
أجمع نخبة من المتخصصين في الذكاء الاصطناعي والدراسات المستقبلية، على ضرورة اعتماد مقاربة أخلاقية وواعية في التعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي، مشددين على أهمية الحفاظ على دور الإنسان كمركز للتفكير والإبداع، وعدم الانسياق نحو ترك هذه المهام للآلات مهما بلغت من تطور، وقد جاءت هذه الدعوة خلال جلسة حوارية عُقدت تحت عنوان “الكتابة في عصر الذكاء الاصطناعي: إلى أين؟”، ضمن فعاليات الدورة الـ16 من مهرجان الشارقة القرائي للطفل.
شارك في هذه الجلسة كل من الدكتورة “سمية المعاضيد”، أستاذة علوم الحاسوب بجامعة قطر، والكاتبة والباحثة في الدراسات المستقبلية “أسماء زينل”، إلى جانب الكاتب والباحث طالب غلوم، وقد تناولت المداخلات أبعادا متعددة لاستخدام الذكاء الاصطناعي، خاصة في مجالات التعليم، الكتابة، والإبداع الفكري.
الذكاء الاصطناعي في التعليم: دعم أم تهديد للأصالة الأكاديمية؟
افتتحت الدكتورة “سمية المعاضيد” النقاش بالإشارة إلى أن الذكاء الاصطناعي يُعد من أبرز مظاهر الثورة الصناعية الرابعة، موضحة أن نسبة كبيرة من مستخدميه اليوم هم من فئة الطلاب الجامعيين، حيث يستخدمه ما لا يقل عن 80 بالمائة من الأفراد، وفق تقديراتها.
ورغم ما يوفره من إمكانيات بحثية وتحليلية، إلا أن هذا الانتشار يثير تساؤلات جدية حول النزاهة الأكاديمية، وضرورة تطوير المؤسسات التعليمية لأدواتها الرقابية والتربوية لمواكبة هذا التحول. وأضافت الدكتورة “سمية المعاضيد”: “الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة ممتازة لدعم التفكير النقدي وتعزيز عملية البحث، لكنه يظل غير قادر على الإحساس أو محاكاة التجربة الإنسانية.
لذلك، من واجبنا كمربين أن نُعلّم الطلاب كيفية استخدامه بشكل مسؤول، مع التأكيد على ضرورة التصريح عند الاستعانة به، على غرار ما تقوم به بعض الشركات الكبرى التي أرست ضوابط صارمة لحماية معلوماتها وأصالة إنتاجها المعرفي”.
من جانبها، عبّرت الكاتبة “أسماء زينل” عن قلقها من الاستخدام غير المنظم والعشوائي للذكاء الاصطناعي، خاصة في مجالات مثل الإعلام والكتابة الأدبية، وأوضحت أن هنالك نمطين مختلفين في التعامل مع هذه التقنية: الأول عشوائي يفتقر إلى الوعي والتحكم، مما قد يؤدي إلى نتائج مضللة أو مبتذلة، والثاني يقوم على وعي المستخدم، حيث تُستخدم الأداة لخدمة الفكرة وليس العكس.
وقالت الكاتبة “أسماء زينل”: “الذكاء الاصطناعي قادر على تقديم منظور جديد ومبتكر في مجالات الكتابة والتحليل، إلا أنه لا يملك القدرة على الإحساس أو نقل المشاعر الإنسانية، وهي عناصر جوهرية في كل عمل إبداعي. لذلك، فإن مستقبل هذه التقنية لا يرتبط فقط بإمكاناتها التقنية، بل بمدى وعينا بكيفية توظيفها دون التفريط في دور الإنسان كمفكر وخالق للمعنى”.
النصوص الهجينة: حتمية تشريعية لحماية الإبداع
أما الكاتب طالب غلوم، فقد ركّز في مداخلته على الإشكاليات القانونية المرتبطة بدمج الذكاء الاصطناعي في عملية إنتاج النصوص الأدبية والمعرفية، مؤكدًا على ضرورة وضع أطر قانونية واضحة تُنظم استخدام هذه الأدوات وتضمن احترام حقوق الملكية الفكرية وشفافية الإفصاح.
وأشار إلى أن “الكتابة الهجينة”، الناتجة عن تعاون بين الإنسان والآلة، قد تكون مقبولة بل ومشروعة في بعض السياقات، شرط أن يُصرّح المستخدم بمدى تدخل الذكاء الاصطناعي في صياغة النص، خاصة في حالات الترشح للمسابقات أو الجوائز. “النزاهة تبدأ من الشفافية”، يقول غلوم، “ولا بد من أن تبقى للإنسان الكلمة الأخيرة، حتى لا نسمح للآلة بأن تتحول من أداة إلى مهيمن”.
نحو مستقبل متوازن: الإنسان أولًا
في ختام الجلسة، اتفق المتحدثون على أن الذكاء الاصطناعي، رغم إمكانياته الهائلة، لا يمكن أن يكون بديلًا للوعي البشري أو الإبداع الفطري. بل يجب أن يُوظَّف كوسيلة تعزز من قدرات الإنسان، لا أن تنتزع منه جوهر دوره.
إن التعامل مع هذه التقنية يتطلب وعيًا فرديًا ومؤسساتيًا، ورؤية مستقبلية واضحة، تحفظ للإنسان إنسانيته وللمعرفة أصالتها، في ظل عالم يزداد تسارعا وتداخلا بين الطبيعي والرقمي.
إلهام. ط