المجتمع

ذكرى السلكة السنوية الـ 24 لرحيل الشيخ سيدي محمد بلكبير بمتليلي الشعانبة

عرس جماعي لـ 43 عريسا

الأستاذ الحاج نور الدين أحمد بامون

 

على غرار الطبعات السابقة لسلكة فضيلة شيخنا العلامة سيدي محمد بلكبير طيب الله ثراه في ذكرى وفاته السنوية الـ 24 (2000ـ2024)، حلت طبعة هذه السنة 1446هـ/2024م بحلة مميزة بمناسبة ذكرى عظيمة لإحياء مولد الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه، ببرنامج ثري جرى نهاية الأسبوع على مدى أربعة 04 أيام في جو تنافسي مبهر، من تنظيم وإشراف طاقم وإطارات ومحبي الجمعية الولائية الخيرية أنوار الشيخ محمد بلكبير رحمه الله بولاية غرداية وسكان متليلي وفعاليات أطياف المجتمع.

 

باتت الأعراس الجماعية تحفز الجزائريين إلى الوحدة ورص الصفوف وتعبئتها مودة ومحبة وألفة والحث على نبذ التفرقة والعنف والكراهية، ولمّ شمل الأمة من الأهالي وروابط الأسر، كون أنهم في حاجة ماسة لمثل هذه المبادرات الخيرية التي تؤلف فيها القلوب وترتاح فيها النفوس وتمحى الضغائن والأحقاد، بحيث باتت سبيل المجتمع للقضاء على العنوسة المتفشية في أوساطه وتساعد على ترشيد نفقات الزواج والتضامن فيما بينهم. فرصة ثمينة أصبحت متنفس العديد، خاصة الفئات المعوزة من الطبقة الفقيرة، والتي تعتبر في حد ذاتها حدثا إنسانيا وتقليدا اجتماعيا تضامني في ربوع ولاية غرداية عامة ومتليلي الشعانبة بجميع أطيافها وعروشها، وذلك لتكريس روح التعاون والمساواة في التآخي والتآزر بين أفراد الساكنة من أهالي البلدة على عهد السلف.

على خطى السلف

ومن هذه الأعراس الجماعية السنوية، بالخصوص على سبيل المثل لا الحصر العرس الجماعي بمسجد سيدنا حمزة بن عبد المطلب بحي القمقومة العريق، الحي الأسطورة التاريخية على هامش سلكة الذكرى السنوية لفضيلة شيخنا سيدي محمد بلكبير رحمه الله. السلكة هي قراءة القرآن كاملا على نهج خطى السلف في حلقات بالمساجد والكتاتبيب بالمناسبات طوال اليوم والليلة عن ظهر قلب وينتظر من هذا الموعد الديني بعمقه الإيماني والاجتماعي الثقافي، تخليد وتثمين التراث الروحي الزاخر الذي تشتهر به متليلي الشعانبة قلعة حواظر العلم والقرآن والكتاتيب المنشأة خاصة بداية القرن العشرين، حيث أصبحت هذه الذكرى السنوية يفتخر بها ومرجع للمدنية ومناسبة سانحة للمجتمع برمته وللعديد من الأجيال الناشئة للتعرف على المسار الديني.

حدث المناسبة المنتظرة بشغف

أحيت مدينة متليلي الشعانبة بولاية غرداية على مدى أربعة أيام الكاملة، أيام 18-19-20-21 سبتمبر2022 عرسها الجماعي لفائدة الأزواج المتوجين في طبعتها السنوية الـ 24، الذين يواجهون عسرا في إكمال نصف دينهم، حيث نظم هذا الحفل الذي ميزته العادات والتقاليد العريقة في المدينة والتي لا يمكن التفريط فيها ولا التخلي ولا الاستغناء عنها، إذ بعشية بوم الأربعاء 18 سبتمبر الماضي انطلقت فعاليات ألعاب الفروسية والمهاري بما يعرف بالفيشطا، الفازعة (حلقات البارود بما يعرف بالساروت) والفناطريا بمفهومها الثقافي الفلكلوري المتجذر والمتوارث أبا عن جد وباقي الأهازيج وغيره بمضمار الفروسية بالوادي المحاذي للمسجد بالقمقومة.

وفي عشية يوم الاثنين 19 سبتمبر الماضي بعد صلاة العصر من حرم المسجد، انطلقت مراسيم عقد القران الشرعي على طريقة تقاليد السلف أمام الملأ جماعيا صيغة لفظا وقولا طلبا وقبول للعرسان الثلاثة والأربعين43 المتأهلين للطبعة 24 المرفقين بأهاليهم وعائلاتهم وأصهارهم وكيلي العرائس في جو ديني روحي إيماني وبتلاوة فاتحة الكتاب ودعاء شامل للجميع، كما تواصلت ألعاب الفروسية في جو تنافسي بين الفرسان الخيالة من متليلي والوافدين من غيرها.

منافسة أعطت الكثير من الفرجة للساكنة والحاضرين أين تنفست الصعداء، لاسيما للشباب الهاوي المتعطش للفروسية وفنون مهاراتها، خاصة المشواير وأهازيج العائدي من الحناجر الصادحة وتنشيط الفرسان وباقي الفرق المتنافسة المشاركة بحضور مميز ومسجل بقوة.

سهرات الليالي الملاح (الحنة والفال)

عرفت مختلف الأحياء ببيوت العرسان المؤهلين بالطبعة الـ 24 والعرائس المنتظرة لزفتهن على فرسان أحلامهن مختلف طقوس الأعراس، من حنة للعرائس في أجواء عائلية وللعرسان بين أهاليهم وأصدقائهم ومحبيهم، وهي الليلة التي كرم فيها العريس من قبل كل مما يجدون عليه من هدايا وعطايا ونقوط إلخ. ليلة تاريخية في سجلات العرسان الذهبية وتاريخ تأسيس مملكتهم الزوجية، عاشت فيها كل عائلة فرحة زفاف ابنهم على أنغام وأهازيج المنطقة المتنوعة من دق الدف والطبل والبندير وألقلال وأبقاي وغيرهم من أدوات الموسيقى التقليدية، وعلى طلقات البارود المدوية بجميع حركات رقصاتها وطبوعها وزغاريد النسوة من وراء جدران المنازل وغابات النخيل وساحات أفنيتها والصالات من حناجر الحرائر المدوية بشتى الأنواع والأنغام لمقامات سلم الزغاريد الموسيقي، وسهرات متنوعة من فرق الدندون، تيمزارين، الحضرة، المدائح الدينية وفرق الإنشاد المختلفة بالمدينة.

وفي عشية الجمعة الماضي بعد صلاة العصر، انطلقت قراءة السلكة جماعيا على نهج أثر السلف وخطاهم كعادتها جهرا عن ظهر قلب من المشايخ والأئمة وأهل القرآن وطلبة العلم، افتتحت بحضور عديد المشايخ من خارج متليلي من أئمة وشيوخ زوايا وذلك برفقة الشيخ الطالب مختار الرمة والدكتور الحاج لخضر بن قومار أستاذ الشريعة بجامعة غرداية ورئيس المجلس العلمي بمديرية الشؤون الدينية بولاية غرداية والأستاذ عمر شريفي بمعية المشايخٍ وضيوف الحفل. وتواصلت لتستمر طوال الليلة المباركة، كما تم تختين الأطفال بالطبعة بدار السبيل لفقيد موسى حروز رحمه الله.

حكم ومواعظ بمحاضرات

كالعادة، على هامش السلكة تنظم محاضرات وندوات يلقيها المشايخ الحاضرين بحفل الطبعة بعد المغرب يلقون فيها جملة القيم والوصايا والمواعظ والنصائح والإرشاد للعرسان الجدد وللأهالي عامة وللشباب خاصة، حفظهم الله ولعموم المجتمع، حيث وبعد صلاة المغرب عرفت الطبعة تنشيط فضيلة الشيخ جلول حجيمي حفظه الله، درس قيم، ودرس آخر بعد العشاء بفضاء ميدان العرس لفضيلة الشيخ الياس ايت سي العربي حفظه الله الذي تطرق فيه لعديد المسائل من المواعظ.

اللحظات التاريخية المنتظرة

وتكملة للحدث المهم وبعد إقامة صلاة العشاء جماعيا بفضاء ساحة الواد ميدان العرس كالعادة، نظرا للعدد الكبير من الحضور لمشايخنا الأفاضل وأعلامنا وبعد تناول وجبة العشاء وهي المأدبة التقليدية التي تحضر من طبق الكسكسي الجامع للشمل على خطى السف بطريقة ستة 6 ستة 6 (الكلاتة وتقرقيب لمقارف ولحيس الطبسي، كما يعرف بالعامية) كما تقضي عادات المنطقة، وبالإعلان عن بداية التتويج بتلاوة آيات من الذكر الحكيم وبحضور ضيوف الحفل وبحضور السلطات المحلية المدنية والأمنية على رأسهم السيد والي ولاية غرداية ورئيس المجلس الشعبي الولائي، وباقي السلطات الأمنية، نواب البرلمان بغرفتيه، والسادة المدراء التنفيذيين الولائيين ورئيس بلدية متليلي ورئيس دائرتها.

ومن المنصة الشرفية المزينة بحلتها المبهرة بألوانها وزخاريفها وأضوائها الساطعة بتنوعها الضوئي، افتتح الحفل بكلمة ترحيبية لفضيلة الشيخ الطالب مختار الرمة محيي ومرحبا بالجميع أصالة عن نفسه وعن سكان بلدية متليلي الشعانبة كعادته في كلمته النابعة من القلب قائلا إن لم يسعكم هذا الوادي فيسعكم فؤادي إن حضوركم بلسم لفؤادي.

وبتعريف أسماء العرسان 43 بعد اعتلائهم المنصة وتربعهم على عرشها وبالمكرمين من حفظة كتاب الله ومنها انطلاق تتويجهم جماعيا وفقا لعادات وتقاليد المنطقة على أنغام قصيدة البردة للإمام البصيري رحمه الله أمام جموع المدعوين والضيوف بمعية متوجيهم، كما يعرف بالوزراء وهم يحملون حقائب ملابسهم الجديدة.

وتواصلت السهرة الاجتماعية بإشراف المشايخ والأئمة على مراسيم تلباس العرسان بتشكيلة من الملابس التقليدية المخصصة لمثل هذه الأفراح، والتي تتمثل في طاقم يضم البرنوس الأبيض والسروال العربي والقندورة والمحرمة الحمراء والتاج والسيف رمز الحماية والأنفة والدفاع عن الأسرة، وكل منها يعبر عن رمز من رموز الرجولة والشموخ، والذود عن العرض والشرف، أين يتم تتويجهم من طرف وزرائهم برفقة المشايخ، وذلك على أنغام مولاي صل وسلم أبد وتعطيرهم بأحسن وأجود العطور المختارة وتزينهم بمادة الكحل للعين وغيرها من الطقوس، وعلى طلقات فرق البارود المدوية للفرق المشاركة المتردد صداها ومن وراء جبال القمقومة الأماكن الأثرية التاريخية وتاريخها الجهادي المنقوش في الذاكرة إبان الحرب التحريرية. رحم الله شهداءنا الأبرار.

الوفاء لفسلطين والتضامن الشعبي

لا تخلو مناسبة ولا حدث بالجزائر عامة وبمتليلي الشعانبة خاصة إلا وإسم فلسطين حاضر بقوة مدوي في كل أرجاء المدينة، ورايتها مرفرفة عاليا في سماء المدينة وشوارعها ومرسومة في الجدران ومنقوشة في الأذهان، ولوحة هذه السنة للطبعة الـ 24 كانت رفقة صورة العلامة الشيخ سيدي محمد بلكبير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى