
سباق التكنولوجيا العملاق.. تشهد الساحة التكنولوجية العالمية منافسة حادة بين العمالقة التقنيين، حيث تتصاعد وتيرة الإنفاق الرأسمالي إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، في ظل موجة استثمارية ضخمة، تتواصل دون أي مؤشرات على التباطؤ، وتشير البيانات المالية للربع الثالث من العام الجاري إلى تجاوز إجمالي الاستثمارات حاجز 380 مليار دولار، وفقا لتقارير الشركات وتحليلات وول ستريت.
ويأتي هذا الإنفاق الهائل مدفوعا بالإيمان الراسخ بإمكانات الذكاء الاصطناعي الهائلة، حيث يؤكد “براين أولسافسكي”، الرئيس المالي لشركة “أمازون”، خلال مؤتمر الأرباح أن هذه التقنية تمثل فرصة استثمارية استثنائية، مع إمكانات قوية لتحقيق عوائد مجزية على المدى البعيد، مما يبرر حجم الاستثمارات الضخمة التي تبذلها الشركات العملاقة.
تتصدر “أمازون” قائمة المستثمرين برفع ميزانيتها الاستثمارية إلى 125 مليار دولار، مسجلة أداء ماليا قويا تفوق على جميع التوقعات، حيث تجاوزت إيراداتها وأرباحها التقديرات المحاسبية، ويؤكد مسؤولو الشركة أن هذه الأرقام ستشهد مزيداً من الارتفاع خلال العام المقبل، مع استمرار الضخ الاستثماري خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المتعددة.
سباق التكنولوجيا العملاق .. منافسة شرسة بين العمالقة
تشهد الساحة تنافساً ثلاثيا محتدما بين مايكروسوفت وغوغل وميتا، حيث رفعت غوغل (التابعة لمجموعة ألفابت) توقعاتها الاستثمارية إلى نطاق يتراوح بين 91 و93 مليار دولار، مقارنة بتقديرات سابقة لم تتجاوز 85 مليار دولار، مما دفع أسهمها للصعود بنسبة 2.5 بالمائة في تعاملات البورصة.
في الجهة المقابلة، شهدت أسهم مايكروسوفت تراجعا بنحو 3 بالمائة رغم نتائجها المالية القوية، وذلك بعد إعلان الشركة عن تسارع وتيرة الإنفاق الرأسمالي خلال العام المالي المقبل، حيث من المتوقع أن تصل الاستثمارات إلى 94 مليار دولار على الأقل، مما يمثل قفزة بنسبة 45 بالمائة عن مستويات الإنفاق في العام السابق.
أما ميتا فشهدت أكبر خسارة بين نظيراتها، حيث انخفضت قيمة أسهمها بنسبة 11 بالمائة في أكبر تراجع منذ ثلاث سنوات، وذلك رغم تحقيقها نتائج مالية أفضل من المتوقع، وجاء هذا التراجع بعد قرار الشركة خفض سقف توقعاتها الاستثمارية إلى نطاق يتراوح بين 70 و72 مليار دولار.
تحذيرات من فقاعة استثمارية محتملة
يثير هذا الإنفاق القياسي مخاوف المحللين الماليين من تشكل فقاعة استثمارية يصعب تبريرها على المدى الطويل، خاصة في ظل التساؤلات حول قدرة هذه الاستثمارات على تحقيق العوائد المتوقعة، وتوفر البنية التحتية اللازمة من موارد طاقة وامكانيات تقنية لدعم هذه المشاريع العملاقة.
وتتصدر شركة “أوبن إيه آي” المشهد بصفقات استثمارية ضخمة تقترب من تريليون دولار، بالشراكة مع شركات تقنية كبرى مثل إنفيديا وأوراكل وبرودكوم، وهي أرقام تفوق بكثير ما تخصصه الشركات التقنية الأخرى، مما يزيد من حدة المخاوف من تضخم استثماري غير مسبوق.
وتواجه “ميتا” تحديات إضافية مقارنة بنظيراتها، حيث تفتقر إلى وجود خدمة سحابية تمكّنها من تحقيق عوائد مباشرة من استثماراتها في الذكاء الاصطناعي، وتعوّل الشركة على تحسين أداء الإعلانات الرقمية من خلال خوارزميات أكثر تطوراً في التصنيف والاستهداف.
مستقبل غامض واستثمارات متصاعدة
دفع هذا الواقع شركة “أوبنهايمر” لخفض تصنيفها لأسهم ميتا من “شراء” إلى “احتفاظ”، مشيرة إلى أن مشروعها الطموح المسمى “الذكاء الفائق” يمثل فرصة إيرادات غير واضحة المعالم، في ظل الإنفاق المتسارع الذي لا يعرف الحدود.
وكان “مارك زوكربيرغ”، أعلن في يونيو الماضي عن تأسيس معامل متخصصة للذكاء الفائق في ميتا، يقودها مجموعة من الخبراء والمتخصصين المنضمين حديثا، بينهم “ألكسندر وانغ” الرئيس التنفيذي السابق لشركة “سكيل إيه آي”، و”نات فريدمان” الرئيس التنفيذي السابق لجيت هاب.
ويشير المحللون إلى أوجه التشابه بين هذا التوجه والإنفاق الضخم الذي خصصته الشركة سابقا لمشروع الميتافيرس خلال عامي 2021 و2022، والذي لم يحقق حتى الآن العوائد المتوقعة، حيث خسرت وحدة مختبرات الواقع التابعة للشركة نحو 4.4 مليار دولار في الربع الثالث مقابل إيرادات لم تتجاوز 470 مليون دولار.
ويرتبط الجزء الأكبر من الاستثمارات في الشركات العملاقة الأخرى بتطوير البنية التحتية السحابية اللازمة لدعم خدمات الذكاء الاصطناعي، حيث لا تزال أمازون ويب سيرفيسز تحتل الصدارة بإيرادات بلغت 33 مليار دولار في الربع الثالث بنمو 20 بالمائة، لكن المنافسة تشتد مع منافسيها الرئيسيين.
فقد سجلت منصة “مايكروسوفت” أزور نموا قدره 40 بالمائة، بينما قفزت مبيعات منصة غوغل كلاود إلى 15.15 مليار دولار بنسبة نمو 34 بالمائة، مما يعكس حدة المنافسة في سوق الخدمات السحابية المدعومة بالذكاء الاصطناعي. ويرى محللو كانتور أن شركات مثل “مايكروسوفت”، تتمتع بميزة تنافسية كبيرة بسبب تنوع خدماتها واتساع نطاقها، مما يؤهلها للاستفادة القصوى من مرحلة التوسع الكبرى في بنية الذكاء الاصطناعي التحتية.
لكنهم يحذرون في نفس الوقت من أن إجمالي الإنفاق الرأسمالي، بما في ذلك عقود التأجير التمويلي، قد يصل إلى 140 مليار دولار هذا العام، بارتفاع قدره 58 بالمائة عن العام الماضي، في إشارة إلى طلب قوي لكنه لا يعرف حدوداً واضحة لنقطة النهاية.
بن عبد الله ياقوت زهرة القدس


