بينما تعلو الأصوات المتخوفة من سيطرة الذكاء الاصطناعي على عالم الموسيقى، تبدو صناعة السينما حالياً هي القطاع الأمثل لاحتضان هذه التقنية والاستفادة منها. من الناحية الفنية سبق أن توقعت السينما ظهور الذكاء الاصطناعي وصراع الإنسان مع الآلة في العديد من الأفلام، لكن أيضاً فإنّ استخدام التكنولوجيا القائمة على هذا الذكاء ستعود بنتائج إيجابية كثيرة على صناعة الصورة، سواء من النواحي المادية والإنتاجية أو الناحية الفنية، التي ستحول صراع الإنسان مع الآلة إلى حقيقة ولكن خلف الكاميرا هذه المرة. اتخذ السينمائيون حول العالم خطوات أكبر تجاه الذكاء الاصطناعي مقارنة بمجالات فنية أخرى، وبات معتمداً في عدد كبير من الأعمال، سواء في تقنيات الصورة وأعمال الغرافيكس أو غيرها، إلى جانب التقنيات التي طرأت في السنوات الأخيرة مثل De-aging التي تزيل آثار الشيخوخة عن وجوه النجوم وتعيدهم عشرات السنوات إلى الوراء، وقد استخدمت في أعمال حديثة عدة، مثل Indiana Jones And The Dial Of Destiny، حين ظهر الممثل هاريسون فورد (80 عاماً)، وهو في الـ 35 من عمره. هذه التقنية أثارت عاصفة من الجدل، لكنها في الوقت نفسه بشّرت بانتعاش مسيرة نجوم كبار، من خلال إعطائهم فرصة للرجوع بالزمن إلى الوراء. ففي العقود الماضية، كان المخرجون يستعينون بممثل يشبه الممثل الأصلي، لكن أصغر سناً، لتصويره في مرحلة شبابه، اليوم باتت تقنية واحدة قادرة على القيام بهذه المهمة. تفسير ذلك على الأرض أن ممثلاً شاباً خسر فرصة عمل، باتت الآلة قادرة على القيام بها.
السينما العربية
أما في السينما العربية فتقتصر تدخلات الذكاء الاصطناعي حتى الآن على أعمال الغرافيكس وخدمات ما بعد الإنتاج، مع محاولات قليلة وغير احترافية، مثل محاولة المخرج محمد سامي استخدام تقنيات التلاعب بالوجوه في مسلسل “جعفر العمدة” (رمضان 2023)، ولكنها خرجت بشكل مثير للسخرية. وتختلف صناعة السينما عن بقية الصناعات الإبداعية باعتمادها على مجموعات كبيرة وعشرات الوظائف التي تشكل في النهاية طاقم عمل مكوناً من مئات الأشخاص. لكن وظائف قسم كبير من هؤلاء مهددة فعلياً، وليس من باب التهويل فقط، كما هي الحال في قطاعات أخرى. على سبيل المثال مهام تحديد مواقع التصوير وجمع الصور واللقطات المتخيلة للمشاهد ومواقع التصوير، ومهام المؤثرات البصرية والغرافيكس، ومهام متابعة المشاهد والعمليات الإنتاجية التي يقوم بها فريق كامل من مساعدي الإخراج والإنتاج، وكذلك الموسيقى التصويرية والمكياج وعمل فنيي الكاميرات وغيرها… كلها وظائف الذكاء الاصطناعي قادر على القيام بها بسهولة.
ق.ح