الثـقــافــة

حول معاهدة “لالة مغنية” البروفيسور “مبخوت بودواية”، يكشف:

الجوانب الخفية وأثرها في المقاومة بالجنوب الغربي الجزائري

كشف البروفيسور “مبخوت بودواية”، في لقاء خاص عن الجوانب الخفية لمعاهدة “لالة مغنية”، لأول مرة يتم مناقشة أبرز المحطات التاريخية في تاريخ الجزائر الحديث، والمتمثلة في “معاهدة لالة مغنية” وما رافقها من تحولات سياسية، عسكرية واجتماعية وما فعله جار السوء، انعكست بعمق على مسار المقاومة الشعبية، ولاسيما في الجنوب الغربي الجزائري.

 

لقد شكلت مقاومة “الأمير عبد القادر”، التي استمرت حوالي 17 عامًا، قاعدة متينة لحركة التحرر الوطني، فقد التفت حوله القبائل، خصوصا في جنوب تلمسان، حيث أسهم نظام التضامن الاجتماعي القوي في تعزيز قدرته على الصمود أمام فرنسا، وإدراكا منها لخطورة هذا الالتفاف الشعبي، عملت فرنسا منذ البداية على ملاحقة “الأمير” على الحدود الغربية، وسعت إلى عزل المنطقة وإضعاف ارتباطها بالمقاومة.

لقد شكّلت معاهدة “لالة مغنية” (1845) لحظة فاصلة؛ إذ رسمت الحدود الغربية بين الجزائر والمغرب، وأتاحت لفرنسا التحكم في القبائل والتضييق على تحركات “الأمير عبد القادر”. فهذه المعاهدة لم تكن مجرد ترسيم إداري، بل أداة سياسية وعسكرية هدفت إلى محاصرة المقاومة وإضعافها، وقد أدت إلى بروز مقاومات جديدة في المنطقة، كما كشفت نوايا “جار السوء” الذي قدّم دعما للمستعمر وحاول بسط نفوذه على بعض القبائل.

كانت المنطقة مسرحا لحملات عسكرية متواصلة، اعتمدت فيها فرنسا سياسة الأرض المحروقة، والتجويع والإبادة الجماعية، حتى انخفض عدد سكان الجزائر من نحو 10 ملايين عام 1830 إلى العدد نفسه تقريبًا عند الاستقلال سنة 1962، رغم مرور أكثر من قرن. كما رافقت هذه السياسات عمليات استيلاء على خيرات البلاد، وتعطيل للقوافل التجارية، ومطاردة للسكان في البوادي والجبال.

وقد اكتسب الجنوب الغربي أهمية استراتيجية واقتصادية، لكونه معبرا تجاريا يربط شمال إفريقيا ببلاد السودان عبر خطوط المشرية “العين الصفراء” تلمسان. كما كان مسلكا للحجاج، وممرا لاحقا لخطوط السكك الحديدية التي سعت فرنسا إلى تشييدها لفرض سيطرتها وربط الشمال بالجنوب.

أمام هذا الزحف الاستعماري، برزت مقاومات محلية كان لها دورا بارزا في تعطيل مخططات فرنسا. فقد تصدت قبائل “بني زناتة” و”أولاد سيدي الشيخ” لمحاولات التوسع، وأوقفت تقدم الجيش الفرنسي في الجنوب الغربي. كما ساهمت مقاومة “الشيخ بوعمامة” لاحقًا في استمرار جذوة الكفاح، هذه المقاومات لم تكن مجرد رد فعل عسكري، بل شكّلت وحدة دينية واجتماعية متماسكة أعادت الاعتبار للهوية الإسلامية والوطنية.

لم تقتصر سياسات فرنسا على القمع العسكري يقول البروفيسور “مبخوت بودواية”، بل رافقها مشروع تنصيري يستهدف منطقة الجنوب الغربي باعتبارها مجالًا “خصبًا” للمسيحية، كما استُخدمت حملات طبية ذات طابع عسكري، رصدتها تقارير فرنسية عن الأمراض المعدية التي أدخلتها جيوش الاحتلال إلى المنطقة، وكان الهدف النهائي تفكيك النسيج الاجتماعي المتماسك، خاصة في قصور الجنوب، التي مثلت نموذجًا للتلاحم والتعاون.

لقد مثلت معاهدة “لالة مغنية” أداة استعمارية محورية في محاصرة الأمير عبد القادر وإضعاف حركته، لكنها في الوقت ذاته كانت سببًا في ولادة مقاومات جديدة في الجنوب الغربي، تجسّدت في بطولات أولاد سيدي الشيخ والشيخ بوعمامة، وأكدت أن إرادة الشعب الجزائري كانت أقوى من محاولات التفكيك والإبادة، وهكذا ظل الجنوب الغربي قلعة صامدة أخرّت تقدم الاستعمار وأثبتت أن المقاومة الجزائرية لم تكن مجرد حدث محلي، بل ملحمة وطنية ذات أصداء دولية.

ابراهيم سلامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى