
“سَعادو آية”: فكرة “الجبيرة الذكية” .. في زمن يتسارع فيه تطوّر التكنولوجيا الطبية، تظهر بين الحين والآخر ابتكارات قادرة على تغيير قواعد العلاج رأسًا على عقب. لكن المُلفت هذه المرة أنّ الفكرة الثورية لم تأتِ من مخبر أجنبي أو شركة عالمية كبرى، بل من طالبة جزائرية شابة قرّرت أن تواجه مشكلة يعيشها المرضى كل يوم… فابتكرت لها حلاً غير مسبوق.
“سعادو آية”، طالبة في تخصص الهندسة البيوكينية بجامعة تلمسان، لم تكتفِ بدراسة العلوم الطبية نظريا، بل حملتها معها إلى قاعات المستشفيات، حيث شاهدت عن قُرب معاناة المرضى مع الجبائر التقليدية: تورّم، التهابات جلدية، صعوبة المتابعة الطبية وإرهاق نفسي يمتد طوال فترة العلاج. هناك، ووسط ضجيج قسم الاستعجالات، وُلدت الفكرة… لماذا لا تكون الجبيرة ذكية؟
من هذا السؤال، انطلقت رحلة شابّة لا يتجاوز عمرها العشرين، لكنها استطاعت أن تحصد المرتبة الأولى وطنيًا في عدة مسابقات علمية، وتعرض مشروعها أمام وزراء وخبراء وسفراء، بل وتحظى بدعم شركات صناعية كبرى لتطوير نموذجها الأولي.
في هذا الحوار، تحكي لنا “سعادو آية” تفاصيل رحلتها مع “الجبيرة الذكية”: كيف تعمل؟ وما الذي يميزها؟ وهل يمكن أن تغيّر مستقبل علاج الكسور؟
بداية، هل يمكن أن تعرّفي القراء بنفسك، وبخلفيتك العلمية أو الأكاديمية؟
أنا “سعادو آية”، طالبة في مجال التصوير الطبي بتخصص الهندسة البيوكينية بجامعة تلمسان. شغفي بالابتكار والتكنولوجيا في خدمة الصحة رافقني منذ سنواتي الأولى في الجامعة، حيث كنت دائمًا أبحث عن طريقة أجمع فيها بين العلم والإنسانية. هذا الشغف هو الذي دفعني إلى العمل على مشاريع تُحدث فرقًا حقيقيًا في حياة المرضى، وليس مجرد أفكار نظرية على الورق.
كيف وُلدت فكرة ابتكار “الجبيرة الذكية”؟
ولدت الفكرة من ملاحظتي لمعاناة كبيرة يواجهها المرضى مع الجبائر التقليدية، سواء من ناحية الوزن أو من ناحية صعوبة المتابعة الطبية. كنت أرى الألم في عيونهم، وأشعر بأن العلاج، بدل أن يكون وسيلة للشفاء، يتحوّل أحيانا إلى مصدر جديد للمعاناة. هناك من يتألم جسديا وهناك من يُرهق نفسياً بسبب طول مدة ارتداء الجبيرة، وعدم معرفة تطور حالته.
ما المشكلة أو المعاناة التي أردت حلها من خلال هذا الاختراع؟
الجبائر التقليدية جامدة، ثقيلة، ولا تسمح بتهوية الجلد، مما يؤدي إلى أمراض جلدية خطيرة، إضافة إلى صعوبة مراقبة حالة المريض دون إزالة الجبيرة وإعادة تثبيتها. المريض يبقى في حالة انتظار طويلة، والطبيب لا يستطيع معرفة وضع العظم إلا من خلال الأشعة المتكررة التي تعرض الجسم لمخاطر الإشعاع. كنت مقتنعة أن كل هذه المشاكل كان من الممكن حلّها بتكنولوجيا بسيطة لو تم تسخيرها في الاتجاه الصحيح.
هل كان هناك موقف شخصي أو تجربة قريبة ألهمتك لابتكار هذه الجبيرة؟
نعم، خلال فترة التربص في مصلحة الاستعجالات بالمستشفى، شاهدت حالة أثّرت فيّ كثيرًا. جاء مريض مصاب بكسر، وعندما أزلنا الجبيرة التقليدية التي كان يرتديها منذ مدة طويلة، اكتشفنا أن جلده متورم لدرجة قريبة من التعفن بسبب انعدام التهوية. الأطباء أخبروني أن هذه الحالات تتكرر كثيرًا، خاصة في فصل الصيف، حيث ترتفع الحرارة داخل الجبيرة لدرجة تجعل الجلد “يُؤكل” من الداخل. خرجت يومها من المستشفى وذهني مشغول بسؤال واحد: لماذا لا تكون الجبيرة ذكية مثل باقي الأجهزة الطبية؟
كيف تعمل الجبيرة الذكية بشكل مبسّط يمكن أن يفهمه القارئ العادي؟
الجبيرة مزوّدة بمستشعرات صغيرة تراقب درجة الالتئام، مستوى الضغط داخل الجبيرة، وحتى الدورة الدموية في المنطقة المصابة. هذه البيانات تُرسل مباشرة إلى تطبيق على الهاتف أو إلى لوحة متابعة، بحيث يستطيع الطبيب والمريض الاطّلاع على الحالة في أي لحظة دون الحاجة إلى فك الجبيرة. إنها أشبه بممرضة رقمية ترافق المريض طوال فترة علاجه.
