تكنولوجيا

سباق رقائق الذكاء الاصطناعي يدفع “إنتل” إلى موجة تغييرات جذرية

في خضم سباق عالمي محموم لتطوير رقائق الذكاء الاصطناعي. وجدت شركة “إنتل” نفسها أمام تحديات ضخمة أجبرتها على اتخاذ قرارات موجعة. حيث أعلنت مؤخرًا عن تسريح نسبة 15 بالمائة من موظفيها. وإعادة النظر في مشاريع توسع كانت تعوّل عليها في أوروبا. في محاولة جادة لإعادة ضبط بوصلتها الاستراتيجية بعد تراجع أرباحها وفقدانها موقعها الريادي لصالح منافسين صاعدين.

 

سباق رقائق الذكاء الاصطناعي .. ضغوط السوق وتراجع المكانة

لطالما اعتبرت “إنتل” إحدى أعمدة صناعة المعالجات الإلكترونية. خصوصًا في قطاع الحواسيب المحمولة والمكتبية. لكن السنوات الأخيرة شهدت تبدلًا لافتًا في قواعد اللعبة. حيث أصبح الطلب العالمي يميل أكثر نحو الرقائق التي تخدم نماذج الذكاء الاصطناعي والتطبيقات عالية الأداء. وهو ما لم تستعد له الشركة بالشكل الكافي. فدفعت الثمن تراجعًا في الحصة السوقية وتوالي الخسائر.

في هذا السياق. جاء إعلان الشركة عن تخفيضات كبيرة في عدد موظفيها. حيث أوضحت أنها ستستغني عن الالاف من العاملين. لا سيما ضمن الفئات الإدارية المتوسطة. في خطوة تهدف لتقليل الأعباء المالية وتحسين الكفاءة التشغيلية. كما أعلنت عن نيتها تقليص حجم العاملين إلى نحو 75 ألفًا فقط مع نهاية العام. وذلك ضمن خطة متكاملة لإعادة الهيكلة.

 

إعادة توجيه الأولويات التكنولوجية

رغم هذه الإجراءات القاسية. فإن الشركة لم تخفِ نيتها في مواصلة الابتكار. إذ أعلنت عن نيتها تسريع تطوير تقنيات تصنيع متقدمة مثل معمارية 14A و18A. والتي تأمل أن تعيد لها موطئ قدم في سوق يسيطر عليه اليوم منافسون مثل “نفيديا” و”إيه إم دي” و”تي إس إم سي”. الذين نجحوا في قراءة المستقبل التكنولوجي مبكرًا، فاستثمروا بكثافة في الرقائق القادرة على التعامل مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

الرئيس التنفيذي الجديد للشركة. والذي تولّى مهامه في مارس الماضي. أرسل رسالة داخلية إلى الموظفين جاء فيها: “لم يعد هناك متسع للإنفاق العشوائي… يجب أن يكون لكل خطوة مبرر اقتصادي واضح”. في إشارة صريحة إلى انتهاء زمن الوفرة وضرورة إحكام الرقابة على النفقات. وهو ما يعكس تحوّلًا جذريًا في ثقافة الشركة التي عرفت لعقود بطموحاتها التوسعية الكبيرة.

 

خسائر متكررة وأمال متبقية

بيانات الربع الثاني من السنة الحالية كشفت عن واقع مقلق. حيث بلغت خسائر الشركة نحو 2.9 مليار دولار. مقارنة بخسارة قدرها 1.6 مليار في الفترة نفسها من العام الماضي. ما يعني تسجيل سادس خسارة فصلية متتالية.

وهي أطول سلسلة خسائر تعاني منها الشركة منذ أكثر من 3 عقود، كما أجّل مشروع بناء مصنع ضخم كان يفترض تدشينه قبل عام 2030، في إشارة أخرى إلى ضغوط السيولة التي تعاني منها.

رغم هذه المعطيات، فإن “إنتل” لا تزال تأمل في استعادة بعض الزخم من خلال الطلب المتزايد على معالجات الحواسيب الشخصية. خصوصًا من قبل زبائن يسعون إلى الشراء قبل دخول رسوم جمركية جديدة حيز التنفيذ. كما أشارت إلى أن إيراداتها المتوقعة في الربع الحالي قد تتراوح بين 12.6 و13.6 مليار دولار. وهي أرقام تتجاوز تقديرات العديد من المحللين الماليين.

 

ما تعيشه الشركة اليوم لا يعدّ حالة منفردة، بل هو مرأة لعصر يشهد تحولات سريعة في الخريطة التكنولوجية العالمية. حيث لم يعد البقاء فيه مرهونًا بالتاريخ ولا بالشهرة. بل بالقدرة على التكيف السريع والاستثمار الذكي في المستقبل.

ومع دخول الذكاء الاصطناعي مراحل أكثر تعقيدًا. فإن الرقائق الإلكترونية أصبحت عصبًا حيويًا، لا تملك أي شركة أن تتخلف عن تطويره دون أن تدفع الثمن.

في المحصلة، قد تكون هذه المرحلة الأصعب في تاريخ “إنتل”. لكنّها أيضًا فرصة نادرة لإعادة رسم دورها في عالم يتغير بوتيرة غير مسبوقة. فإما أن تنجح في الانبعاث من رماد الخسائر، أو أن تبقى مجرد ذكرى لشركة عظيمة لم تتأقلم في الوقت المناسب.

ياقوت زهرة القدس بن عبد الله 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى