
يعرف المجتمع الجزائري حركية متسارعة في عالم التطور التكنولوجي، الذي أصبح أمرا حتميا على الأفراد، من أجل ضمان مسايرتهم لما يحصل من تغيرات، أصبحت الأسرة مجبرة على مرافقتها، لمواكبة الجديد وما يحدث من تطورات.
من جهتها، تولي السلطات اهتماما خاصا لترقية الفرد الجزائري اجتماعيا وعلميا، لاسيما فيما يتعلق بتقوية الجبهة الداخلية ودعم المرأة التي تعتبر صلب الأسرة وعماد المجتمع.
وفي هذا الإطار، فقد بدأ المجتمع المدني في تعزيز صفوفه بمساعدة الجمعيات على تنويع نشاطاتهم والاندماج في العمل التوعوي، وإلزامية إدماج المرأة وتشجيعها على التفاعل والتواصل والاندماج في هذه الحركية، من خلال الانخراط في الجمعيات والتنظيمات التي من شأنها تقديم الإضافة لها وتأطيرها، على غرار جمعية “الميساء والأخيار” الثقافية لولاية وهران، لصاحبتها “فاطمة عربي”، التي أكدت في تصريح لجريدة “البديل”، أنها أنشئت من طرف مجموعة نساء بعضهن ماكثات بالبيت وأخريات يشتغلن خارج البيت، لكن الجامع بينهن هو الرغبة في تعلم حرف جديدة والإطلالة على التكنولوجيا الجديدة.
المرأة الجزائرية ملزمة بالحفاظ على كثير من التراث المادي واللامادي
أكدت “فاطمة عربي” رئيسة جمعية “الميساء والاخيار” الثقافية لولاية وهران، أن المرأة الجزائرية مطالبة وملزمة بالحفاظ على ما تركته الجدات من إرث مادي ولامادي، لأنه يحفظ ويؤرخ لتاريخ وهوية الأمة الجزائرية، على غرار الخياطة التقليدية، الطرز، وصفات طبخ، الأواني الطينية، وصفات علاجية وتجميلية، رواية القصص، الغناء، الشعر، العادات والتقاليد التي كونت الهوية الجزائرية وصمدت في وجه الاستعمار لأكثر من 130 سنة، حاول خلالها طمس الهوية الجزائرية عن طريق محاولته إلغاء الكثير من العادات والتقاليد والمميزات الخاصة للمجتمع الجزائري، إلا أنه اصطدم بقوة الشخصية الجزائرية التي حافظت على خصوصيتها ورفضت كل محاولات الانسلاخ من هويتها وخصوصيتها. مردفة أنه لا يمكن صون كل ذلك الإرث الكبير إذا تخلت المرأة عنه، وهنا دور المجتمع المدني، لتنظيم هذا العالم الثري، بالموازاة مع تسجيله في منظمة اليونسكو الأممية.
وأردفت في حديثها لجريدة “البديل”، أنها كجمعية ثقافية تتكفل بتوفير ورشات تكوينية لفائدة البنات والنساء، خاصة الماكثات بالبيت من أجل تعليمهن الحرف والصناعة التقليدية، على غرار الخياطة التقليدية التي تعتبر كنز عظيم للمرأة الجزائرية التي تتنوع على امتداد المناطق بالوطن، كالملابس النسائية مثل القفطان، البلوزة الوهرانية، الكراكو، النايلي، القبائلي، العنابية، البدرون، الحايك، الملاية القسنطينية، الصحراوي، الجلابية والقشابية والبرنوس الخاص بالرجل، كذلك الأمر بالنسبة للطرز بكل أنواعه على غرار الرندة، الفتلة، العقيق …، كذلك بالنسبة للأواني الطينية، التي كانت تستعمل للأكل مثل الصحون، القدر والكسكاس، أكواب، قصعة…، وحتى استعمال الدوم والديس في صناعة الأطباق التي تحمل الخبز، الغربال، الحصيرة للجلوس، مظلة شمس، نفس الأمر بالنسبة للنسيج، لأنها حرفة مهمة تخص صناعة الأفرشة والألبسة الشتوية، استغلال صوف الأنعام لصناعة أنواع الخيوط والنسيج.
وفيما يتعلق بالطبخ، فالوصفات تتغير من منطقة إلى أخرى، مثل الزفيطي، الرشتة، المدربل، بركوكس النافسة (نوع من أنواع الكسكس يحضر بمناسبة وضع الحامل لمولودها)، الحريرة، شربة فريك، الكسكس، الخبيز، وبالنسبة للحلويات مقروط، الكعك، معكرة، مقروط اللوز، مسمن، الرفيس، مشيهدة، سفنج، صبع القاضي، قريوش، الخبز التقليدي (الحامضة، خبز الشعير، الفطير والمعارك…)، فرن الطين (عبارة عن مجسم نصف دائري يشعل به الحدبلا وعند تحوله إلى جمر، تغلق منافذ الدخان وتوضع داخله خبزات الكسرة لتنضج)، وغيرها من الأطباق التي لازمت المرأة الجزائرية منذ القدم ومازالت محافظة عليها إلى اليوم، رغم التطور في هذا المجال وظهور ألبسة الماركة العالمية والخياطة العصرية، وكذا الأطعمة السريعة وضيق وقت المرأة التي أصبحت تشتغل خارج وداخل البيت، إلى جانب بعض العادات والتقاليد على غرار لعبة “قرّد” وهي لعبة تلعبها البنات، الحبل، العشاوش أو العرايس (لعب بالدمى ومحاكاة البيت الأسري عن طريق الألعاب بصناعة الأفرشة والعرائس وتحضير الطعام)، استعمال “القردون” للحفاظ على شعر البنات مسرحا إلى جانب أنه يساهم في إطالته.
أما بالنسبة للامادي، فيتعلق الأمر بتلك القصص والأغاني والأشعار والحكايات والأمثال الشعبية التي تحمل رسائل ومعاني تختصر مواضيع وقضايا أمة، لاسيما خلال الثورة التي كان يعتمد فيها المجاهدون على الكلمات المفتاحية والأحاديث المشفرة حتى لا يفهم مقصودها العدو، وكذلك بالنسبة للأغاني حيث كانت “فاطمة” في الشعر والغناء غالبا ما تمثل الجزائر.
المرأة ملزمة بالاعتماد على التكنولوجيا خاصة التجارة الإلكترونية
وفي ردها عن سؤال حول مدى أهمية التكنولوجيا وعالم الرقميات بالنسبة للمرأة، فقد ردت “فاطمة عربي”، رئيسة جمعية “الميساء والاخيار” الثقافية لولاية وهران، بأن عالم التكنولوجيا أصبح أمرا حتميا على المرأة كما الرجل، لأن الهاتف الرقمي قضى على الكثير من العلاقات الكلاسيكية واختصر المسافات وسهل عملية ليس التواصل فقط، بل القيام بإجراءات إدارية ومالية وحتى تسهيل البيع والشراء دون أن يتنقل البائع أو المشتري من مكانيهما.
موضحة، أن المرأة اليوم سواء العاملة خارج البيت أو الماكثة به، أصبح بإمكانها القيام بدورات تدريبية وتكوينية دون مغادرتها مقعدها، وذلك عن طريق التحاضر عن بعد بواسطة منصات رقمية، سهلت الكثير من الصعاب التي تواجه المرأة خاصة الماكثة بالبيت، والتي لا تستطيع قضاء كل الوقت خارج منزلها لتلقي تكوينات.
مردفة أن التكنولوجيا المتطورة فتحت المجال أيضا للمرأة لتمارس عدة نشاطات، دون أن يؤثر ذلك على مردودها اليومي، بعدما أصبح باستطاعة المرأة الماكثة بالبيت، أن تمارس نشاطات خاصة تدر عليها مداخيل وهي ببيتها، من خلال تقديم محتوى هادف أو دخولها عالم التجارة الإلكترونية، الذي يعطيها الفرصة للتعامل مع الآخرين ليس فقط بالجزائر بل عبر مختلف دول العالم، على غرار “أم وليد” الطباخة، التي استغلت الهاتف الذكي ومعرفتها بالطبخ وأسراره، لتتربع على عرش المؤثرات، وتكسب قلوب الكثير من الأشخاص حتى الأجانب، وأصبح حسابها الشخصي باليوتيوب وحده يضم ما يقارب 1 مليار متابع ومتابعة دون أن تظهر على الشاشة، بل تعتمد على صوتها فقط.
التكنولوجيا جعلت المرأة الماكثة في البيت تنافس نظيرتها العاملة في كسب المداخيل المالية
وبحديثها عن وضعية المرأة الماكثة بالبيت مقارنة بالمرأة العاملة، فقد أكدت “فاطمة عربي”، رئيسة جمعية “الميساء والاخيار” الثقافية لولاية وهران، أن التكنولوجيا اليوم خلقت المساواة بين المرأة التي تبذل مجهودا خارج بيتها وتتلقى راتبا شهريا، والمرأة التي تمكث ببيتها وتقوم بنشاط إضافي يدر عليها أرباح مالية بعد بيعها لما تنتجه، وقد تصل أحيانا الماكثة بالبيت إلى تحقيق مداخيل أكبر من الأجرة الشهرية للمرأة العاملة.
موضحة أن النساء الجزائريات اليوم أصبحن مدمنات على كل ما يرمز إلى تراثنا، بالموازاة مع عملية تشجيع الدولة للإنتاج المحلي ووقف الاستيراد، لاسيما ما تعلق بالملابس والحلي والأكسسوارات كحلي الفضة والطعام، وهو ما جعل المرأة الماكثة بالبيت تتجه لتعلم حرفة تسمح لها بتحقيق مكاسب مادية، خاصة في ظل توفر الهواتف الرقمية، التي تسمح بتصوير المنتجات وعرضها في أبهى المظاهر وبجودة عالية، وهي الظاهرة التي أنعشت سوقا أخرى تتعلق بلوازم التغليف وخدمات التوصيل، لأن عملية البيع والشراء تتم أيضا بين الولايات، بفضل عمليات الإشهار التي تعتمدها بعض النسوة، عن طريق المؤثرين والمؤثرات والصفحات الإلكترونية التي تملك نسبة عالية من المتابعين، عبر انتهاج “الإشهار التسويقي”.
في الوقت الذي أكدت فيه أنه حان الوقت لتتجه المرأة الجزائرية و”صاحبة الصنعة” إلى فتح ورشات شغل حقيقية تسمح لها بتوسيع نشاطها، عن طريق حصولها على الدعم المادي الذي سخرته الدولة الجزائرية لفائدتها، لاسيما عند تسجيلها ضمن بوابة الوكالة الوطنية لدعم الاستثمار، وهو ما يفتح لها الباب واسعا للتوجه نحو عالم التصدير، للتعريف ونشر بعض من عناصر الهوية الجزائرية لتعريف العالم على تقاليدنا وتاريخنا وتراثنا.
يشار إلى أن جمعية “الميساء والأخيار” الثقافية لولاية وهران، شاركت في عديد المناسبات، بعرض المنتجات الحرفية والتقليدية الجزائرية، واقتناص الفرص لضم عضوات جديدات لإثراء الجمعية والمساهمة في توعية المرأة سواء بالجامعة أو الفضاءات العمومية الوظيفية والعمالية، حتى النساء الماكثات في البيت لتشجيعن على الالتحاق بدورات التكوين، والتركيز على المؤسسات التي تحمل اعتمادا من طرف الوزارة المعنية أو التابعة لها الجمعية، حتى تتمكن فيما بعد من الحصول على منصب عمل أو إنشاء مؤسسة تساهم في القضاء على البطالة وتحقيق مداخيل سنوية.
أعدته: ميمي قلان