تكنولوجيا

رحلة “محمد بريزيني” داخل “ماستر تيك”

من فضول المعرفة إلى مشاريع مبتكرة

في مدينة وهران، حيث تتقاطع شوارعها بين التاريخ العريق ونبض الحداثة، يبرز مركز “ماستر تيك”، كأول مؤسسة من نوعها في وهران، متخصصة في تعليم الروبوت والذكاء الاصطناعي، وفق منهاج كوريا الجنوبية منذ تأسيسه سنة 2022.

 

هذا الفضاء العلمي الذي وفره المركز للأطفال والذي يجمع بين الإبداع والابتكار، كان بوابة عبور الطفل “محمد بريزيني” إلى عالم التقنية. “محمد بريزيني”، ذو الـ14 عاما، تلميذ في السنة الأولى ثانوي، نجح في شهادة التعليم المتوسط، والتحق بالمركز قبل 3 سنوات، وهو في 11 من عمره بدعم من والديه اللذين اكتشفا المدرسة عبر منصة (فيسبوك).

بدأ رحلته بتعلّم أساسيات الميكانيك والمحرّكات وتركيب القطع، قبل أن يغوص أعمق في مجالات البرمجة وتقنيات “الأردوينو” والتطبيقات الإلكترونية، يقول “محمد” بابتسامة الواثق:” أكثر ما جذبني هو البرمجة، فهي تمنحك القدرة على صنع ما تتخيله”.

 

رحلة تعلم وشغف لا يتوقفان

“محمد بريزيني”… لم يكن يقتصر اهتمامه بالتكنولوجيا على قاعات الدرس، بل كان منذ صغره ينشغل في البيت بكل ما يخص الكهرباء. التحاقه بـ “ماستر تيك” لم يعزز مهاراته التقنية فحسب، بل منحه قاعدة قوية في اللغة الإنجليزية، ما فتح أمامه أبواب الاطلاع على مصادر أخرى و ذلك بمساعدة من الأساتذة والمشرفين داخل المركز بالإضافة إلى بعض الجهود الشخصية.

 

معرفية عالمية

في حواره مع جريدة “البديل”، تحدث “محمد بريزيني” عن رؤيته لمستقبل الذكاء الاصطناعي قائلاً:” لن يحتل الروبوت العالم، لأن الإنسان هو من صنعه وهو من يتحكم فيه. إذا استبدلنا اليد العاملة بالآلات، سنواجه البطالة والفقر والجوع، وهذا ضد الهدف الأساسي للتقنية التي يجب أن تكون أداة لمساعدة الإنسان، لا لزيادة معاناته”.

 

العائلة هي الحصن الأول

صرح “محمد بريزيني”، عن دور والديه في مسيرته:” كانا الداعمين الأوائل، شجعاني في اختيار هذا الطريق لأنهما يؤمنان بمستقبلي الواعد في بلادنا”. هذه القناعة العائلية شكلت حجر الأساس لمسيرته، إذ يرى أن العالم يتغير بسرعة، ومن يملك مهارات البرمجة والتحكم بالتكنولوجيا سيكون في موقع القوة مستقبلاً.

مشاريع تحمل أحلام المستقبل

لم يكتف “محمد بريزين” بالتعلّم النظري، بل خاض تجارب عملية أبرزها مشاركته ضمن أولمبياد، شارك فيها أطفال من 14 مركز حول ربوع الوطن والتي كانت تحت رعاية المؤسسات الناشئة، و”هضبة تكنو بول” لجامعة قسنطينة، وشارك “محمد” بمشروع (عربة متتبعة الخط – Chariot Suiveur de Ligne).

هذه العربة الذكية قادرة على نقل الأدوية أو المشروبات من مكان إلى آخر داخل المصانع أو المكاتب أو المطاعم، ما يجعلها أداة متعددة الاستخدامات. ورغم أنه لم يحصد على المراتب الأولى، إلا أن مشروعه نال تقييماً جيداً وتكريماً بميدالية ذهبية، وهو ما يراه “محمد” إنجازاً ثميناً لأنه يمثل خلاصة 3 سنوات من الجهد

لم يكتفي “محمد بريزيني” بهذه التجربة فقط، بل شارك في عدة مسابقات منها المسابقة الوطنية التي أقيمت في سطيف في 21 جوان 2023 وحاز فيها على المرتبة الثانية بميدالية ذهبية، لتكون مرته الثانية التي يتوج فيها بالمرتبة الثانية.

 

طموح، مشروع وآفاق واعدة

طموح “محمد بريزيني” لا يقف هنا، فهو يحلم بأن يصبح واحدا من كبار العلماء في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات، وأن يكون أول من يقدم للجزائر سيارة كهربائية على غرار (تسلا)، بما يفتح الباب أمام تحول بيئي واقتصادي كبير. ويختم حديثه برسالة واضحة: “لا أتمنى من الدولة والحكومة أن تدعم الأطفال الموهوبين، لأنهم سيكونون الركيزة الحقيقية لتطور البلاد وازدهارها”.

بهذه الموهبة المتقدة والإصرار المبكر، يبدو أن “محمد بريزيني” ليس مجرد تلميذ في “ماستر تيك”، بل مشروع عالم يحمل على عاتقه حلماً يتجاوز حدود وهران، ليضع الجزائر على خريطة الابتكار التكنولوجي العالمي. ولا بد أن هذا كان مدفوعاً ببيئة تعليمية احتضنت فضوله ووجهت طاقته نحو الإبداع.

ولا بد أن رحلة “محمد بريزيني” لم تكن لتأخذ هذا الشكل، لولا البيئة الخصبة التي وفرتها له مؤسسة “ماستر تيك”. فبين جدرانها، لم يتعلم فقط تركيب القطع أو كتابة الأكواد البرمجية، بل اكتشف معنى الإبداع الموجه، والانضباط الذي يحوّل الأفكار إلى إنجازات.

لقد أتاحت له المؤسسة أدوات التعلم الحديثة، والمناهج العالمية، والمسابقات التي تصقل المهارة وتغذي روح التحدي، كما وضعته في بيئة تحفّزه على التفكير النقدي وحل المشكلات بطرق مبتكرة. كانت يدها الخفية حاضرة في كل إنجاز، من أول محرك ركبه بيديه الصغيرة، إلى مشروعه الذي حصد التقدير في المسابقة، وحتى أحلامه الكبيرة بسيارة كهربائية تحمل توقيعه يوما ما.

وهكذا، فإن قصة “محمد بريزيني” ليست مجرد حكاية موهبة فردية، بل هي أيضاً شهادة على أن الاستثمار في العقول الناشئة، عبر مؤسسات تعليمية متخصصة مثل “ماستر تيك”، هو البذرة الأولى التي يمكن أن تنمو لتصنع جيلاً يقود الجزائر نحو مستقبل تكنولوجي واعد.

أعدته: ياقوت زهرة القدس بن عبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى