
تواجه الأرشفة الرقمية في الجزائر العديد من التحديات التي تعرقل عملية الحفاظ على الوثائق السمعية البصرية القديمة، التي تشكل جزء أساسيا من التراث الثقافي الوطني. رغم التقدم التكنولوجي الذي شهدته البلاد في السنوات الأخيرة، إلا أن هناك العديد من العقبات التي تحول دون تطبيق الرقمنة بشكل فعّال في الأرشيفات السينمائية والسمعية البصرية.
أحد أكبر التحديات التي تواجه الأرشيفات هو التكلفة العالية لعملية الرقمنة، فالتحويل من الأشرطة السينمائية القديمة إلى صيغ رقمية يتطلب معدات وبرامج متطورة، وهو ما يتطلب ميزانيات ضخمة، كما أن عمليات الرقمنة نفسها تتطلب صيانة مستمرة وتحديثا للبرمجيات والمعدات، مما يزيد من التكلفة الإجمالية للعملية. وتعد هذه التكاليف العالية عقبة رئيسية أمام العديد من الأرشيفات الجزائرية التي تواجه صعوبة في تأمين الموارد اللازمة لتطوير هذا القطاع الحيوي.
إضافة إلى ذلك هناك تحديات تقنية فنية، فالأفلام القديمة تتعرض للتلف بسبب العوامل البيئية مثل الرطوبة والحرارة، مما يؤدي إلى تدهور المواد الأصلية. في الجزائر، حيث تواجه العديد من الأرشيفات صعوبة في الحفاظ على بيئة تخزين مناسبة، يصبح من الضروري تسريع عملية الرقمنة لتفادي المزيد من التلف. ورغم محاولة التقدم في تقنيات الرقمنة، تبقى المشاكل المرتبطة بجودة الصورة والصوت من التحديات المستمرة، حيث يمكن أن تتعرض الأشرطة السينمائية إلى التشويه أو فقدان بعض التفاصيل عند التحويل إلى صيغة رقمية.
القضايا القانونية تمثل أيضا عقبة كبيرة في طريق الأرشفة الرقمية، فحقوق الطبع والنشر تعتبر من المعوقات الرئيسية، حيث يتطلب الأمر الحصول على إذن من أصحاب الحقوق قبل رقمنة أي مادة، وهو ما يستغرق وقتًا طويلاً. وغالبًا ما تتداخل حقوق الطبع والنشر بين عدة أطراف، مما يزيد من تعقيد الإجراءات القانونية..
من ناحية أخرى، تعاني العديد من الأرشيفات الجزائرية من نقص في الموظفين المتخصصين والموارد البشرية المدربة للتعامل مع تقنيات الرقمنة الحديثة، فالأرشيفات بحاجة إلى كفاءات قادرة على التعامل مع الأشرطة السينمائية وتحويلها إلى صيغ رقمية دون المساس بجودتها. ولكن نقص التمويل اللازم لشراء المعدات المتطورة وتدريب الكوادر يضعف من القدرة على تنفيذ عمليات الرقمنة بشكل فعال.
وتعد المشاكل المالية من أبرز العقبات التي تواجه الأرشيفات ، حيث أن العديد منها يعاني من قلة الموارد، فيصبح من الصعب تخصيص ميزانيات ضخمة لرقمنة الأشرطة السينمائية. ولذلك، فإن الكثير من الأرشيفات الجزائرية تضطر إلى التعامل مع مواد سينمائية قديمة في حالة متدهورة، مما يهدد بإمكانية ضياع جزء كبير من التراث الثقافي الوطني. أيضًا، تفتقر العديد من الأرشيفات الجزائرية إلى البنية التحتية اللازمة لدعم عملية الرقمنة، فالكثير من الأرشيفات لا تمتلك أنظمة إدارة الوسائط الرقمية المناسبة، مما يعوق تخزين الوثائق الرقمية بشكل سليم. إضافة إلى ذلك، فإن غياب برامج الصيانة الدورية والتحديثات التقنية يعرض الوثائق الرقمية للتلف مع مرور الوقت.
على الرغم من هذه التحديات، تبقى الرقمنة الحل الأمثل للحفاظ على التراث السمعي البصري الجزائري، فالأرشفة الرقمية تتيح الوصول السهل والآمن إلى الوثائق، دون الحاجة إلى استخدام النسخ الأصلية التي تتعرض للتلف. ولكن، يتطلب الأمر تعاونا بين المؤسسات الحكومية والخاصة لتوفير الموارد المالية والتقنية اللازمة لتطوير هذه العمليات.
ورغم أن الرقمنة تظل خطوة أساسية لضمان بقاء التراث الثقافي، فإن هذه العملية تتطلب أيضًا استثمارا في البنية التحتية وتدريب الكوادر البشرية وتطوير التشريعات القانونية المتعلقة بحقوق الطبع والنشر. تبقى الجزائر بحاجة إلى استراتيجيات مدروسة لتطوير هذا المجال، بما يتماشى مع التحديات التي تواجه الأرشيفات المحلية، ويسهم في الحفاظ على الذاكرة الثقافية للأجيال القادمة.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله