
في مفارقة لافتة لما يُعتقد عادة عن فوائد الذكاء الاصطناعي، أظهرت دراسة جديدة أن استخدام أدوات المساعدة البرمجية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى إبطاء أداء المبرمجين ذوي الخبرة عند تعاملهم مع مهام مألوفة لهم بدلًا من تسريع الإنجاز كما هو شائع في التصورات العامة
توقعات مرتفعة وواقع مختلف
الدراسة التي أجرتها منظمة غير ربحية متخصصة في أبحاث البرمجيات شملت مجموعة من المبرمجين المتمرسين الذين تم تكليفهم بمهام برمجية في مشاريع يعرفون تفاصيلها مسبقًا وذلك باستخدام أداة رقمية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتقديم الاقتراحات البرمجية أثناء العمل
وقبل البدء، كانوا يتوقعون أن هذه الأداة ستُقلل من الزمن المطلوب لإتمام المهام بنسبة تتجاوز العشرين بالمئة، لكن النتائج كشفت عن زيادة في الوقت المستغرق وصلت إلى تسعة عشر بالمئة بسبب الاضطرار إلى فحص المقترحات وتصحيحها.
هذا التناقض بين التوقعات والنتائج، فاجأ الباحثين كما فاجأ المشاركين الذين كانوا يعتقدون أنهم أصبحوا أكثر كفاءة باستخدام الأداة الجديدة، لكن التقييم العملي أثبت خلاف ذلك خصوصًا في المهام التي تتطلب دقة وفهماً دقيقاً للبنية البرمجية التي يعملون عليها. وأوضح الباحثان المسؤولان عن الدراسة أن الاقتراحات التي قدّمتها الأداة في كثير من الأحيان كانت تسير في الاتجاه الصحيح من حيث المنطق العام لكنها لم تكن مناسبة بشكل دقيق للسياق المحدد الذي يعمل فيه المطورون.
تجربة واقعية تُعيد النظر في الفرضيات
خلال الدراسة التي جرت على مدى عدة أسابيع وثّق الباحثون تجارب المشاركين بالفيديو لدراسة طريقة تفاعلهم مع الأداة، وكان واضحا أن جزء كبيرا من الوقت ضاع في محاولة المطابقة بين ما تقدمه الأداة من حلول تلقائية، وبين ما يحتاجه المطور بالفعل من خطوات تنفيذية دقيقة
كما أظهرت اللقطات أن المطورين المحترفين اضطروا مراراً لإلغاء المقترحات الآلية أو تعديلها بشكل جوهري وهو ما أدى إلى زيادة زمن الإنجاز بدل تقليصه كما كان متوقعاً. وقد اعتبر الباحثان أن هذه النتائج تمثل تحذيرا من التعميم الخاطئ لفوائد الذكاء الاصطناعي في جميع السياقات دون مراعاة طبيعة المهمة وخبرة الشخص المستخدم، وأوضحا أن اعتماد الذكاء الاصطناعي بشكل كامل دون تفكير نقدي قد يؤدي أحياناً إلى نتائج عكسية
ورغم أن الدراسة ركزت على المطورين ذوي الخبرة الذين يتعاملون مع أكواد مألوفة، فإن الباحثين أشاروا إلى أن النتائج لا يمكن تعميمها على جميع حالات استخدام البرمجيات، بل من الممكن أن تكون الأدوات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي أكثر فاعلية مع المبرمجين المبتدئين أو في المهام التي تتضمن أكواد جديدة تمامًا.
نحو فهم أكثر توازنا لتقنيات الذكاء الاصطناعي
تأتي هذه الدراسة في وقت يشهد فيه قطاع تطوير البرمجيات اندفاعاً كبيراً نحو إدماج أدوات الذكاء الاصطناعي في مختلف مراحل العمل، بهدف رفع الكفاءة وتقليل الجهد، إلا أن هذا البحث يُلقي الضوء على أن النتائج قد تكون أكثر تعقيدا مما يبدو.
ويؤكد القائمون على الدراسة، أن الاعتماد الأعمى على الأدوات التقنية دون تحليل نقدي قد يُبطئ من أداء الخبراء لا بسبب ضعف في الذكاء الاصطناعي، بل بسبب الحاجة المستمرة إلى التحقق من دقة الاقتراحات ومدى ملاءمتها للسياق الفعلي للمشكلة البرمجية.
وأضاف الباحثون، أن الوقت الذي يقضيه المبرمج في مراجعة وتدقيق اقتراحات الأداة يُعادل أو يتجاوز أحياناً الوقت الذي كان سيستغرقه في كتابة الشيفرة بنفسه من البداية، خاصةً إذا كان ضليعاً في تلك اللغة أو المشروع.
وتدعو هذه النتائج إلى مزيد من الدراسات الميدانية التي تقيّم تأثير أدوات الذكاء الاصطناعي، ليس فقط بناءً على معدلات الإنتاجية بل أيضًا بناءً على طبيعة المهام والمستخدمين ومستوى تعقيد المشاريع التقنية
وفي ظل التوسع المتزايد في استخدام هذه الأدوات، يصبح من الضروري تطوير معايير واضحة لتحديد متى يكون استخدامها مفيدًا، ومتى قد يتحول إلى عبء إضافي على سير العمل وهو ما يتطلب موازنة دقيقة بين ما تُقدّمه التقنية من دعم وما يحتاجه الإنسان من تركيز وتحكّم.
إن هذا البحث يعيد طرح سؤال أساسي حول العلاقة بين الإنسان والتقنية، وهل يُفترض أن تعوّض الأدوات الذكية مهارات المبرمج أم تُستخدم كمكمّل يُعزز عمله دون أن يُعيق أداءه المتقن، وفي ظل الإجابة غير الحاسمة بعد يبدو أن التجربة والخطأ ستبقى الوسيلة الأصدق لاكتشاف جدوى هذه الأدوات من حالة إلى أخرى.
بن عبد الله ياقوت زهرة القدس