
في خطوة تُجسّد التزامًا حقيقيًا نحو التقدم المسؤول في مجال التقنيات الذكية، أعلنت منظمة التعاون الرقمي عن إطلاق أداة متخصصة لتقييم أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي، وذلك خلال مشاركتها في أعمال منتدى القمة العالمية لمجتمع المعلومات وقمة الذكاء الاصطناعي للصالح العام، والتي عُقدت في مدينة جنيف. وتأتي هذه المبادرة في وقت تتصاعد فيه المخاوف بشأن تأثير الذكاء الاصطناعي على المجتمعات، لاسيما في ظل الانتشار الواسع لهذه التقنية في شتى مجالات الحياة.
تحويل المبادئ النظرية إلى أدوات عملية
الأداة الجديدة التي حظيت بدعم كامل من الدول الأعضاء في المنظمة، وعددها 16 دولة، تمثل ترجمة عملية للمبادئ الأخلاقية التي تتبناها منظمة التعاون الرقمي تجاه استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي، حيث تهدف إلى تمكين الأفراد والمؤسسات في القطاعين العام والخاص، من تقييم مستوى التزامهم بالمعايير الأخلاقية، ومعالجة أوجه القصور المحتملة بأسلوب ممنهج وواضح.
آلية عمل الأداة ومحاورها
تم تصميم الأداة بشكل شامل، يتيح للمستخدمين إجراء تقييم ذاتي من خلال استبيان منظم يغطي 6 فئات رئيسية من المخاطر المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي. تشمل هذه الفئات العدالة، والخصوصية، والشفافية، والمساءلة، إلى جانب تأثير التقنية على الحريات العامة، ومدى الأمان الذي توفره الأنظمة الذكية في مختلف السياقات. وتقدم الأداة توصيات مخصصة حسب طبيعة المستخدم، سواء كان مطورًا للتقنيات أو جهة تعتمد الأنظمة الذكية في أنشطتها.
أكد وزير الدولة لشؤون الاتصالات في دولة الكويت ورئيس مجلس منظمة التعاون الرقمي للدورة الحالية، “عمر سعود العمر”، أن إطلاق هذه الأداة يأتي لتقديم دعم إرشادي متكامل لمطوري البرمجيات والمستفيدين من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، لمساعدتهم في فهم الانعكاسات الأخلاقية لاستخدام هذه التقنية. كما أشار إلى أن الأداة تساعد في تبني استراتيجيات للتقليل من التأثيرات السلبية، خصوصًا تلك التي قد تمس حقوق الإنسان أو تتعارض مع القيم المجتمعية.
موقف المنظمة من الذكاء الاصطناعي دون أخلاق
من جهتها، شددت الأمين العام لمنظمة التعاون الرقمي، “ديمة بنت يحيى اليحيى”، على أهمية تأسيس مرجعية أخلاقية موحدة لاستخدام الذكاء الاصطناعي، معتبرة أن أي تقدم تقني لا يُصاحبه التزام أخلاقي هو بمثابة تراجع وليس إنجازًا. وأوضحت أن الأداة تساهم في بناء بيئة موثوقة تعزز ثقة المستخدمين في أنظمة الذكاء الاصطناعي، من خلال تعزيز مبادئ الإنصاف والوضوح وتحمل المسؤولية.
دعوة لتعزيز الشراكة بين القطاعات
في ظل تعقيد التحديات المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي، دعت المنظمة إلى ضرورة تكاتف الجهود بين مختلف القطاعات، بما في ذلك الجهات الحكومية، ومؤسسات القطاع الخاص، والمجتمع المدني، من أجل تبني سياسات واضحة تضمن تطوير التقنية ونشرها بطريقة تحترم القيم الإنسانية. كما أكدت أن العمل المشترك هو السبيل الأمثل لتحقيق توازن بين التقدم التقني وحماية المبادئ الأساسية للمجتمعات.
الأداة الجديدة لا تقتصر على الجانب التقييمي، بل تعمل أيضًا كوسيلة استباقية للوقاية من التجاوزات الأخلاقية التي قد تنتج عن استخدام الذكاء الاصطناعي دون حوكمة واضحة. فهي تساعد المستخدمين على اكتشاف الثغرات في ممارساتهم وتقديم حلول واقعية لتحسين الأداء وضمان التوافق مع المعايير الدولية المعتمدة في هذا المجال.
خطوة إلى الأمام نحو رقمنة مسؤولة
تعد هذه الخطوة من منظمة التعاون الرقمي إشارة واضحة إلى اتجاه جديد نحو رقمنة أكثر وعيًا ومسؤولية، تعترف بأن التقنية ليست معزولة عن القيم، بل يجب أن تكون أداة لخدمة الإنسان وتمكينه، لا للتحكم به أو تهديد خصوصيته. وهي بذلك تضع الأساس لمرحلة جديدة من التحول الرقمي الذي يُراعي الجوانب الإنسانية والقانونية على حد سواء.
بينما يمضي العالم قدمًا نحو الاعتماد المتزايد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، يبقى الجانب الأخلاقي هو البوصلة التي يجب أن تُوجّه هذا التقدم. ومن خلال هذه الأداة، تُثبت منظمة التعاون الرقمي أنها تسير في الاتجاه الصحيح، نحو مستقبل رقمي متوازن يجمع بين الإبداع التقني والمسؤولية المجتمعية، في سبيل بناء عالم رقمي أكثر عدلاً وأمانًا لجميع أفراده.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله