
تسعى الجزائر لعصرنة كل القطاعات مواكبة للتطور التكنولوجي الذي يعرفه العالم، برقمنة المصالح والخدمات وجعلها في متناول الجميع دون الحاجة للتنقل والانتظار. ومن أهم القطاعات التي تعرف تغييرا كبيرا، العدالة التي حظيت باهتمام كبير في برنامج رئيس الجمهورية “عبد المجيد تبون”، موليا اهتماما متزايدا لرقمنة جميع المصالح والهيئات بما فيها المحاكم.
تسمح رقمنة قطاع العدالة بالجزائر من مسايرة متطلبات التحول نحو الإدارة الالكترونية، تطبيقا للبرنامج الرئاسي المتعلق بمراجعة أساليب العمل وتسيير الجهات القضائية وتحسين أداء المرفق القضائي، فقد اتجه القطاع إلى العدالة الالكترونية. وقد تم تبني إستراتيجية خاصة بالتحول الرقمي، تقوم على استخدام الوسائل التقنية الحديثة وتكفل الانتقال الآمن للمعلومات، بصفة آنية نظرا لسرية المعطيات القضائية وخصوصيتها. وتعتمد هذه الإستراتيجية على أهداف أساسية من بينها توظيف تكنولوجيات حديثة في التسيير القضائي من خلال استخدام الأنظمة الآلية المستحدثة والمطورة لتسيير الملف القضائي وتحصيل المصاريف، الغرامات القضائية، تسيير صحيفة السوابق القضائية، شهادة الجنسية وتسيير واستغلال البصمات الوراثية وغيرها من التطبيقات التقنية الأخرى. كما شملت ذات الإستراتيجية رقمنة إجراءات التقاضي، استخدام التكنولوجيات الحديثة في التسيير الإداري والمالي للجهات القضائية، الإدارة المركزية وتسيير الموارد البشرية عن طريق مختلف الأنظمة الآلية المطورة لهذا الغرض. الوصول إلى التقاضي الالكتروني “يرتكز بصورة أساسية على تطوير البنية التحتية للقطاع” وذلك من خلال مواصلة جهود التنظيم المحكم لها وفق المعايير الدولية المعتمدة بالنظر للتهديدات العالمية المتنامية التي يعرفها مجال المعلوماتية، إلى جانب تحقيق الاستقلالية التكنولوجية من خلال الاعتماد على الكفاءات الوطنية للقطاع في تطوير الأنظمة المعلوماتية. وتكمن أهمية التوجه الحاصل ضمن نفس الإستراتيجية في مواكبة الإصلاحات القانونية والتنظيمية المبادر بها من قبل الحكومة لتحقيق المقاربة بين الجودة والتكلفة من خلال الرفع المستمر لمستوى الكفاءات التقنية للقطاع، فضلا عن العمل المستمر للتوسيع التدريجي للخدمات القضائية عن بعد لفائدة المواطنين وكافة متعاملي العدالة وتحسين تسيير التقاضي من خلال تعميم رقمنة مراحل معالجة الملف القضائي.
التقاضي الإلكتروني، تقنية التصديق والتوقيع الإلكترونيين
انطلق التقاضي الالكتروني من خلال “السماح بالتبادل الالكتروني للعرائض والمذكرات بين الأطراف” ببعض المجالس القضائية النموذجية. وهي العملية التي تعمم تدريجيا لتغطي كل الجهات القضائية بهدف تبسيط إجراءات التقاضي.
كما تم اعتماد تقنية التصديق والتوقيع الإلكترونيين في المجال القضائي، وفقا للقانون رقم 15-03، المؤرخ في 01 فيفري 2015، المتعلق بعصـرنة العدالة، من خلال استحداث مركز شـخصنة الشـريحة للإمضاء الإلكتروني وإنشاء سلطة التصديق الإلكتروني، وتمكين كافة المتدخلين في نشاط القطاع، من إمهار الوثائق الإدارية والمحررات القضائية بتوقيع إلكتروني موثوق، بهدف إتاحة الخدمات القضائية عن بعد. كما يتم تمكين المواطن من استخراج القسيـمة رقم 03 لصـحيفة السوابق القضائية وشهادة الجنسية ممضاتين إلكترونيا، عبر الإنترنت.
من جهة أخرى، تم تمكين الجالية الجزائرية بالخارج من الحصول على شهادة الجنسية، ممضاة إلكترونيا، عبر الممثليات الدبلوماسية أو القنصلية بالخارج، إضافة إلى حصولهم على القسيـمة رقم 03 لصحيفة السوابق القضائية، ممضاة إلكترونيا، وذلك عبر الممثليات الدبلوماسية أو القنصلية بالخارج. كما يمكن للمحامين سحب النسخة العادية من الأحكام والقرارات القضائية الموقعة إلكترونيا، عبر الإنترنت. أما بخصوص توفير خدمة سـحب النسخة العادية للقرارات الصادرة عن المحكمة العليا ومجلس الدولة موقعة إلكترونيا انطلاقا من المجالس القضائية، فإنه يتم دون الحاجة إلى التنقل إلى مقر الجهة القضائية المصدرة لها، إضافة إلى توفير خدمة التصحيح الإلكتروني للأخطاء الواردة بسجلات الحالـة المدنية، لتمكين المواطنين من تقديم طلبات التصحيح والوثائق المرفقة بها، عبر الإنترنت أو على مستوى أقرب محكمة أو بلدية وكذا على مستوى الممثليات الدبلوماسية أو القنصليات بالخارج.
مواصلة رقمنة الملف القضائي في جميع مراحله، بما في ذلك التبادل الالكتروني للعرائض خارج الجلسات. ويتم أيضا توفير إمكانية تتبع مآل القضايا، والاطلاع على منطوق الحكم عبر البوابة الإلكترونية لوزارة العدل وتواصل العدالة دمج الرقمنة في مختلف مصالحها على غرار فتح عناوين إلكترونية لاستفادة المواطن من الخدمات القضائية عن بعد، وإتاحة خدمة المصادقة على صحة الوثائق القضائية، الموقعة إلكترونيا والمسحوبة عبر الإنترنت، استحداث مركز للنداء، بعنوان قطاع العدالة، قصد التكفل بانشغالات المواطنين والمتقاضين والرد عن استفساراتهم ذات الصلة بالمجالين القضائي والقانوني، من خلال الرقم الأخضـر (10-78. كما يتم تمكين مختلف الإدارات والهيئات العمومية من الاطلاع وسحب صحيفة السوابق القضائية (البطاقة رقم 2)، ممضاة إلكترونيا. ويتم تحسين وسائل التحصيل من خلال اعتماد آلية تحصيل الغرامات والمصاريف القضائية من طرف الجهات القضائية، التي تستند على نظام آلي متكامل وقاعدة معطيات وطنية، مع إقرار التحفيزات في مجال تنفيذ الأحكام القضائية، بتمكين المعنيين من الاستفادة من نظام الدفع بالتقسيط ومن نسبة تخفيض المبالغ المستحقة في حالة التسديد الطوعي.
إنشاء أرضية إلكترونية لتلقي الشكاوي عن بعد
تم إنشاء أرضية النيابة الإلكترونية “e-nyaba” لتمكين الأشخاص الطبيعية أو المعنوية (الإدارات والمؤسسات، الشركات الخاصة والجمعيات، …) من تقديم الشكاوى أو العرائض أمام النيابة عن بعد، إضافة إلى تمكين المواطن من التسجيل للاستفادة من خدمة استخراج النسخة الإلكترونية عن بعد، لصحيفة السوابق القضائية (القسيمة رقم 3)، للمدانين وغير المدانين. كما تم استحداث فضاءين بالموقع الالكتروني الرسمي لوزارة العدل” انشغالات” لتلقي انطباعات وتطلعات وانشغالات المواطنين عن بعد، بخصوص مختلف خدمات مرفق العدالة. وتم فتح أيضا الفضاء الثاني وهو “أقترح” لتلقي اقتراحات ومساهمات المواطنين عن بعد، بخصوص تحسين نوعية خدمات مرفق العدالة. من جهة أخرى، تم اعتماد منظومة معلوماتية مركزية للمعالجة الآلية للمعطيات المتعلقة بالنشاط القضائي، باستحداث نظام معلوماتي موحد ومؤمن خاص بالقطاع لضمان انسجام وتوافق المعطيات بغرض تسهيل استغلالها وتفادي تكرار البيانات، إضافة إلى اعتماد تقنية المحادثة المرئية في تنظيم المحاكمـات عن بعد، على الصعيدين الوطني والدولي، ساهمت بشكل كبير في تسهيل الإجراءات القضائية والتسـريع من وتيرة الفصل في القضايا، من خلال سـمـاع الشهود والأطراف والخبراء عن بعد واجتناب تحويل المحبوسين. لم يقتصر الأمر على هذه التطويرات بل تم استخدام ذات الآلية، لتنظيم جلسات العمل والمحاضرات والدورات التكوينية.
تسمح الجهود المبذولة في هذا المجال، بإنجاز وتطوير شبكة اتصال داخلي خاصة بقطاع العدالة، تربط الإدارة المركزية بكافة الجهات القضائية والمؤسسات العقابية وكذا الهيئات تحت الوصاية بواسطة الألياف البصـرية، والتي تعد بمثابة بنية تحتية وقاعدة مادية ضرورية لاستغلال مختلف الأنظمة المعلوماتية المطورة من طرف كفاءات القطاع.
رقمنة مختلف المصالح لتطوير تسيير الإدارة القضائية
تم اعتماد نظام التسيير الإلكتروني للوثائق الإدارية والقضائية وكذا سجلات الحالة المدنية الممسوكة على مستوى المجالس القضائية، قصد الاستغلال الأمثل لأرشيف القطاع والمساهمة في تجسيد مبدأ الإدارة الإلكترونية. كما تم إرسال الوثائق وتبادل المعلومات باستخدام البريد الإلكتروني الداخلي للقطاع، إضافة إلى تكريس آلية إرسال تقارير الخبرة، ممضاة إلكترونيا وتبادل الوثائق بصفة الكترونية، بين الجهات القضائية والمصالح العلمية للضبطية القضائية. يضاف لها اعتماد آلية إرسال الوثائق والإجراءات القضائية بالطريق الإلكتروني، قصد تمكين الجهات القضائية من إرسال الاستدعاءات إلكترونيا، عوضا عن إرسالها بالطرق القانونية التقليدية، وإعلام المتقاضي بمآل قضيته، وبمختلف المعلومات التي تخصه بواسطة مجرد رسائل نصية قصيرة.
من جهة أخرى عملت العدالة في الجزائر عن طريق الوزارة الوصية بتدعيم الحقوق والحريات الفردية عن طريق استحداث مصلحة مركزية للبصمات الوراثية، يديرها قاض وتساعده خلية تقنية، تشرف على عملية إنشاء وإدارة قاعدة المعطيات الوطنية للبصمـات الوراثية، وفقا لأحكام القانون رقم 16-03، المؤرخ في 19 جوان 2016 المتعلق باستعمال البصمة الوراثية في الإجراءات القضائية والتعرف على الأشخاص، وذلك لضمان الحماية القانونية للمعطيات الوراثية المحفوظة على مستواها. كما تم استحداث نظام معلوماتي بيومتري، يقوم على استغلال خصائص البصمة البيومترية، وقاعدة معطيات بيومترية وطنية لتشمل جميع بصمات المتابعين قضائيا ونزلاء المؤسسات العقابية، من أجل المساهمة في التعرف على الهوية في وقت قياسي وإضفاء المرونة والسـرعة على الإجراءات القضائية وكذا تسهيل عملية تسيير المؤسسات العقابية وتفادي حالات انتحال الشخصية. وعملت الوزارة أيضا على استحداث نظام آلي يرمي إلى محاربة ظاهرة اختطاف الأطفال، يمكن من الإعلان عن إنذار بحالة اختطاف الأطفال عبر مختلف وسائل الإعلام، قصد النشـر الواسع للمعلومة بصفة آنية وعن بعد، وكذا المساعدة في إجراءات البحث والتحري من طرف كافة شرائح المجتـمع.
لقد تمكَّن قطاع العدالة، من قطع أشواط معتبرة، في مجال استخدام تكنولوجيات الإعلام والاتصال والتحول نحو العالم الرقمي. إذ تم تجسيد عديد المشاريع بغية الوصول إلى عدالة عصرية بالمعايير الدولية، لاسيما في مجال تسهيل اللجوء إلى القضاء لكافة شرائح المجتمع، تبســيط وتحسين الإجـراءات القضائية، ترقية أساليب التسيير القضائي والإداري وكذا توفير وتطوير الخدمات القضائيــة عـن بعـد لفائدة المواطن والمتقاضي ومساعدي العدالة.
إعداد: عقيبة. خ