محطات

شغل كثيرا العلماء والفلاسفة

المنطق يضبط العقل

بقلم الأستاذ: إدريس كاملي (وهران)

يقول العلماء والفلاسفة والمفكرون أنه لا تستقيم العلوم بدون علم المنطق؛ فما هو علم المنطق؟، المنطق في اللغة مصدر ميمي من فعل نطق أي تكلم، نقول رجل منطقي أي رجل يجيد الكلام المنظم، وتدل الكلمة على كون الكلام واردا على نمط معين.

وفي لغة العرب هو الإدراك الحاصل بالفكر والنظر، والقوة المفكرة أو العاقلة، والكلام الصادر عن الإنسان، وعند اليونان تدل الكلمة على العقل والفكر، وكان يسمى قديما الأرغانون وتعني القانون. ذكر الفلاسفة والمناطقة أن علم المنطق هو علم يبحث في المعلومات التصوُرية والتّصديقية من حيث أنها تُوصل إلى معرفة مجهول تصوري والذي يسمى شرحا أو تعريفا، أو معرفة مجهول تصديقي ويسمى حجة أو برهانا.

التعاريف الصحيحة والحدود الجامعة المانعة للمواضيع المختلفة

وهو آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في التفكير، فمن خلال هذا التعريف يمكن أن نعتبر المنطق علم آلة أي هو وسيلة لمعرفة العلوم الأخرى؛ فكل باحث في العلوم الأخرى يحتاج إلى علم المنطق لضبط معلوماته وشروحه والاستدلال على الأشياء، ويسمى خادم العلوم، والميزان، وعلم الجدل. وهو من العلوم العقلية القديمة التي تبحث في المعقولات والمعلومات أو المدركات الذهنية، وأول من اشتغل بعلم المنطق من الفلاسفة القدامى في القرن الرابع قبل الميلاد الفيلسوف اليوناني سقراط الذي واجه به السفسطائيين الذين عُرفوا بالمغالطات والتلاعب بالألفاظ، واستخدامهم للخداع والمكر في الكلام حرصا منهم على الجاه والمناصب، وقد كتب فيه فحدد معاني الألفاظ وعرّف الأشياء، وبين الخطأ من الصواب في الفكر، ثم جاء من بعده تلميذه أفلاطون الذي كتب فيه أيضا، وتميز بالجدل والاستدلال المباشر الذي يوصل إلى صحة القضية أو خطئها، ومن بعده تلميذه أرسطو الذي رتبه وهذبه ووضع قواعده وبيّن القياس والبرهان؛ فسمي أرسطو بذلك المعلم الأول لأنه اعتبر هو من أسس هذا العلم حتى نسب إليه فيما جاء من العصور( المنطق الأرسطي).

ومن الكتب التي ألفها: المقولات، التحليلات، الجدل… قال ابن خلدون:” كان أرسطو أول من دوّن قواعد علم المنطق في القرن الرابع قبل الميلاد وهذب مباحثه ورتب مسائله وفصوله وجعله أول العلوم الحكمية”.. لقد استفاد المفكرون المسلمون من علم المنطق؛ فكان الفارابي ممن اهتموا بهذا العلم، فزاد على ما تركه أرسطو وقسمه إلى أقسام ورتبه من جديد فسمي بذلك المعلم الثاني.

قال الإمام أبو حامد الغزالي في بيان أهميته:” من لا يعرف المنطق لا يوثق بعلمه”؛ فقد اعتبره أهم العلوم وجعله في المرتبة الأولى؛ فهو خادم للعلوم، ومعيار لها، وهو يحكمها، وقال الإمام السّاوي: “علم المنطق قانون صناعي عاصم للذهن من الزلل، مميز عن الخطأ في العقائد بحيث تتوافق العقول السليمة على صحته”.

وقد استفاد العلماء المسلمون منه في وضع التعاريف الصحيحة والحدود الجامعة المانعة للمواضيع المختلفة، وكذلك في صوغ البراهين والحجج، والتصدي لخصوم الدين بالعقل والحجة، وإلزامهم بالطريقة نفسها. وقد ظهر استخدام علم المنطق جليا في علوم كثيرة منها أصول الفقه والفقه وعلم الكلام وأصول الدين، ومن العلماء الذين تحدثوا في المنطق ابن حزم الأندلسي، وابن رشد الحفيد، وابن تيمية الذي انتقد المنطق الأرسطي.

البحث في المعلومات التصورية والمعلومات التصديقية

إنّ المنطق يحكم العقل ويضبطه، ويُعلّم الشخص كيف يُعرِّف الأشياء أي كيف يضع لها تعريفا، وكيف يُقدِّم دليلا وحجة للاستدلال على مسألة ما، ويساعد أيضا على التفكير الصحيح، والتدريب على استخدام العقل بشكل صحيح، وعلى ترتيب الأفكار، وعلى فهم العلوم، ووضع الحدود لها وإدراك الأشياء التي حولنا.

ذكر الباحثون أنه من ثمرة علم المنطق أنه يبحث في المادة وهيئتها الصحيحتين، أي في اختيار المعلومة وكيفية ترتيبها، وبهذا يُقسَّم المنطق إلى منطق مادي يبحث في المادة (هي اختيار المعلومة)، ومنطق صوري يبحث في الهيئة (هي ترتيب المعلومة). إنّ أهمية علم المنطق تكمن في البحث في المعلومات التصورية(حصول صورة في الذهن عن الشيء دون الحكم عليه)، والمعلومات التصديقية (الحكم على الشيء بالإثبات أو النفي) أو بعبارة أخرى يبحث في المعاني والمدركات الذهنية التي توصل إلى المجهولات سواء التصورية أم التصديقية. وباختصار هو حركة العقل في قضية ما أو هو تنظيم الفكر.

فهو بهذا يعصم العقل من الوقوع في الخطأ، ويساعد على ترتيب المعلومات، وتصورها بشكل صحيح أي التوصل إلى حقيقتها ليسهل بعد ذلك الحكم عليها حكما سليما إما بالإثبات أو النفي، فإذا كان التصور صحيحا كان الحكم على الشيء صحيحا والعكس صحيح، فالإنسان حينما يبني تصورا صحيحا يُصدر حكما صحيحا، حتى نقده للأشياء يكون له معنى ويكون دقيقا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى