يتمثل دور الصيدلي في بيع الأدوية استنادا إلى الوصفات الطبية الموجهة إليه، وإسداء بعض النصائح والتوجيهات للمرضى والزبائن على حد سواء، ومن الممكن أن يلعب دور المسعف في الحالات المرضية المستعجلة، والتي عادة ما تكون في الفترات المسائية، غير أن الواقع يعاكس ذلك تماما أمام ظاهرة اعتاد عليها الجزائريون وهي اقتناء الأدوية دون وصفات ودون مراجعة الطبيب خاصة بالأمراض العادية .
وفي سياق متصل، أكد لنا أحد المواطنين أنه من المفروض أن يتم اقتناء الأدوية عن طريق الوصفة الطبية، إلا أن الملاحظ أن هنالك مواطنين يقتنون الأدوية بدون تقديمها. وأضاف المتحدث أن الطبيب والصيدلي، يتبعان إلى حد ما نفس المسار الدراسي والجامعي، إلا أن الاختصاص يبقى مهما، ومن هذا المنطلق يرفض المتحدث أن يبادر الصيدلي باقتراح الأدوية للزبائن الذين يقصدونه دون أن يصطحبوا معهم الوصفة الطبية.
فيما اعترف مواطن آخر، بأنه يقوم باقتناء الأدوية، سيما المضادات الحيوية الخاصة بالزكام دون مراجعة الطبيب، ولكن بعد استشارة الصيدلي الذي يقدم له عادة ما يلزم لعلاج حالته المرضية الخفيفة. ولعل التعامل ببطاقة الشفاء وتعميمها، قد يقلص من الظاهرة التي أصبحت سمة بارزة في مجتمعنا، حيث لا يمكن الاستفادة من مجانية الدواء دون الوصفة الطبية، وهو ما يدفع الكثير من الجزائريين إلى مراجعة الطبيب قبل التوجه نحو الصيدليات، لتبقى الحالات المستعجلة استثناء لا يُعتد به.
وعن هذا الموضوع، أكد لنا أحد الصيادلة أن الصيدلي يعتبر همزة فاصلة بين الطبيب والمريض، مضيفا أن المريض حينما يقدم إلى الصيدلية ولا يمكن للصيدلي تشخيص مرضه بالتدقيق يتم توجيهه نحو الطبيب ولكن في حالة التهاب أو مرض خفيف يقدم له الأدوية ضد الالتهابات في انتظار أن يتم الكشف عليه من قبل الطبيب أي في المرحلة الأولى وحينما يشتد عليه المرض يتم توجيهه نحو الطبيب.
وأكد المتحدث أن وصفة الطبيب لازالت سائرة المفعول ويتم العمل بها خاصة فيما يتعلق ببطاقة الشفاء، موضحا أن المريض أضحى مطمئنا على ميزانية بيته منذ أن تم الشروع في العمل ببطاقة الشفاء. ويبقى دور متكاملا بين الصيدلي والطبيب في عملية التخفيف والتشخيص الدقيق للمرض ولا يمكن لأحدهما الاستغناء عن الآخر.
يستبدلن الطب الحديث بمعتقدات وطقوس قديمة
الطوابير في العيادات العمومية والخاصة وغلاء الأدوية وضعف الأدوية المسوقة في الصيدليات، أدخلت التذمر في نفوس المرضى وأهاليهم، وجعل بعض الأمهات يحافظن على الوصفات الشعبية التي كانت تستعمل في الماضي لعلاج الأمراض، على غرار الحصبة الألمانية، المشاهرة، الحازوقة والسرة وغيرها. وبالرغم من تطور الطب الحديث، إلا أنهن متمسكات بانتهاج سيرة أسلافنا للتخفيف من حدة المرض على اعتقادهن.
كانت ربات البيوت في الماضي يعالجن مرضاهن من الأبناء والأقارب، بالاعتماد على بعض الطقوس والممارسات المتوارثة عن الجدات، حيث كانت تستخدمها هذه الأخيرة في معالجة بعض الأمراض والمشاكل المستعصية، اعتقادا منهن أنها كفيلة بالتخفيف من حدة المرض أو القضاء عليه تماما، خاصة في ظل ندرة الأطباء الذين كانوا يعدون على الأصابع آنذاك، كارتداء الثوب الأحمر لمعالجة “بوحمرون”، وطبخ طبق العدس بلحم البقر لمرضى الحصبة الألمانية، والنقطة الحمراء على جبين الرضيع عند إصابته بالحازوقة، وغيرها من الأمثلة التي لا تعد ولا تحصى. ومن حسن الحظ أنها كانت شافية بإذن بالله تعالى . وفي هذا الشأن، ارتأت ألأمة العربية أن تستطلع آراء بعض السيدات من الجيل الجديد والقديم حول هذا الموضوع.
طقوس شعبية بدل الوصفات الطبية
لم تكن نساء الماضي تتمتعن بثقافة وامتيازات عصرية كالتي تملكها نساء الحاضر في الحصول على أبسط الحقوق أو حتى الظفر بطبيب، كأضعف الإيمان، لاعتبارات شخصية أو لقلة الوسائل المادية، حيث كن يعتمدن على أنفسهن في معالجة بعض الأمراض، وذلك باستعمال بعض الطقوس والعادات الممارسة من طرف اللواتي لديهن خبرة في المجال، والتي في مجملها وصفات شعبية تستعمل فيها وسائل بسيطة للحد من شدة المرض.
وفي هذا الإطار، قالت خالتي عائشة: “في الماضي لم يكن بإمكاننا الذهاب إلى طبيب، والنساء آنذاك كن يعالجن مرضاهن باستخدام بعض الطقوس للتخفيف أو القضاء عليه تماما، كارتداء الثوب الأحمر للمريض المصاب ببوحمرون، من أجل شفائه بسرعة”.
شحم الدجاج، سكين ذبح الخروف والبيض المسلوق
وفي السياق ذاته، قالت خالتي “زهية” ربة بيت،:”إن الطقوس التي كنا نمارسها في معالجة بعض الأمراض فعالة ونتائجها مضمونة بحكم التجربة”، مضيفة بأنها بسيطة وغير معقدة ولا تحتاج إلى أموال طائلة، كما تستعمل بعض الوسائل التي يعتبرها البعض غريبة وغير مألوفة، كاستخدام شحم الدجاج المذبوح على الفور، وسكين ذبح الخروف، وكذا البيض المسلوق فوق الرقبة للقضاء على التهاب اللوزتين. وهو ما جاء على لسان “سليمة”، موظفة بشركة خاصة، قالت: “استعمال شحم الدجاج مفيد لالتهاب اللوزتين، فشقيقتي استطاعت أن تشفى من المرض بفضل وصفة بسيطة كلفتها بضع ثوان”، ومن نساء الجيل الجديد هناك من لاتزال تؤمن ببعض عادات الجدات والأمهات، خاصة إذا تعلق الأمر بمرض عجز الطب الحديث عن علاجه أو أنه لا يحتاج إلى علاج طبي بقدر ما يحتاج إلى وصفات شعبية، وهو ما لمسناه عند السيدة كريمة، موظفة بإحدى الشركات العمومية، طفلها البالغ من العمر 10 أشهر أصبح نحيف الجسم، إضافة إلى أنه فقد الشهية تماما، مشيرة إلى أنها بعد اللف والدوران وزيارة أكثر من طبيب بعد رحلات ماراطونية بين العيادات، انتهى بها المطاف إلى استخدام العلاج الشعبي، بعدما اكتشفت أن ابنها مصاب بالمشاهرة، وهو مرض يصيب الرضع المولودين حديثا. وكان للأخصائية الاجتماعية، الأستاذة “نزهة مادين”، رأي في هذا الموضوع، حيث كشفت هذه الأخيرة:” أن الطقوس الشعبية أو العادات الممارسة لمعالجة بعض الأمراض لم تأت من عدم، وإنما جاءت على خلفية التجربة والخبرة لأشخاص استطاعوا أن يشفوا مرضاهم بالاستناد لبعض المعتقدات وكذا بوسائل بسيطة وغير مكلفة”.
وأضافت الأستاذة ّنزهةّ حتى الاكتشافات الحديثة التي تستعمل في العلاج تستند في غالب الأحيان إلى بعض الوصفات الشعبية بحكم التجربة والخبرة، وكذا نتيجتها التي أثبتت فعاليتها”، مشيرة إلى أن لبعض الوسائل المستعملة في العلاج دور وأثر في علاج المرض، كاللون ونوعية الأكل وغيرها، لذا يجب أن لا ننبذ هذه الطرق وفي الوقت نفسه لا يجب أن لا نعتمد عليها اعتمادا كليا في العلاج، لأنها بمثابة إسعافات أولية للمريض قبل اللجوء إلى الطبيب”.