية تلمسان، أنـه تحسبا لموسم الاصطياف لسنة 2025 سيتم توفير 08 مخيمات صيفية بطاقة 2425 سرير، كما تم تسخير في هذا الشأن 80 هـيكل لإيواء المصطافين بطاقة إجمالية تقـدر بـ 8569 سرير، تتوزع على 63 مؤسسة فندقية، منها 18 ساحلية بقدرة استيعاب 4543 سريرا و08 مخيمات بقدرة 2425 سريرا، والتي من المنتظر أن تـوفـر أكثر من 720 منصب شغل منها أزيد من 50 منصب شغل الموسمي، إلى جانب ذلك 94 إقامة لدى الساكن منها 42 ساحلية بقـدرة استيعاب 786 وهي سكنات في إطار صيغة الإيواء لدى الساكـن، وفق المنشور الوزاري المشترك والمتحصلين على رخصة الاستغلال.
كما خضع 12 شاطئا عـبر 07 بلديات ساحلية معنية لمزايدات مفتوحة، إذ من المنتظر أن تسلم هذه البلديات أكثر من 160 رخصة استغلال، حيث سلّـمت موسم الاصطياف للسنة الماضية 163 رخصة استغلال، فيما بلغت قيمة الحصيلة الإجمالية النهائية لتحصيل إيرادات الناتجة عن عملية المزايدة لفائدة هذه البلديات 16 مليون و113 ألف دينار جزائري.
اعداد:ع. أمــيــر