ما دور الذكاء الاصطناعي داخل هذه الجبيرة؟
الذكاء الاصطناعي يحلل البيانات القادمة من المستشعرات ويتنبأ بمراحل الشفاء، كما يمنح تنبيهات في حال وجود مضاعفات مثل التورم المفرط أو ضعف الدورة الدموية. بمعنى آخر، لا تنتظر الحالة لتتدهور حتى يعود المريض إلى المستشفى، بل يتم التدخل في الوقت المناسب.
ما الذي يميز ابتكارك عن الجبائر التقليدية؟
هي خفيفة الوزن، قابلة للتنفس، وتوفّر متابعة طبية دقيقة عن بُعد. كما تساعد على تجنب الأمراض الجلدية، وتُسرّع مدة العلاج، وتقلل الحاجة إلى صور الأشعة المتكررة، مما يعني حماية المريض من التعرض المستمر للأشعة السينية.
ما أبرز الصعوبات التقنية التي واجهتك أثناء التصميم؟
أكبر تحدٍّ كان دمج المستشعرات داخل مادة خفيفة ومناسبة للجسم دون التأثير على راحة المريض. كما كان من الضروري برمجة الذكاء الاصطناعي بطريقة تكون سهلة الاستخدام للطبيب والمريض معا، بعيدا عن التعقيد التقني.
هل استعنتِ بفريق عمل أو خبراء في تطوير هذا المشروع، أم كان مجهودا فرديا؟
المشروع كان مجهودا فرديا، لكنني استفدت من توجيهات أساتذة في مجالي ومن دعم مخبر الجامعة خلال فترة التجارب.
ما الفوائد الصحية أو الاجتماعية التي تقدمها هذه الجبيرة للمرضى؟
توفر راحة أكبر للمريض، متابعة دقيقة لحالته، تقليل عدد الزيارات للمستشفى، وتسريع الشفاء. اجتماعيا، هي تخفف الأعباء المادية والنفسية عن العائلة، خاصة في المناطق البعيدة عن المستشفيات.
هل تم اختبارها عمليا؟ وما كانت النتائج؟
نعم، أجريت تجارب أولية على نماذج أولية، وكانت النتائج مشجعة جدا سواء من حيث الراحة أو دقة القياسات.
كيف كانت ردود فعل الأطباء أو المختصين الذين اطّلعوا على ابتكارك؟
كانتردود فعلهم إيجابية للغاية، خصوصا بعد فوزي بالمرتبة الأولى وطنيًا في عدة مسابقات علمية. لجنة التحكيم، التي ضمت أساتذة وخبراء من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، عبّرت عن إعجابها الشديد بالفكرة.
هل ترين أن هذا الابتكار يمكن أن يغيّر طرق العلاج في المستقبل؟
بالتأكيد. إذا تم تبنيه على نطاق واسع، يمكن أن يُحدث ثورة في علاج الكسور وإعادة التأهيل، بل ويمكن الاستغناء عن بعض الفحوصات الإشعاعية التقليدية.
ما الدعم الذي تلقيته من المؤسسات؟
تلقيت دعما معنويا من عائلتي وأساتذتي، إضافة إلى تسهيلات من الجامعة والمخبر العلمي لمواصلة التجارب. كما حظيتُ بدعم من شركة “كوندور” التي ساهمت في تمويل تطوير النموذج الأولي.
هل قمتِ بتسجيل براءة اختراع؟
نعم، والحمد لله.
ما هي خططك لتطوير النسخة القادمة؟
أعمل على تحسين التصميم ليصبح أكثر راحة، وتطوير التطبيق ليكون متوافقًا مع أنظمة طبية عن بُعد.
هل تفكرين في التعاون مع شركات أو مستثمرين لإنتاجها على نطاق واسع؟
بالطبع، لأن تحويل الفكرة إلى منتج حقيقي يحتاج إلى دعم صناعي وتجاري.
ماذا تعني لكِ هذه التجربة على الصعيد الشخصي؟
هي محطة مهمّة جدا زادت من ثقتي بنفسي، وأكدت لي أن الابتكار ممكن رغم الصعوبات، فقط بالإرادة.
ما رسالتك للشباب الطموح؟
أقول لهم: لا تخافوا من الفشل، فكل فكرة صغيرة قد تكون مشروعا وطنيا كبيرا إذا آمنتم بها وعملتم عليها بجد.
وأخيرا… لو أردتِ أن تختصري حلمك في جملة؟
أنا أرى “الجبيرة الذكية” بين أيدي المرضى، تخفف آلامهم وتختصر معاناتهم.
الجدير بالذكر،أن “آية” تحصلت على المرتبة الأولى وطنيا كأحسن مشروع مؤسسة ناشئة في المسابقة الوطنية المنظمة بولاية أم البواقي سنة 2023، تحت الرعاية السامية لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
كما نالت المرتبة الأولى وطنيا في المسابقة الوطنية للشباب العلمي و”الشاطر الصغير” المقامة بولاية تندوف سنة 2024، تحت الرعاية السامية لوزارة الشباب والرياضة،وقد حظي مشروعها أيضا بتقديم رسمي أمام وزير التعليم العالي والبحث العلمي ووزير المؤسسات الناشئة، حيث نال إعجابهم وتقديرهم، كما عُرض أيضا أمام سفيرة ألمانيا بالجزائر سنة 2023، وحاز استحسانها.
وفي نفس السنة، عرض المشروع أمام شركة “كوندور”، حيث لاقى إعجاب مسؤوليها وحظيتُ بتمويل منه لدعم وتطوير الابتكار.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله