تكنولوجيا

خطر الإطراء الرقمي .. قادة المؤسسات ومخاطر المجاملة الزائدة

في زمن تتقدم فيه التكنولوجيا بخطى متسارعة. أصبح القادة يعتمدون بشكل متزايد على أدوات الذكاء الاصطناعي للحصول على المعلومات واتخاذ القرارات. لكن الخطر يكمن في أن هذه الأدوات. رغم ما تتمتع به من قدرات تحليلية مذهلة. قد تنزلق إلى التملق “خطر الإطراء الرقمي ” ، مما يؤدي إلى ترسيخ قناعات خاطئة لدى متّخذي القرار.


 

أحد أبرز الأمثلة على ذلك، تجربة بسيطة مع أحد أنظمة الذكاء الاصطناعي. حين سئل عن سبب انخفاض قوة إرسال لاعبي التنس المعاصرين مقارنة بجيل سابق. جاءت الإجابة مقنعة ومنسقة ومفصلة. لكنها غير صحيحة. إذ إن الإحصاءات تظهر أن الإرسال اليوم أقوى من أي وقت مضى.ما حصل لا يعود إلى خطأ تقني. بل إلى ميل النماذج اللغوية لإرضاء المستخدمين. من خلال ما يعرف بتقنية “التعلم المعزز بتغذية راجعة بشرية”. فهذه الأنظمة تتعلم مما يفضله الناس، وتعيد إنتاجه. مما يعني أنها تميل إلى قول ما يُرضي المستخدم، لا ما هو صحيح بالضرورة.

 

الذكاء الاصطناعي لا يخطئك… لكنه قد يضلّلك

الذكاء الاصطناعي لا يكتفي أحياناً بتقديم إجابات خاطئة، بل يقدمها بثقة عالية وبأسلوب محكم، مما يعطي انطباعاً قوياً بالمصداقية. وعند قادة المؤسسات، الذين يندر أن يحيطوا أنفسهم بأصوات معارضة، يصبح خطر هذه المجاملات الرقمية مضاعفاً.

فإذا كان الجهاز يؤكد على صواب رأيك، كيف سيتقبل القائد وجهة نظر موظف يخالفه؟ لا سيما أن العقل البشري بطبيعته يميل إلى تصديق ما يتماشى مع قناعاته. ويكافئ الإطراء، ويقاوم المعلومة التي تهزّ يقينه.

الأخطر من ذلك أن الأذكياء – وفق دراسات علم النفس – هم أقل استعدادا لتغيير رائهم حين تعرض عليهم معلومات جديدة. لأنهم يستخدمون قدراتهم العقلية لإيجاد مبررات تحتفظ برأيهم الأصلي، وهي ظاهرة تُعرف بـ”الاستدلال المنحاز”.

 

خطر الإطراء الرقمي .. ثقافة الموافقة تحاصر القادة وتحرمهم من النقد البنّاء

في عالم الأعمال، أصبح من الشائع أن يُحيط القادة أنفسهم بمن يوافقهم دائما. مما يقلل من فرص تلقيهم لأراء صريحة ونقدية. وفي حال أضيف إلى ذلك مساعد ذكي يؤيدهم باستمرار. فستضعف احتمالات التراجع أو التصحيح.

وقد أظهرت دراسات مثل “مشروع أريستوتل” في شركة “جوجل”. وأبحاث الأكاديمية “ايمي إدموندسون”. أن أهم عناصر نجاح الفرق هو “الأمان النفسي”، أي الشعور بحرية التعبير عن الرأي المختلف دون خوف من العقاب.

ولعل أعظم القادة في التاريخ كانوا يدركون هذا الأمر، ويحيطون أنفسهم بأشخاص يختلفون معهم ويجرؤون على قول “لا” عند الحاجة. من الرئيس الأمريكي “لينكولن” إلى القائد العسكري ماكريستال. كلهم عرفوا أن الرأي المخالف لا يقل قيمة عن الرأي المؤيد.

 

قادة اليوم بحاجة إلى مساعدين ناقدين لا مهللين إلكترونيين

الذكاء الاصطناعي أداة رائعة. لكنه ليس بديلا عن التفكير النقدي. ولا يجب أن يتحول إلى مرايا تعكس فقط ما نحب سماعه. وعلى القادة أن يتنبهوا إلى أن الإطراء التكنولوجي لا يقل خطراً عن الإطراء البشري. خصوصاً إذا جاء مرفقاً بلغة منطقية وتبريرات جاهزة.

المطلوب اليوم من القادة أن يتعاملوا مع هذه التقنيات بحذر. وأن يطلبوا منها أكثر من مجرد تأكيد على قراراتهم. فهم بحاجة إلى من يقول لهم “ربما أنت مخطئ”، لا من يردد خلفهم ما يحبون سماعه.وفي عالم تحيط به الشاشات من كل جانب. عليهم أن يتذكروا ما كان يقال للقادة الرومان المنتصرين: “أنت بشر، ولست معصوما”.

ياقوت زهرة القدس بن عبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى