
أثار خطاب الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي كشف فيه عما يمكن وصفها بـ”خارطة الطريق” التي طال انتظاره، زوبعة من الانتقادات في الشارع التونسي، وبين القوى السياسية التي سارعت لرفض تمديد الإجراءات الاستثنائية لعامٍ كامل.
فبعد عام من التضييق على الحريات وبسط السلطات للرئيس التونسي قيس سعيّد في قرارات أحدثت أزمة سياسية وتحركات وصفها معارضوه بالانقلاب، خرج الرجل مجدّدًا للإعلان عن “خارطة طريق” لرؤيته للحل يبقي فيها المجلس النيابي معلقا لحين تنفيذها، لكن سعيّد قال إن الشعب التونسي سيُمنح حق التعبير عن إرادته، حيث إن خارطة طريقه تتضمّن الاستفتاء على الدستور في جويلية المقبل، وانتخابات تشريعية تجرى في نهاية عام 2022، وفق قانون انتخابي جديد يوضع في هذه الفترة، فيما السلطة التشريعية معطّلة.
خطاب سعيّد تقسيمي وتحريضي
لكن خطاب سعيّد قوبل سريعا في الأوساط السياسية والشعبية في تونس بالرفض والاستهجان، فما رآه هو خطوة تحقق تطلعات التونسيين وآمالهم، عده معارضوه تعزيزًا لخطاب السلطوية والتفرد وقفزًا على المؤسسات التشريعية.
وفي هذا السياق، وصفت حركة النهضة قرارات سعيّد بالاعتداء السافر على المؤسسات التشريعية، وأعضاء مجلس النواب. وفيما اعتبرت أن لا أساس دستوريا أو قانونيا لهذه الإجراءات، وصفت خطابه بالتقسيمي والتحريضي.
من جهتها، رفضت أحزاب التيار الديمقراطي والتكتل من أجل العمل والحزب الجمهوري خطاب الرئيس قيس سعيّد، داعية إلى توحيد المواقف مع الاتحاد العام التونسي للشغل لمواجهة ما وصفته بالانحراف الخطير في السلطة.
وجاء موقف مبادرة “مواطنون ضد الانقلاب” متناغما مع ما سبق، حيث رأى العضو فيها جوهر بن مبارك أن خطاب الرئيس لم يأتِ بجديد، واصفا إياه بالانتكاسة الجديدة والعودة لخطاب التخوين والتشنّج معتبرا أن الرئيس لا يتحاور إلا مع نفسه.
معركة سياسية جديدة مرتقبة
وبحسب المصادر، فإن المشهد التونسي مقبل على ما يبدو على تطورات يبدو أنها تفتح بابا جديدًا لمعركة سياسية لا يزال وطيسها يتأجج.
ويشير إلى أن الرئيس قيس سعيّد حدّد في خطابه الأطر الزمنية التي سيسير على ضوئها لإنهاء الفترة الاستثنائية، لكنه لم يعلن بالتوازي مع ذلك عن أي خطوة لإشراك فاعليات المجتمع المدني والسياسة في خطته، انسجامًا مع المطالبات المحلية والدولية.
ويعتبر أن هذا الأمر دفع الأحزاب والقوى السياسية في تونس إلى رفض خطاب الرئيس واعتباره هروبًا إلى الأمام باتجاه تكريس رؤيته المنفردة لصياغة ملامح المرحلة المقبلة، ويلفت إلى أن الرئيس لم يوفر الاتحاد العام التونسي للشغل من هجومه، كما أنه صوب بشدّة على الأطراف التي دعمته في البداية، ثم عارضته، ملمحًا إلى أنها فعلت ذلك لأنها لم تحصل على مقابل لمواقفها.
مخاوف على مكاسب الديمقراطية في تونس
وكان إعلان قيس سعيّد عن خارطة طريق للخروج من الأزمة منتظَرا منذ أن علق عمل البرلمان، وأقال رئيس الوزراء وبسط سيطرته شبه الكاملة على السلطة التنفيذية.
وبينما بدت تلك التحركات تحظى بشعبية كبيرة بعد أزمة اقتصادية حادة وشلل سياسي على مدى سنوات، فقد اشتدت المعارضة لموقفه لتشمل أحزابًا سياسية وأطرافًا محلية رئيسة كانت داعمة له في البداية.
وأدى التأخر في إعلان مسار تفصيلي للمضي قدمًا والشهران اللذان استغرقهما سعيّد لتعيين رئيسة وزراء جديدة إلى زيادة المخاوف بشأن قدرة تونس على معالجة أزمة ملحّة في ماليتها العامة.
ق.د