
بقلم: الأستاذ الحاج نور الدين أحمد بامون (ستراسبورغ – فرنسا)
نجحت المرأة الجزائرية في العقود الأخيرة في التعبير عن نفسها نجاحا باهرا بشكل لافت. أصبح يوجب التركيز على نجاحها ومتابعة التطور الذي طرأ عليها في مختلف المجالات مما أدى إلى نبوغها وإبداعها، وتعد مشاركتها في مجال الحقل الإنتخابي أحد أمتع وأخصب الحقول التي تربطها بعالم السياسة وفرعها الإنتخابي بجميع اطوارها. لقد أصبحت عنصرا أساسيا في المجتمع، بحيث لعبت من خلاله أدوارا محورية رئيسية على مدار العقود الأخيرة وساهمت في تغيير تاريخ خارطة طريق تطور المرأة الجزائرية داخل وخارج الوطن، بشكل جذري على عديد الأصعدة. الأمر الذي يدعو الجميع إلى ضرورة الإلتفات نحوها والإصغاء إليها والإعتراف بدورها في التطور السريع الذي حققته سياسيا.
لقد أثبت التجربة من خلال الدراسات والبحوث أن المرأة الجزائرية عبرت بكل حرية وثقة عن نفسها سياسيا وحزبيا بصورة كبيرة إذ لا يوجد مركزا لصناعة القرار سواء في الجزائر أو خارج الوطن عموما وبفرنسا خصوصا، حيث لا يخلو من العنصر النسائي. ويعد هذا التقدم المحرز من قبل المرأة في مجال الحياة السياسية بوجه عام والإنتخابية بوجه خاص شي يدعو للفخر والإعتزاز نظرا لما مرت به من تهميش ومنع وحرمان على مدار عقود عديدة من الزمان حالها كحال النساء عبر العالم عموما وفي المجتمع العربي والإسلامي خصوصا.
العديد من المنعطفات
إذ مرت المرأة الجزائرية بالعديد من المنعطفات قبل أن تدخل في الحياة السياسية، فقد شهدت فترة المنع والحرمان فتكيفت بكل ذكاء مع كل هذه التغيرات ونجحت في أن تحول كل المحن التي واجهتها إلى التقدم إلى الأمام في حين وصلت إلى أعلى الدرجات، ونجحت في أن تصبح أول مرأة عربية تخوص غمار التجربة وتترشح لمنصب رئيسة الجمهورية، كما نجحت في أن تشكل حزبا سياسيا مستقلا ومعارضا. كما نجحت أن تتسلل إلى الحياة السياسية وتشغل نسبة لا بأس بها من الحكومة لتبرهن على أنها مثال للتحدي والأمل. ومن هذه المحطات والأحداث، الانتخابات الجزائرية الرئاسية 2024 والتي قطعت فيها أشواط كبيرة أضافتها لما سبق لتعزز رصيدها.
مشاركة نساء الجالية الجزائرية
شاركت نساء الجالية في الإنتخابات الرئاسية الجزائرية 2024 بالقنصلية الجزائرية العامة بستراسبورغ، وأبرزن حضورا لافتا على أكثر من صعيد، سواء من خلال أجودهن في مراكز التصويت، كمؤطرات رئيسات مراكز, مراقبات أعوان، مشرفات على إدارة العملية الإنتخابية، أو كمنتخبات وبذلك لعبن دورا رياديا بنسبة الحضور والمشاركة. فمنذ منذ صباح اليوم الأول الإثنين 02 سبتمبر لبداية العملية الإنتخابية وفتح أبواب مكاتب التصويت، توجهت النسوة إلى مكاتب الاقتراع بكثرة للإدلاء بأصواتهن، وبعضهن فضلن المرافقة والتمتع بالفرجة والتزين بالأعلام الوطنية كدلالة رمزية على الإنتماء وحب الوطن في صورة معبرة بكل فرح وسرور وسط الأهازيج والأتغام المترددة المرفقة بزغاريد مدوية من حناجرهن الذهبية.
حضور مميز للمرأة
البداية كانت مع الصورة الملتقطة من خلية الإعلام للقنصلية العامة للتغطية الإعلامية للعملية الإنتخابية عبر مراكز الإقتراع 11، بداية بمركز ستراسبورغ مع سيدة فخورة بوطنيتها، والتي حضرت بكل فخر وإعتزاز برسالتها الوطنية القوية المدوية مصرحة بصفتي جزائرية، إبنة شهيد، أحب الجزائر، وأتمنى لها الهناء والصحة، وتطلع في شأنها وتحيا الجزائر. والصورة التاريخية المؤرشفة المعبرة المشرفة التي لفتت إنتباه العديد لسيدة صاحبة العقد التاسع 94سنة من العمر، والتي أبت وبكل إصرار وعزيمة، إلا أن تحضر لمركز التصويت على عكازيها وتدلي بصوتها رغم حالتها الصحية. وعليه تولدت الفكرة ولفتت صورة المشاهد إنتباهنا، لهذا الحضور القوي والأعداد المتواجدة بمركز التصويت. فتقدمن من بعضهن لمحاورتهن والتحدث إليهن، فالبداية كانت مع السيدة شريفة، واحدة ممن حضرن إلى مكتب الإقتراع بمركز القنصلية العامة بستراسبورغ، وبسؤالنا لها عن رأيها في حضورها للإدلاء بصوتها، أجابت لقد قمت اليوم بواجبي الوطني وأدائي والإنتخابي، بكل فخر وإمتنان لوطني. وتقول (م.ع) بصفتي جزائرية مقيمة بالمهجر، أقوم بواجبي لإيماني الراسخ في أداء الواجب الوطني الذي لا يمكن لأي كائن أن يمنعني من القيام به. وتقول الأخت (مريم، ي) لقد قمت بواجبي الوطني ككل جزائرية رغم غربتي، وإنتخبت بكل فرح وأدليت بصوتي عن قناعة تامة.
مشاركة عائلية
ومن الحاضرات أخترن ثلاثة عائلات كأنموذج لبعض النساء, أغلبهن فتيات في مقتبل العمر برفقة والدة بعضهن السيدة فريدة من الشرق الجزائري. الناشطة والمواظبة على الحضور في كل مناسبة وحدث، واللواتي رحبن بالمشاركة والحديث وهن: كل من عائلة كلاي الطالبة سهام في الشبه الطبي. والسيدة صباح ربيت بيت ماكثة في البيت. وعائلة غريب كل من جميلة، مسؤولة الشباب -شيراز ونجاة والسيدة قبيل خيرة. هذه العينة التي فرضت وجودها وأثبتت تواجدها بكل فخر، وسجلت كلمتها التاريخية وبصمتها المنقوشة للتاريخ وللأجيال القادمة. وشرفت المرأة الجزائرية عامة والفتاة خاصة، ونشطن العرس الإنتخابي بحرارة وطنية فائقة. والملاحظ أن من بين الحاضرات كثيرات ممن شاركن بشكل كبير في تكريس دور تقدم نوعي للمرأة في الحقل السياسي والمحطات الانتخابية. عززت في الوقت نفسه إبراز تجارب رائدة في الإهتمام بمشاركة المرأة في الانتخابات والتصويت.
أهمية اللقاءات الجوارية للتحسيس
ومن خلال تجربة الانتخابات الحالية وسياقاتها، نجدها تضع المرأة في سلم الوصول إلى المناصب القيادية في الإستحقاقات، وهذا يفرض إعادة النظر في تموقعها في مساحات القرار وفضاءات الممارسة السياسية على مستوى جميع الأصعدة، لفرض وجودها مستقبلا أكثر من ذي قبل. وفي هذا السياق حسب الملاحظين أنه كان متوقعا تسجيل تجاوب كبير في مشاركة للمرأة الجزائرية من الجالية الوطنية خلال أيام الإقتراع عبر مختلف مكاتب التصويت، وهذا ما أفرزته الحملات التحسيسية. واللقاءات الجوارية التي نظمت للتحسيس واللقاءات الجوارية التي نظمت للتحسيس بأهمية هذا الإستحقاق في بناء الجزائر والمحافظة على إستقرارها ورقيها في شتى المجالات، لقد ساهمت في تعزيز مشاركة المرأة في الإنتخابات مثبتة بذلك حسها الوطني وإعتزازها بالإنتماء إلى وطنها الأم. إن أهمية الحملات التحسيسية التي إستهدفت أفراد الجالية الوطنية المقيمة بستراسبورغ من بينها الفئة النسوية. من أجل تحسيسها بأهمية هذا الموعد الإنتخابي من أجل إستهداف أكبر عدد من المواطنين المغتربين.
نساء الجالية بشفافية متناهية
إن مشاركة نساء الجالية الجزائرية في الانتخابات الرئاسية 2024، من منظورها جاءت تحمل رمزا سياسيا لترسيخهن ضمن النسيج الوطني، أكثر من كونها فرصة لتحقيق تأثير إنتخابي مباشر. إذ يعد هذا التصويت فرصة لنساء الجالية الجزائرية لتجديد إنتمائهن الوطني، وإن كانت مشاركتهن ذات طابع رمزي أكثر من تأثيرهن المباشر. وبناء على طبيعة نساء الجالية وظروفها، ظلت مكاتب الإقتراع مفتوحة لمدة ستة 06 أيام متتالية، من الإثنين حتى السبت يوم العرس الإنتخابي الكبير. بمشاركتهن التاريخية المميزة صنعن هؤلاء النساء الإستثناء بكل شفافية متناهية للعملية. وسجلن إقبال ملفت للانتباه على مكاتب التصويت من حيث توافدهن بـأعداد كبيرة. فرغم إنشغالاتهن اليومية وإلتزامتهن العائلية وتدابريهن المنزلية ومسؤولياتهن الأسرية. لم يتخلين عن واجبهن، ورغم تزامن بداية الإنتخاب بالدخول المدرسي للأطفال بفرنسا وعليهن مرافقتهم وإيصالهم شخصيا كما يتطلبه القانون، إلا أنهن لم تفوتن الفرصة وأبين الحضور والإدلاء بأصواتهن.
أهازيج وطبوع ثرانية وأغاني وطنية
لم تكفي نساء الجالية بالمشاركة في الإنتخاب والتصويب. بل صنعن فرحة بالعرس الإنتخابي وبهجة المشاركة للفتيات, لاسيما لأول مرة لم تتمالك هاته الفئة من نفسها وطلقت العنان لحناجرهن الصادحة مرددة كل أنواع الأهازيج الجزائرية والطبوع الفنية التراثية والأغاني الوطنية المتداولة في كل مناسبة وحدث مما أعطى نفسا قوية ميز الإنتخابات في فترها الصباحية الأخيرة. مما أعطى فرصة لعديد أفراد الجالية لحضور هاته الإحتفالية الغير متوقعة ولا منتظرة.
الحفاظ على اللباس التقليدي العريق والموروث وأصالته
وإغتنمن الفرصة للتعريف بالتراث الجزائري. لكي يبقى اللباس التقليدي حاضر في كل مناسبة تتشرف به الجالية وأفرادها نساء ورجال شباب وفتيات. بحيث فجأت بعض العائلات وأفرادها بالحضور المبهر بجماليات اللباس التقليدي الجزائري في اللوحة التشكيلية التي رسموها في عين المكان. من جبة قبائلية والمحرمة الحمراء المزركشة بألوأنها المشعة. قندورة عربية وغيرهم من الأنواع. فقد كن حقا سفيرات المجتمع الجزائري الذي هن بنات بيئتهن أين ما حللن وإرتحلن لا تتغيرين ولا تغيرين ولا تتخلين عن هويتهن وعن موروثهن الثقافي المتنوع الفني والحضاري وعن أصالتهن. فقد بصمن وأكدن من خلال عرضهن أن التراث في اللباس التقليدي هو رمز الأصالة والهوية الجزائرية برمتها، ويبقى اللباس التقليدي الجزائري هو المظهر المادي والموروث الثقافي لدى الشعوب، كونه يعبر في الميدان بمشهد واضح, أمام زخم تنوع تراثي تزخر به الجزائر. بلمسة فنية خالدة يجمع بين ربوع جهات الوطن شمالا وجنوبا و شرقا وغربا, يرسم جميع الألوان والنماذج من بدوي وصحراوي, نايلي, أمازيغي, عاصمي و وهراني ..الخ لباس برمزيته نشر كنوز الثقافة الجزائرية برمتها العربية الإسلامية, الامازيغية والصحراوية.
وعلى وقع الأهازيج والطبوع المختلفة وتداول الأخبار بين الحضور والوافدين وعلى مواعيد اللقاءات المستقبلية. أسدل الستار على الموعد الإنتحابي لرئاسيات 2024 في ساعة متأخرة من ليلة الأحد وسط جو عائلي أسري بين أعضاء المكاتب ومؤطري الإقتراع والملاحظين والحضور الساهر على العملية.