تكنولوجيا

حكاية فارس يوسف وصناعة الصوت لمن لا يتكلم

تطبيق “الطفل المتوحد“

فارس يوسف..  في عالم التكنولوجيا الحديث حيث تتسابق الابتكارات لخدمة مختلف مجالات الحياة. يطل مشروع صغير من مدينة وهران  و تحديدا داخل أروقة مركز ماستر تاك ليحمل قضية إنسانية قبل أن يكون مجرد منتج تقني.


 

“الطفل المتوحد” هو اسم التطبيق الذي ابتكره فارس يوسف. ابن الخامسة عشرة، في محاولة منه لمساعدة فئة غالبًا ما تهمَّش في المجتمع: الأطفال المصابون بطيف التوحد. والأشخاص الذين يجدون صعوبة في التواصل. ومن بينهم الصم.

المشروع لم يأتِ من فراغف يوسف نشأ قريبًا من هذا العالم. إذ أن والدته تدير مركزًا لتعليم الأطفال المصابين بالتوحد وهو المدرسة المتخصصة للتوحد و تريزوميا بوهران . هناكرأى عن قرب محاولاتهم للتعبير عن أنفسهم. وصعوبات اندماجهم مع الاخرين. وإحباطات الأهل الذين يبحثون عن وسائل مساعدة فعّالةمن هذا الواقع تولدت الفكرة. وتحولت إلى خطة عمل واضحة: إنشاء تطبيق بسيط في واجهته عميق في أثره.

 

من الفكرة إلى النموذج الأول

عندما قرر يوسف خوض غمار الفكرة. كان يعلم أن الأمر يحتاج إلى أكثر من مجرد حماس استغرق تطوير النسخة الأولى من التطبيق شهرًا كاملًا. يعمل فيه على برمجته وتجربة وظائفه، مستعينًا بما تعلمه في مركز ماستر تيك. المؤسسة التي التحق بها قبل ثلاث سنوات وصقلت مهاراته في البرمجة وصناعة التطبيقات

في المركز، تعلّم يوسف أساسيات البرمجة والتعامل مع“سكراتش” و”أردوينو”. وفهم كيف تبنى البرامج من الصفر. كان يخصص وقتًا طويلًا بعد الحصص لتجريب ما تعلمه. يصحح الأخطاء ويعيد المحاولة. ومع كل تعديل كان يكتشف جانبًا جديدًا يمكن تحسينه في التطبيق. سواء على مستوى التصميم أو الوظائف و ذلك بمساعدة الأساتذة من المركز .

 

فارس يوسف.. المشاركة في الأولمبياد الوطنية

في جوان 2025. حمل يوسف تطبيقه إلى الأولمبياد الوطنية التي أُقيمت في الجزائر العاصمة كانت القاعة مليئة بروبوتات متحركة، وأجهزة ذكية. ومشاريع طلابية طموحة وسط هذا الزخم كان “الطفل المتوحد” مختلفًا. ليس من حيث التكنولوجيا المستخدمة بل من حيث الغاية الإنسانية التي يقف وراءها.

لجنة التحكيم استمعت لشرح يوسف باهتمام، وطرحت أسئلة دقيقة حول الفئة المستهدفة وآلية عمل التطبيق بعد التقييم، حصل على ملاحظات فنية اعتبرها نقاط قوة لا ضعف، إذ دفعته لمراجعة برمجته وتحسين أدائه لم يكن الفوز بالمراكز الأولى هدفه الرئيسي بل إيصال فكرته، والحصول على تغذية راجعة من خبراء المجال.

 

فارس يوسف .. دور العائلة في بناء الحافز

وراء فارس يوسف قصة دعم عائلي متواصل والده كان أول من اكتشف ميوله التقنية وهو في التاسعة، حين كان يحاول تصميم ألعاب بسيطة عبر دروس على “يوتيوب” لاحظ أن الأمر ليس مجرد فضول عابر، فقرر إدخاله إلى مركز ماستر تيك ليتلقى تعليمًا منظَّمًا.

في البداية، كان الحاسوب الذي يعمل عليه يوسف قديمًا، ما جعل العمل على البرامج الثقيلة بطيئًا ومحدودًا. لكن والده وفر له جهازًا حديثًا سمح له بخوض تجارب أكثر تقدمًا أما والدته، فكانت مصدر الإلهام الأول لفكرة التطبيق، من خلال عملها اليومي مع الأطفال المصابين بالتوحد في المدرسة المتخصصة للتوحد و تريزوميا

 

 

بيئة التعلم في ماستر تيك

يصف يوسف أجواء ماستر تيك بأنها مختلفة عن أي تجربة تعليمية عرفها من قبل فالمركز لا يقتصر على تقديم المعلومات، بل يضع الطلبة في بيئة عملية تشجع على التفكير المستقل وحل المشكلات. في كل مرة كان يواجه صعوبة، سواء في تركيب الأسلاك أو التعامل مع برمجيات معقدة، يجد الدعم من أساتذته الذين يشرحون التفاصيل ويمنحونه مساحة للتجربة والخطأ.

هذه البيئة هي التي سمحت له بتحويل فكرة “الطفل المتوحد” من مجرد تصور إلى تطبيق فعّال يمكن تجربته. وحتى بعد الأولمبياد، وجد في المركز التشجيع على تطويره أكثر، بإضافة ميزات جديدة لتحسين التواصل ودعم الفئة المستهدفة.

 

رؤية فارس يوسف للمشهد التعليمي والتقني في الجزائر

من واقع تجربته، يرى يوسف أن الجزائر تحتاج إلى خطوات جادة نحو رقمنة أوسع في القطاعات المختلفة، خاصة التعليم يشير إلى أن المناهج الدراسية الحالية صعبة ومكدسة، وتفتقر إلى مواد حديثة مثل البرمجة والذكاء الاصطناعي، وهو ما يحد من فرص الشباب في مواكبة التطور العالمي.

بالنسبة له، تجربة ماستر تيك هي نموذج لما يمكن أن يحدث إذا توفرت بيئة تعليمية مناسبة: طلاب يطورون مشاريع تخدم المجتمع، وأفكار تتحول إلى منتجات قابلة للتطبيق.

 

الخطوة القادمة… تطوير أكثر لخدمة أكبر

اليوميعمل يوسف على تحسين تطبيقه ليصبح أكثر شمولية وسهولة في الاستخدام، مع إمكانية إضافة وسائط تساعد في التواصل. طموحه هو أن يصبح في المستقبل مهندس ذكاء اصطناعي أو مبرمجًا متخصصًا في التطبيقات ذات الأثر الاجتماعي، مع إصرار على أن تظل أعماله مرتبطة بخدمة الناس قبل أي شيء آخر .

 

بالنسبة له، لم يكن “الطفل المتوحد” مجرد مشروع مدرسي أو مشاركة في مسابقة، بل بداية لقناعة راسخة بأن التكنولوجيا يمكن أن تكون جسرًا بين من يملك القدرة على الكلام ومن يبحث عن طريقة ليُسمَع.

أعدته ياقوت زهرة القدس بن عبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى