تكنولوجيا

روبوت الحياكة… خطوة ثورية في عالم النسيج

في تطور تقني مذهل يلامس صناعة النسيج العريقة، أعلن باحثان من جامعة لورينتيان الكندية عن ابتكار نموذج ذكاء اصطناعي يُمكّن الروبوتات من حياكة الملابس بمجرد النظر إلى صورتها. هذا الإنجاز العلمي يفتح آفاقًا جديدة في مجال الأتمتة الصناعية. وقد يكون مقدمة لتحولات عميقة في قطاع يعتمد عليه ملايين الأشخاص حول العالم.


تحليل الصور وتحويلها إلى تعليمات دقيقة

الباحثان شينغيو تشنغ ومينغ تشنغ لاو، أوضحا أن مشروعهما يهدف إلى معالجة التحدي الكبير المتمثل في أتمتة الحياكة من خلال تحويل صور الأقمشة إلى تعليمات قابلة للقراءة الآلية. وقد كشفا في تصريحات لموقع متخصص بالتقنيات الحديثة، أن هذا الابتكار يقوم على تطوير آلية ذكية تمكّن الروبوت من تحليل صورة قطعة ملابس، ثم البدء بحياكتها مباشرة دون تدخل يدوي بشري.

ويكمن التحدي الأكبر في هذه العملية في تعقيد الأنماط والنقوش، إذ تتطلب العملية التقليدية خبرة عالية ومهارة دقيقة لتفسير الغرز وتحديد نوعيتها، ناهيك عن الوقت الطويل الذي تستغرقه. أما النظام المطور حديثًا، فيعتمد على إطار عمل مكون من مرحلتين يحاكي طريقة تفكير وحرفة صانعي الأقمشة.

مرحلة تبسيط الصورة وتحويلها إلى رسم واضح

المرحلة الأولى من العمل تبدأ بتحليل صورة القماش وتحويلها إلى نسخة مرئية مبسطة تظهر فقط العناصر الأساسية في النسيج. و يمكن تخيّل هذه العملية كما لو أن صورة ملونة ومفصلة تم تبسيطها لتصبح رسما تخطيطيا يعرض الغرز بوضوح. وتركز هذه الصورة على الغرز السطحية التي تشكّل البنية الأساسية للنسيج، ليتم توليد ما يسمى بـ “العلامات الأمامية”، والتي تعدّ المفتاح لفهم نمط القماش.

استنتاج تعليمات الحياكة الكاملة

بعد تحويل الصورة إلى علامات أمامية، يأتي دور المرحلة الثانية حيث يقوم نموذج الذكاء الاصطناعي باستخدام هذه العلامات لتوليد تعليمات حياكة شاملة، لا تقتصر على الغرز الظاهرة فحسب، بل تشمل أيضًا الغرز الداخلية والخفية، مما يسمح بإعادة إنتاج دقيقة للنسيج الأصلي. هذه التعليمات يتم تنسيقها بلغة مفهومة لآلات الحياكة، ما يمكّن الروبوت من تنفيذها بشكل مباشر دون تدخل بشري.

نتائج دقيقة تتفوق على النماذج التقليدية

خلال الاختبارات، تمكن الباحثان من تجريب النموذج على ما يقرب من خمسة آلاف عينة نسيجية، وكانت النتائج مذهلة بكل المقاييس. فقد حقق النموذج نسبة دقة تجاوزت 97 بالمائة في تحويل الصور إلى تعليمات حياكة قابلة للتنفيذ، وهي نسبة تفوقت بشكل واضح على جميع الأساليب التقليدية المستخدمة سابقًا. كما نجح النموذج في التعامل مع أنماط نسيجية شديدة التعقيد، بما في ذلك الخيوط متعددة الألوان والغرز غير الشائعة.

ثورة في كفاءة الإنتاج وتقليص التكاليف

من أبرز مزايا هذا الابتكار أنه يتيح إنتاج الأقمشة والملابس بطريقة آلية بالكامل، مما يقلل من زمن التصنيع بشكل كبير. كما يخفّض من تكاليف العمالة التي تُشكّل عبئًا كبيرًا على شركات النسيج. وتعدّ هذه الخطوة بمثابة نقلة نوعية في مفهوم “الموضة السريعة”، حيث يمكن تلبية الطلبات بشكل فوري عبر مجرد إرسال صورة إلكترونية للقطعة المطلوبة.

قلق متزايد بشأن فقدان الوظائف

ورغم الفوائد الهائلة التي تقدمها هذه التقنية في مجال الكفاءة والابتكار، إلا أن لها جانبًا قاتمًا لا يمكن تجاهله. فصناعة النسيج توظّف أكثر من 75 مليون شخص حول العالم.

وتعتبر من القطاعات الرئيسية لتوفير فرص العمل، خاصة في الدول النامية. ويعمل كثير من هؤلاء في أعمال الحياكة والخياطة اليدوية، وهي أعمال تتطلب مجهودًا بدنيًا مقابل أجور متواضعة.

ومع دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات إلى هذا المجال، تزداد المخاوف بشأن تقلص عدد الوظائف المتاحة للبشر، وخصوصًا للعمالة غير المؤهلة تقنيًا.

فبينما تحتفي الشركات الكبرى بخفض النفقات وزيادة الإنتاجية، يتخوف كثيرون من أن يؤدي هذا التحول إلى موجة من البطالة الجماعية في المجتمعات التي تعتمد على هذه المهن كمصدر رئيسي للدخل.

نحو صناعة نسيج ذكية… ولكن لمن؟

بين الطموح التكنولوجي والواقع الاجتماعي، يبقى السؤال مطروحًا: هل يمكن تحقيق توازن بين التطوير والعدالة الاجتماعية؟ وهل تصمّم هذه الابتكارات لخدمة الجميع، أم أنها تفتح الباب لمزيد من التفاوت بين الأغنياء والفقراء؟ لا شك أن مستقبل صناعة النسيج سيكون مختلفًا. و الأهم هو أن يكون عادلاً وشاملاً، لا مجرد نسخة رقمية من عالم قديم مليء بالفوارق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى