خاص

دعوة لإدراج نصوص “فرانز فانون” ضمن المقرر الدراسي

خلال أمسية فكرية حول مسيرة المفكر المناضل

مازال الطبيب النفسي والمفكر الفيلسوف، المناضل “فرانز فانون” يشكل نقطة التقاء لمناقشة وتحليل عديد الإشكاليات المعاشة في تاريخنا ،والتي أصبحت تشكل عقدا تستدعي علاجها وفق رؤية نظيفة خالية من العنصرية والانحياز لتخطي مشاكل أعاقت تحررنا الفكري وجعلته تابع للمستعمر بمختلف أشكاله. 


 

ولإضاءة بعض نقاط الظل التي تشغل المهتمين بفكر “فرانز فانون”، نظم “بيت الشعر الجزائري” فرع وهران، الذي تسهر على تنشيط برنامجه المثقفة “سليمة عيدوني”، أمسية فكرية حول “مئوية فرانز فانون” بدار الثقافة “”زيدور ابراهيم”، والتي نشطها ثلة من المهتمين، على غرار  الأستاذ الجامعي في الفلسفة “أحمد عطار”، الكاتب الصحفي “محمد بن زيان” والباحث في الفلسفة “عدنان حاج موري”، والأستاذ الجامعي، الناقد “مخلوف عامر”، والشاعر والمترجم، الأستاذ الجامعي “ميلود حكيم” وأحْكم تنشيط هذه الجلسة الممتعة الصحفي الروائي “بوزيان بن عاشور”، بحضور مفكرين ومثقفين ونفسانيين، تناولوا طريقة تفكير المناضل “فرانز فانون” وكيف يمكن استغلال أفكاره لتعايش واقعنا الحالي.

 

 

عندما يحوّل المرض موقعه

حيث تم التطرق إلى مختلف النقاط التي شكلت فارقا أو نقطة أو لحظة إدراك لدى هذا المناضل الذي اصطف إلى جانب الجزائر ،وحارب فرنسا وأفكارها الاستعمارية اللقيطة من خلال التطرق إلى مختلف الأعمال التي تناولت أفكاره في مختلف المجالات، لاسيما طريقة العلاج التي انتهجها مع مرضاه النفسانيين أو المرضى عقليا بعدما منحهم فرصة الحديث والتعبير عم يفكرون فيه بكل حرية وإدماجهم في الحياة اليومية، وهو ما قلب الموازين وجعل المرض النفسي والعقلي يتجلى في الطرف الآخر المتمثل في الاستعمار الفرنسي عوضا عن الأشخاص الذين كانوا يصنفون ضد المرضى عقليا من جزائريين وأفارقة عموما، لأنه ربط بين المرض العضوي والشخصي والمرض المجتمعي هذا الأخير الذي تمثل في سياسة القهر والتهميش والتصرفات اللاإنسانية ضد بشر عاديين، كان لهم الحق في الحياة بكرامة وبطريقة عادية، والتي سبق وتناول موضوعها المؤلف “عبد العزيز غرمول” في روايته “مصحة فرانز فانون”، من خلال رحلة طبيب نفساني عالي الثقافة بعد نفيه إلى الصحراء بسبب موقف سياسي أزعج السلطات.

ليطرح العلاقة المعقدة بين المثقف والسلطة، حيث يجد المثقف نفسه في مواجهة مجتمع يعاني من خلل في القيم وغياب الاستقرار، بينما تكشف المؤسسة عن أوجه القصور في إدارتها وارتباطها بمنظومة سياسية بائسة، وهي تصور للصراعات بين الفرد والمجتمع، الذي يتطلب صلوحية الفرد لضمان مجتمع صالح، فيما تم التطرق إلى منتج فكري جزائري آخر لصاحبته الباحثة “براهيمي جيجيقة” التي ألفت رواية “فرانز فانون”، تناولت من خلالها سرد المسار النضالي لفانون. وهي التي دفعت بالحضور إلى الوسائل حول عدم وجود أعمال جزائرية كثيرة حول هذا المناضل الذي مازالت أفكاره تدرس في أهم الجامعات العالمية، ومسيرته تحظى باهتمام المفكرين والباحثين، في وقت تتجنب فرنسا الخوض في أعماله ومسيرته، إلا بعض الأعمال الصغيرة والمهمشة، ويرجع ذلك حسب البعض إلى خجلها من الغوص في الحقيقة التي تكتنفها سياستها الحقيقية والتي عراها “فانون” مبرزا وحشيتها وبعدها عن فكرة الإنسانية.

 

 

انقلاب المتحضر إلى متوحش

وتم التطرق أيضا إلى طريقة تناول المفكر “فانون” لموضوع العنف والذي يراه نوع من الاستعمار وجب التصدي له، عبر فضحه لليسار المتورط في هذا العنف، ناهيك عن التمييز الذي كان ممارسا وهو عنف غير مبرر على أشخاص لا يمتلكون المسؤولية فيما يخص لون بشرتهم بعدما اصبحوا متهمين لا لشيء سوى لأنهم يملكون بشرة زنجية تختلف عن أصحاب البشرة البيضاء، الذين كانوا يصنفون كطبقة راقية ونقية، فرانز فانون كان له الفضل أيضا في نقل الحضارة الاوروبية على أسسها الحقيقية إلى الجزائر وإفريقيا عموما.

كما ناقش الحضور طريقة أو تجربة العلاج الذي تم من خلال اللقاء الذي جمع بين الأدباء والمرضى عقليا أونفسيا ما سمي بالعلاج الطبي الحياتي، خلال الحرب العالمية الثانية بإحدى المستشفيات الفرنسية والذي نقل التجربة فيما بعد إلى عدة دول، على غرار العالم الإسلامي ببلاد الفرس، العراق، سوريا، الأندلس، المغرب وتونس عن طريق إدماج المرضى بصورة طبيعية في الحياة اليومية عبر الموسيقى، الحمامات ووسائل أخرى جعلتهم يحضون بحياة طبيعيه كباقي البشر، فالجانب الاكلينيكي كان مهما عند الذي اشتغل على تحليل النفسي للرأسمالية والتي كان هو أحد المنتمين لها. بينما تحدث آخرون عن الثنائيات وكيفية التلاعب بها، بعدما أصبحت توصيفات تغير موقعها بشكل عادي حسب استخدامها، بعد ما كان المتحضر والمتوحش في صورة المتحضر هو الغربي أما المتوحش فهو الافريقي، غير أن هذه الثنائية تغيرت اليوم بتغير المفاهيم، فقد أصبح الغربي هو المتوحش لأنه من مارس الرعب والاستعمار والعنف ضد صاحب الأرض العاقل المسالم، الذي تحول بدوره إلى متحضر كونه من كان ضحية لتوحش من كان يرى نفسه متحضرا. ففرانز فانون جاء إلى الجزائر بمخزون مارتينيكي وفرنسي وأصبح يقول للفرنسيين “أنتم منشغلون بتجارتكم وتتمتّعون بعُطلكم في المقاهي والملاهي ولا تعرفون ولا تشعرون بما يعانيه الشعب الجزائري حتى إن “جون بول سارتير” عندما ختم مقدمته لكتاب “فانون”، “معذّبو الأرض”، قال: “كانت كلمة فرنسا في الماضي،اسماً لبلد فحذارِ أنْ تصبح عام 1961 اسماً لمرض من أمراض العصاب”. بينما تعرض آخرون إلى أفكاره النقدية للاستعمار وآثاره النفسية والاجتماعية، كما طرحتُ تساؤلات حول إمكانية إدراج نصوصه كمراجع تعليمية تساعد الطلبة على التفكير النقدي وفهم آليات الهيمنة الاستعمارية ومقاومتها بالمعرفة، حتى تكون انطلاقة لجعل للتلاميذ قادرين على التفكير بشكل مختلف وطرح تساؤلاتهم بكل حرية ونعلمهم أساليب النقاش والتفكير بصوت مرتفع.

 

هل تصبح نصوصه مرجعا للتفكير؟

وخلص النقاش الدائر حول “فرانز قانون” إلى دعوة المثقفين و الباحثين إلى العمل على تناول أفكار هذه الشخصية العظيمة التي تركت كنزا فكريا ونضاليا لا ينضب، ويتعايش مع مختلف المراحل، كونه تناول مختلف الأطروحات ومن زوايا مختلفة، تدفع إلى تبني طرق جديد في طرح الأفكار وصياغة إجاباتها، مع العمل على التركيز على الباحثين الجزائريين، لأن الجزائر كانت محطته الرئيسية ومنها إلى باقي افريقيا، وقد وهب كل حياته ووقته لها، في الوقت الذي تصلح أفكاره لكل الأمة على غرار طريقة تفكير “مالك بن نبي”، وهو ما يجعل أفكار أمثال هؤلاء المفكرين ملكا للبشرية ولا تنحصر على شعب أو أمة معينة، لأنهم نجحوا في تفكيك المفردات. ناهيك عن انتصار “قانون” للإنسانية في وقت كان يمكنه الاستغناء عن ذلك كونت كان ابن عائلة توفر أفضل أساليب الحياة، وهي الدافع الذي جعل البعض يتساءل عن مصير عائلته بعد رحيله، رغم أنها تستحق أن تسلط عليها الأضواء، لأنها أكيد تحتفظ بمعطيات هامة تخص “قانون” ويستحق محبيه الاطلاع عليها.

يذكر أن نجل “فرانز فانون” خرج مؤخرا وأكد أن والده حظي بما أوصى به وهو دفنه بالجزائر بين رفاقه، وقد تم ذلك من طرف السلطات الجزائرية، داعيا دعاة الفتنة والعملاء من المتاجرين بمآسي الناس إلى عدم استغلال مسيرة والده لتصفية حساباتهم الضيقة، في الوقت الذي يمكنهم تعلم الانتصار للحق والإنسانية مثلما فعل “فانون”.

 

من هو فرانز فانون؟

ولد فرانز فانون في 20 جويلية 1925 في “فور دو فرانس” بجزيرة المارتينيك، الواقعة في البحر الكاريبي، والتي تمثل جزءا من أراضي ما وراء البحار الفرنسية، في عائلة مكسورة الحال، لوالد يشتغل مفتشا جمركيا ووالدة تشتغل في التجارة، احتل الترتيب الخامس بين إخوته الثمانية.

التحق بالدراسة، ومنها انضمة إلى القوات الفرنسية ضد النازية، ليسرح بعد انتهاء الحرب، لينتقل إلى مدينة ليون الفرنسية، ودرس بها الطب،  حيث بدأ دراسة الطب، إلا أن عدم وجود منصب عمل له ببلده المارتينيك، حاول الالتحاق بأحد بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، ليستقر في الأخير بمستشفى البليدة في الجزائر التي وصل إليها في ديسمبر 1953.

لقد اهتم إلى جانب التطبيب بدراسة ظواهر الواقع الاستعماري، وهو ما جعله يتواصل مع جبهة التحرير الوطني، ليقدم استقالته من مهنته، التي جعلت السلطات الاستعمارية تقرر طرده من الجزائر، وهو ما جعله يلتحق بجبهة التحرير الوطني في تونس وهناك عمل في وسائلها الإعلامية، منها صحيفتا “المقاومة الجزائرية” و”المجاهد”. كما تولى “فرانز فانون” مهام دبلوماسية لصالح جبهة التحرير الوطني، على غرار تمثيلها بعدة بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، باعتماد جواز سفر صادر عن المملكة الليبية باسم “عمر إبراهيم فانون”.

لفرانز فانون عديد الكتابات التي مازالت تشكل مصدر إلهام للشعوب المضطهدة و الحركات التحريرية في العالم، على غرار كتاب “بشرة سوداء.. أقنعة بيضاء”،  وكذلك “المعذبون في الأرض”، إضافة إلى”العام الخامس للثورة الجزائرية”، و”من أجل الثورة الأفريقية”، وكذا “نصوص حول الاستلاب والحرية- مجموعة أعمال.

توفي فرانز فانون في سن صغيرة، في 6 ديسمبر 1961 بيثيسدا، ماريلاند بأمريكا، ونقل جثمانه إلى الجزائر، ودفن بعنابة بين رفاقه تنفيذا لوصيته.

أعدته: ميمي قلان 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى