
ناعم “زينب جيهان”، كاتبة وباحثة جزائرية من مواليد 2001 بولاية تيارت (قصر الشلالة)، متحصلة على شهادة الماستر في الأدب العربي، تخصص تعليمية اللغة العربية من ملحقة قصر الشلالة ـ جامعة تيارت. عُرفت بحضورها المتفرّد في الساحة الأدبية والأكاديمية رغم صغر سنها، حيث استطاعت أن تخلق مسارا يجمع بين العمق البحثي، الحس الإنساني والطرح الفلسفي بأسلوبها الخاص
من أبرز أعمالها كتابها الأكاديمي “آفاق الطفولة المبكرة: منظور الرعاية والتنمية لطفل ما قبل المدرسة”، الذي نال اهتمام الأوساط الجامعية والتربوية، لما حمله من طرح علمي دقيق، وتحليل ميداني لواقع الطفل الجزائري، تم تأطيره ضمن النظريات النفسية الحديثة، وغطى فيه احتياجات الطفل وخصائص نموه بشكل شامل.
إلى جانب ذلك، لديها مجموعة من المقالات المنشورة في مجلات وصحف جزائرية وعربية، حيث كتبت في موضوعات تتنوع بين قضايا الطفولة، التربية، الوعي، والهوية وغيرها… وبعيدا عن مجال الطفل وبأسلوب فلسفي عميق يلامس الأسئلة الوجودية والروحية للإنسان شاركت جيهان في كتب جماعية، وأعمال مشتركة وأيضا كتب إلكترونية.
هي أيضا معلقة صوتية ومدبلجة كرتونية، تركت بصمتها في الأداء السمعي الموجّه للطفل، بصوت يحمل إحساسا تربويا راقيا، وتعبيرا دافئا يناسب عالم الصغار. كما أنها صاحبة براءة اختراع لمؤسسة ناشئة بعنوان “الفضاء التعليمي للأطفال”، وهو مشروع تربوي مبتكر يدمج الجانب النفسي بالتكنولوجيا في عملية تنشئة الطفل، ويُعد من المبادرات الرائدة في المجال.
“ناعم زينب جيهان” تمثل نموذجًا مُلهِمًا لجيلٍ جديد من النساء الجزائريات، حيث يلتقي الفكر الأكاديمي بالخيال الإبداعي، والصوت بالحبر، لخلق أثر تربوي وإنساني متجدد.
مزيج الأدب، الفن والتربية: كيف تجتمع هذه المسارات في شخصية واحدة؟
في الحقيقة، لم أتعامل مع هذه المسارات كجزر منفصلة، بل كنتُ دائما أراها كأنها خيوط متكاملة في نسيج شخصيتي. الأدب منحني القدرة على الإصغاء العميق لذاتي وللوجود من حولي، والفن علّمني التعبير عن هذا العمق بلغةٍ بصرية وصوتية تتجاوز الكلمات، أما التربية فهي الأرض التي أزرع فيها هذا الوعي وأراه ينمو في عيون الأطفال.
أنا لا أمارس هذه المجالات كمجرد وظائف أو أدوار، بل أعيشها كامتداد لتجربتي الإنسانية. حين أكتب للأطفال، أستحضر الفنّ لخلق صور ذهنية حيّة، وأستند إلى التربية لبناء المعنى. وحين أعلّق بصوتي أو أدوّن فكرة، فإن خلف كل ذلك روحٌ أدبية تسعى لأن تُلهم وتُنير، لا أن تكتفي بالتوصيل.
ربما لأن الطفولة نفسها هي مساحة يلتقي فيها الخيال بالعلم، والصوت بالمعنى، شعرت دومًا أن لا شيء من هذه المسارات متناقض، بل هي أوجه مختلفة لهوية واحدة: البحث عن المعنى، والالتزام بزرع أثرٍ طيب يدوم.
كيف ساعدك تخصّصك الأكاديمي في صياغة محتوى تربوي عميق وحديث؟
تخصصي الأكاديمي في تعليمية اللغة العربية ضمن مسار الأدب العربي لم يكن مجرد تكوين معرفي، بل كان نافذتي الأولى لفهم كيف يفكر الطفل، كيف يتلقى اللغة، وكيف تنمو الفكرة في وعيه الصغير حتى تصبح تصورًا وسلوكًا. هذا المسار زوّدني بالأدوات التي مكّنتني من تحويل المفاهيم التربوية المعقدة إلى محتوى بسيط، عميق، وملائم لمراحل النمو، دون أن أفقد عمق الطرح أو أخلّ بمرجعيته العلمية.
ومن جهة أخرى، الدراسة الأكاديمية جعلتني أكثر وعيًا بضرورة التوازن بين التنظير والواقع، خاصة عندما كتبت كتاب “آفاق الطفولة المبكرة”، حيث سعيت لأن يكون الكتاب صوتًا للطفل الجزائري في بيئته الواقعية، لا مجرد إسقاط لنظريات غربية. ربطت النظريات النفسية والاجتماعية بالحالة الجزائرية، وحرصت على أن أكتب بلغة علمية لكن إنسانية، مفهومة، وملهمة في آن واحد.
التكوين الجامعي منحني الانضباط العلمي، لكنه في ذات الوقت حرّر لدي شغف التحليل والتأويل، وهو ما ساعدني في تقديم محتوى تربوي حديث، يدمج بين العلم والفن، النفس والواقع، والطفل كذات لا كموضوع دراسة.
كيف تنظرين إلى العلاقة بين الصحة النفسية والطفولة؟
الطفولة ليست مرحلة نمرّ بها، بل هي الجذر الذي تتغذّى منه شجرة الإنسان طوال عمره. والصحة النفسية في هذه المرحلة تشبه الماء الأول… لا يُرى، لكنه يُحدّد طعم الثمر لاحقًا، ويمتد في عروق الشخصية دون أن يُفصح عن نفسه بسهولة.
أؤمن أن الصحة النفسية ليست رفاهية تربوية، بل هي الأساس الهادئ لكل ما يأتي بعدها: التعلّم، النمو، التفاعل، وحتى الإبداع. الطفل لا يمكن أن يُثمر حبًا أو فهمًا أو فضولًا تجاه الحياة، إن كان يختبر القلق، أو الخوف، أو النبذ في داخله. وكل سلوك نراه على السطح، غالبًا ما يكون ترجمة لرجفة داخلية لم تُحتضن كما يجب.
العلاقة بين الصحة النفسية والطفولة بالنسبة لي علاقة “نبض وبنيان”… إن اختلّ النبض، لم يصمد البنيان. لذا حين أكتب للطفل أو عنه، فأنا لا أصفه من الخارج، بل أحاول الإصغاء لما لا يُقال: لنبرته حين يصمت، ولعينيه حين تضيء، ولألمه حين يُخفيه بابتسامة.
كل طفل نحتضن عالمه النفسي باحترام، نمنحه مستقبلًا أكثر وعيًا، وأقل ضجيجًا… وأكثر إنسانية.
ما دور التربية الحديثة في تشكيل وعي الجيل الجديد؟
التربية الحديثة لم تعد مجرد وسيلة لنقل المعارف أو ترسيخ القيم التقليدية، بل أصبحت أداة استراتيجية لتشكيل وعي الإنسان منذ سنواته الأولى. نحن لم نعد نتحدث فقط عن “تعليم الطفل”، بل عن “بناء إدراكه للعالم”، عن قدرته على التفكير، التعاطف، اتخاذ القرار، وفهم نفسه قبل أن يفهم المنهج.
في رأيي، التربية الحديثة تعني أن يكون الطفل فاعلًا لا متلقيًا، محاورًا لا تابعًا، إنسانًا يُنظر إليه ككُلٍّ متكامل: عقل، نفس، وجدان. هي تربية تعترف بخصوصية الطفل، وتستثمر في قدراته الفردية، وتؤمن أن احترام صوته من الصغر هو ما يبني مواطنًا حرًا ومسؤولًا في الكِبر.
وعي الجيل الجديد لا يتشكل في القاعات وحدها، بل في طريقة الحوار مع الطفل، في نوع القصص التي نرويها له، في المساحة التي نمنحها لمشاعره وتجربته الذاتية. وهنا تأتي أهمية التربية الحديثة كمنهج لا يفصل بين المعرفة والعاطفة، ولا بين الهوية والانفتاح، بل يسعى لتكوين إنسان متوازن، واثق، ومتصالح مع نفسه ومع العالم.
كيف تصفين أسلوبك الكتابي؟ وهل هناك كتّاب تأثرت بهم؟
أسلوبي الكتابي هو امتداد لتجربتي الإنسانية والفكرية. لا أكتب من أجل الجمال الشكلي للنص، بل من أجل أن أقول شيئًا يظل حيًّا حتى بعد القراءة. أبحث دائمًا عن اللغة التي تنبض… التي تحمل شعورًا، فكرة، وسؤالًا في آن واحد. أكتب بأسلوب أقرب إلى الفلسفة الوجدانية، أسلوب يسمح للقارئ بأن يتأمل، ويستدعي نفسه في النص، لا أن يمرّ عليه كمتلقٍ عابر.
في كتبي الفكرية والفلسفية، أحرص على أن يكون الأسلوب شاعريًّا، داخليًّا، يحمل صوتًا خافتًا لكن عميقًا. أما في كتبي الأكاديمية، فأنا ملتزمة بلغة علمية رصينة، تحليلية، مستندة إلى المراجع والنظريات، لكن دون أن أنزع عنها بعدها الإنساني. حتى في الطرح العلمي، أحاول أن لا أفصل الطفل عن واقعه النفسي والاجتماعي والثقافي، بل أكتبه ككائن حي، لا كموضوع جامد.
قد لا أقول انني تأثرت بكاتبٍ بعينه، لكنني تأثرت بالكتب الصادقة التي تحدثت إلى داخلي قبل أن تُقنعني بعقلها. استلهمت من التجارب التي لا تكتفي بعرض الحقيقة، بل تطرحها كدعوة للبحث، والتساؤل، والمشاركة في المعنى.
علاقتك بالشغف وكيف توظفينه كقوة محركة لكل مشاريعك؟
الشغف بالنسبة لي ليس مجرد دافع مؤقت أو حماسة لحظية، بل هو ما يجعلني أتنفّس المعنى في كل ما أفعل. هو ذاك “النبض” الذي لا يُرى، لكنه يحدد وجهتي، يوقظني على فكرة، ويُجلسني أمام ورقة بيضاء لأكتب، أو أمام لوحة لأرسم، أو في عزلةٍ عميقة لأنسج مشروعًا ينبض بالحياة.
أنا لا أبدأ مشروعًا دون أن أشعر برجفته داخلي، ذلك الوميض الذي يخبرني أنني لا أقوم بعملٍ عابر، بل أخوض رحلة. سواء كان كتابًا أكاديميًا، مشروعًا تربويًا، مقالًا، أو حتى تعليقًا صوتيًا… لا أنخرط فيه إلا حين أشعر أنني أضع فيه جزء من روحي، لا مجرد أفكاري.
الشغف هو مرآتي الداخلية، حين تغبشها ضغوط الواقع أعود إليه لأرى بوضوح من أنا ولماذا بدأت. لذلك كل مشاريعي ليست متفرقة في حقيقتها، بل مرتبطة بنواة واحدة: أن أترك أثرًا حقيقيًا… لا صوتًا عاليًا.
هو الذي علّمني أن لا أساوم على الجودة، أن أجرؤ على التجريب، وأن أواصل، حتى عندما يبدو الطريق هادئًا جدًا أو مزدحمًا جدًا. الشغف عندي ليس رفاهية، بل هو القوة التي تجعل من أي فكرة نبضًا حيًّا، ومن كل عمل رسالة.
رسالتي للفتيات والشباب اليوم
رسالتي بسيطة، لكنني أؤمن بها من العمق:
لا تسمحوا لأحد أن يُحدد سقفكم.
أنتم أكبر من الظروف، وأوسع من التوقعات، وأقدر على التغيير مما تتصورون.
كل فكرة تخطر في بالكم تستحق أن تُمنح فرصة، وكل شغف يشتعل في قلوبكم يمكن أن يتحول إلى مشروع أو صوت أو كتاب أو حياة مختلفة تمامًا.
لا تنتظروا اللحظة المثالية، اصنعوها.
ولا تخجلوا من أن تسلكوا طريقًا مختلفًا، حتى لو كنتم وحدكم في بدايته.
النجاح ليس أن تكونوا مثل غيركم، بل أن تكونوا أقرب ما يمكن إلى حقيقتكم.
لكل فتاة تؤمن أن بداخلها طاقة تُنير أكثر من محيطها…
ولكل شاب يُفكر بصمت لأن الصخب حوله كثير…
أقول: أنتم لستم وحيدين، أنتم الجيل الذي ننتظره.
كونوا أنتم، وكونوا ذلك الأثر الذي لا يُنسى.
حاورها ياسين قطاوي