
شهدت ولاية وهران، يوم السبت 19 أفريل 2025، حدثًا روحانيًا واستثنائيًا من أرفع المقامات، تمثل في حفل تخرج 264 خاتمًا وخاتمة لكتاب الله عزّ وجل، من مختلف التخصصات الجامعية، في مشهد مهيب احتضنه فندق الميريديان، ابتداء من الساعة الواحدة زوالًا. وقد كان هذا الحدث واحدًا من أبهى صور التلاحم بين العلم والدين، ومن أبرز مظاهر الاعتزاز بالهوية الروحية للجزائر.
تميّز الحفل بتحقيق رقم قياسي غير مسبوق في تاريخ الجزائر المستقلة، من حيث عدد الطلبة المتخرجين الذين أتمّوا حفظ القرآن الكريم كاملاً، بختم ستين حزبًا عن ظهر قلب، وقد طغت على الأجواء روح التأثر والفرح، حيث لم يكن التخرج مجرد نهاية مرحلة دراسية، بل تتويجًا لمسار إيماني عميق خاضه الطلبة بروح من الاجتهاد والصدق، وقد عكس هذا الإنجاز الكبير تزايد الوعي بأهمية حفظ القرآن بين صفوف الشباب الجامعي، والتنافس الشريف على نيل شرف حمل كتاب الله.
مشــــــاركة دولية تعزز البعد الإنســـــاني للـــحدث
وقد كانت من بين مميزات دفعة هذا العام مشاركة طلبة أجانب من دول شقيقة مثل فلسطين، الصحراء الغربية وتشاد، ممّن حظوا بتأطير خاص من الجامعة الجزائرية، التي وفّرت لهم كل الظروف الملائمة للحفظ والمراجعة، هذه المشاركة الدولية أعطت للحفل بُعدًا إنسانيًا وأخويًا يُجسّد رسالة الإسلام السامية، ويكرّس دور الجزائر كمركز علمي وروحي مفتوح على محيطه العربي والإفريقي.
يأتي هذا الإنجاز تحت إشراف جامعة وهران 1 أحمد بن بلة، التي بادرت إلى فتح باب الحفظ الأكاديمي داخل الحرم الجامعي، من خلال كلية العلوم الدقيقة والتطبيقية، بإشراف مباشر من الأستاذ بدر الدين عماري، من كلية العلوم الإسلامية. وقد تمّ وضع برنامج منظّم للحفظ، يُراعي التدرج ويُحفّز الطلبة على المثابرة، مع الاعتماد على حلقات مراجعة جماعية ومسابقات تحفيزية، ما ساهم في تسريع وتيرة الحفظ في السنوات الأخيرة.
نادي “اقرأ”… نواة المشروع ومحرّكه الأساسي
يقف خلف هذا المشروع المبارك نادي “اقرأ” التابع للجامعة، والذي استطاع أن يستقطب منذ تأسيسه الكثير من دارسي وطالبي حفظ القرآن، من مختلف التخصصات، من بينهم متخرجون وجدوا في النادي فرصة ثانية لتحقيق حلم قديم، وقد تحوّل هذا النادي إلى فضاء جامع للعلم والإيمان، ومكان تزدهر فيه روح التآخي والنية الخالصة، حيث تُبنى فيه علاقات جديدة عنوانها التعاون على البرّ والتقوى.
ومن أبرز الملاحظات المسجّلة خلال الحفل، الزيادة الكبيرة في عدد الحافظين من طلبة كليات الطب والعلوم الدقيقة، ما يدل على قدرة الطلبة على التوفيق بين مسارات دراسية علمية دقيقة، والالتزام الروحي بحفظ القرآن الكريم، وقد اعتُبر هذا الأمر حافزًا لبقية التخصصات، ودعوة مفتوحة للجميع للالتحاق بركب الحافظين، في تحدٍّ لا يتطلب إلا الإرادة والنية الصادقة.
تندرج هذه التظاهرة ضمن فعاليات الطبعة الثانية للملتقيات القرآنية، التي تنظمها كلية العلوم الدقيقة والإعلام الآلي والرياضيات، بالتنسيق مع مخبر الخوارزميات الرقمية والمعالجة الإحصائية – فرقة القياسات الفيزيائية. .
القرآن في حضرة العـــــــلم… رســـــالة أمة
تحت وسم “القرآن في حضرة العلم”، و”حلم الأمة القرآنية”، و”يوم العلم_202 “، عبّر المنظمون عن رغبتهم في تثبيت هذه الروح الإيمانية داخل الحرم الجامعي، وجعل حفظ القرآن الكريم مشروعًا جامعًا لكل الطلبة، بغضّ النظر عن تخصصاتهم، وقد أثبت الحفل أن القرآن ليس حكرًا على فئة دون أخرى، بل هو كتاب حياة، يصلح أن يكون مرجعًا روحيًا وعلميًا للطلبة في عصر يتطلب توازنًا بين العقل والروح.
باحتفالها بهذا الحدث التاريخي، وجّهت جامعة وهران 1 رسالة قوية إلى سائر المؤسسات الجامعية عبر الوطن، تؤكد فيها أن الجمع بين التكوين الأكاديمي والارتقاء الروحي ممكن بل وضروري، لبناء جيل متوازن، واعٍ، ومسؤول. وهو نموذج يُنتظر أن يُحتذى به في جامعات أخرى، لترتقي الجزائر في مراتب العلم والهدى، وتُحقّق بحقّ حلم “الأمة القرآنية”.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله