لك سيدتي

“سعاد قرقابو”… حين يصبح الكتاب جسرا بين الحلم والواقع

بين شغف اللغة الإنجليزية وحلم المكتبة… قارئة جزائرية تحوّل الشغف إلى رسالة ثقافية

في زمنٍ يركض فيه كل شيء بسرعة، اختارت “سعاد” أن تتمهّل، أن تصنع عالمًا صغيرًا برائحة الورق وحميمية الحروف. من شغفٍ بدأ مع صديقة في مقاعد الدراسة، إلى رحلة مع اللغة الإنجليزية والكتب المهاجرة من وراء البحار، كبرت معها فكرة تحوّلت إلى مكتبة نابضة بالحياة… BordersBookshopهنا تبدأ الحكاية، حكاية امرأة رافقت الكتاب حتى صار شريكًا في حياتها، وقررت أن تهدي هذا الشغف لغيرها من القرّاء.


 

من هي “قرقابو سعاد”، وكيف رسمت بداياتها  بين عشق اللغة الإنجليزية ورفقة الكتاب؟

“سعاد”، هي صاحبة مكتبة “BordersBookshop“،حلمٌ صغير تحوّل اليوم إلى واقع أعيشه بكل تفاصيله. البداية كانت في المتوسطة، مع صديقةٍ كانت تُصرّ دائمًا أن نقرأ الكتاب نفسه سويًا، واستمر هذا الطقس حتى سنوات الثانوية.

ومع دخولي الجامعة لاجتياز تخصص الترجمة، كبرت معي هذه العلاقة أكثر، حتى نلت شهادة الدكتوراه في الترجمة. كنت أقرأ دائمًا كتبًا ورقية، وأحيانًا إلكترونية فقط حين يتعذّر الحصول على النسخة الورقية. ومع رحلاتي إلى الخارج اكتشفت عالمًا واسعًا من الكتب الإنجليزية، وولدت لدي رغبة كبيرة في أن تكون هذه الكتب متاحة لي ولغيري. وذات مرة، حين زرت مكتبة صغيرة بالجزائر العاصمة، ورأيت صاحبتها تقرأ وسط هدوء المكان وهمس زوّاره، تمنّيت أن أملك مكتبة دافئة وصغيرة… a little cosy bookshop

 

الكتاب و”سعاد”، كيف تروين حكاية هذا الارتباط الأول؟وما الأثر الذي تركه في شخصيتك الفكرية والإنسانية؟

الكتاب بالنسبة لي صديق لا يغيب… أقرأ حبًا في القراءة، أحيانًا هروبًا من ضوضاء الحياة، وأحيانًا بحثًا عن حلول أو متعة في قصص مشوقة أو كلاسيكيات لا بد من قراءتها. تحولت من قارئة عادية إلى باحثة دائمة عن آخر الإصدارات وأفضل الترجمات والكتب التي تلامس القارئ الجزائري. علاقتي بالكتاب لم تقتصر على القراءة فقط، بل أصبحت أرافقه في كل تفاصيله: أحمله، أنسّقه، أمسح غباره، أقرأ ملخصاته وأعيد ترتيبه على الرفوف… ليصبح جزء أساسيًا من يومياتي وحياتي.

 

أي كتاب أو كاتب كان علامة فارقة في رحلتكِ مع القراءة؟

لا أستطيع أن أقول إن هناك كتابًا واحدًا شكّل الفارق، فأنا أؤمن أن كل كتاب هو مرحلة جديدة من التفكير والنضج. لكن أحيانًا، قراءة كتابٍ معيّن في لحظة خاصة من حياتنا، وبالتوازي مع الظروف التي نمر بها، قد يمنحنا قوة على اتخاذ قرارات مصيرية أو رؤية أوضح لحياتنا.

 

متى وُلد الحلم الأول لمحلّك، وشعرتِ أن حبّك للقراءة تحوّل من فكرة عابرة إلى مشروع نابض بالحياة، يتجاوز كونه شغفًا شخصيًا؟

الحلم بدأ بعد استقالتي من عملي في مركز بحث، حينها شرعت في مشروع بسيط يتمثل في بيع فواصل كتب وملصقات. ثم، وبدعم من زوجي، بدأنا نفكر في مكتبة متخصصة ببيع الكتب باللغة الإنجليزية فقط. كانت البداية صعبة جدًا، أحيانًا يمر يوم كامل دون أن يدخل أحد إلى المكتبة، خصوصًا أنها كانت داخل مركز تجاري جديد لم يعرفه الكثيرون بعد. في تلك الأشهر الأولى كثيرًا ما سألت نفسي: هل يمكن أن أنجح فعلًا؟ لكن الإصرار غلب كل الصعوبات.

 

هل يمكن القول إن محلّك للكتب الإنجليزية هو انعكاس آخر لحبّك للغة الإنجليزية نفسها؟ وكيف أسهم هذا الارتباط في صياغة رسالة المحل؟

بالتأكيد، مكتبتي انعكاس مباشر لحاجتي وحبّي للغة الإنجليزية، خاصة أن الكتب لم تكن متوفرة بسهولة في وهران أو الجزائر بشكل عام، كنت أضطر لشراء قائمتي من الكتب خلال سفري خارج الجزائر، ومع الوقت اكتشفت أن هذا الشغف ليس شغفي وحدي، بل شغف مشترك بيني وبين قراء كثيرين. ومن هنا، جاءت فكرة أن تكون المكتبة رسالة: توفير الكتب الإنجليزية وإتاحة الفرصة للقارئ الجزائري أن يعيش التجربة التي كنت أبحث عنها أنا أيضًا.

 

عندما تضعين كتابًا على رف المحل، كأنك تختارين رسالة جديدة لزوارك… كيف تصنعين هذا الاختيار؟

غالبًا ما أختار من بين أحدث الإصدارات أو العناوين التي نالت استحسان القراء، أما البقية فهي تلبية لطلبات زبائني، إذ تصلني يوميًا استفسارات عن توفر كتب بعينها. وهكذا، يتحول كل رف في المكتبة إلى لوحة تعكس اهتمامات القراء وتطلعاتهم.

 

هل تعتبرين أن الكتاب الورقي يحمل روحًا، لا يمكن للرقمي أن يمنحها؟

بكل يقين، للكتاب الورقي سحر خاص؛ بعض القراء يقلبون صفحاته، يشمّونه، يلمسونه، بل ويعانقونه قبل شرائه. آخرون يفضلون غلافًا دون غيره، أو يسعون وراء نسخة hardcoverأو collector لتميّزها، هناك من يدوّن ملاحظاته بخط يده بين الصفحات، وآخر  يقدس الكتاب لدرجة أن يحافظ عليه فلا يفتحه كثيرا عند القراءة يحافظ عليه ليزين به مكتبته بعد الانتهاء من قراءته.

الكتاب الورقي ليس مجرد وسيلة للقراءة، بل ذاكرة حية وحميمية لا يمنحها الرقمي أبدًا.

 

هل ترين أن القراء الجزائريين ما زالوا متعطشين للكتاب الورقي رغم انتشار المحتوى الرقمي؟

الحقيقة أن القارئ الشغوف بالكتاب الورقي موجود لكنه قلة، ومع ذلك يظل حضوره قويًا وملهمًا. ربما غزت الرقمنة يومياتنا، لكن رسالتي كانت وما زالت موجهة لتلك الفئة.

 

في زمن سيطرة الهواتف الذكية والصورة السريعة… كيف تتعاملين مع تحديات تسويق الكتاب الورقي؟

التحدي كبير فعلًا، لكنني أراه فرصة. أستثمر وسائل التواصل الاجتماعي لعرض الإصدارات الجديدة وإبراز جماليات الكتاب الورقي نفسه. أحيانًا تكفي صورة لغلاف أنيق أو مقطع قصير لتذكير الناس بأن للكتاب الورقي مكانة مختلفة لا يمكن أن ينافسها أي محتوى سريع الزوال.

 

رغم الصعوبات، ما المنبع الذي يغذّي شغفك ويمنحك القوة للاستمرار؟

استمرار المكتبة للسنة الثالثة بحد ذاته إنجاز وتحدٍ. الدعم المتواصل من زوجي، والتوكل على الله، والدعاء، كلها مصادر قوة. كما أن لرواد المكتبة جزء كبير في استمراري..أحاديثهم، تفاعلهم، شغفهم. كل لقاء مع قارئ يذكّرني أن ما أفعله يستحق العناء.

 

أي سعادة يمنحك إياها عالم الكتب الذي صنعتِه بين رفوفه وأحاديث قرّائه؟

من خلال عملي في المكتبة ومقابلاتي اليومية، سواء مباشرة أو عبر الهاتف، ألتقي بقراء لا يمكن وصفهم، إلا بأنهم منغمسون في عالم القراءة إلى حد يثير الإعجاب.

بعضهم يملكون شغفًا لا يوصف بالكتب: يحرصون على قراءة كل مؤلفات كاتب معيّن، ويختارون مترجمًا بعينه،هؤلاء القراء يكشفون لك أن الكتاب ليس مجرد ورق وحبر، بل حياة كاملة تُعاش في كل صفحة.

يوم أقوم بالمهام نفسها: أرتب الكتب على الرفوف، أنظف، أجيب على الرسائل، أراجع الإصدارات الجديدة، أطلب نسخا جديدة، أستقبل الكتب، أضع الأسعار وأعيد تزويد الكندري التي بيعت، قد يبدو الأمر متكررا، لكنه بالنسبة لي مختلف في كل مرة.

 

ما الرسالة التي تتمنين أن تصل من خلال هذا المشروع لزوارك وقرائك؟

القراءة ليست مجرد هواية، بل هي متعة وفائدة، الكتاب يفتح لنا أبوابًا كثيرة حول عوالم جديدة، وكل واحد منا يستطيع أن ينشر هذه المتعة في بيته، مع عائلته، وبين أصدقائه. كثيرا ما اسأل رواد المكتبة كيف بدأت رحلة القراءة؟ بجيب بعضهم أنه تأثر من أحدأفراد عائلته الدي كان شغوفا بالقراءة، آخر كان كتاب أهدي له فاستمتع بقراءته فبدا اكتشاف عالم جديد. القراءة متعة على الجميع المشاركة في نشرها.

 

لو نظرتِ للمستقبل، كيف ترين محلك بعد 5 سنوات؟ وما الأحلام التي ترغبين في تحقيقها؟

حلم بمكتبة أكبر، أوسع وأجمل، لن تكون مملوء بالكتب، أم تضم لقاءات مع كتاب جزائريين يكتبون باللغة الإنجليزية،أن تستضيف منتديات قراءة أن تساعد على نشر القراءة.

 

كلمة أخيرة.

شكرًا لجريدة “البديل” على هذه الفرصة الثمينة التي منحتني إياها للتعريف بمكتبة Borders Bookshop، وعلى دعمهم في تسليط الضوء على مكتبتنا.وشكرًا للجيل الصاعد على جهودهم وتعاونهم وحبهم للعمل،ممتنّة جدا لهذه الفرصة.

حاورتها : مقيدش حليمة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى