تكنولوجيا

ثورة الدبلجة بالذكاء الاصطناعي.. بين اختراق هوليوود وخطر ذوبان الهوية الثقافية

الدبلجة بالذكاء الاصطناعي.. عرفت صناعة السينما منذ بداياتها معضلة اللغة التي لطالما حدّت من انتشار الأفلام خارج بيئتها الأصلية. فالمشاهد يميل إلى سماع العمل الفني بلغته الأم أو بلغة قريبة منه. غير أن أدوات الذكاء الاصطناعي فتحت الباب أمام مقاربة جديدة للدبلجة تسمح بنقل النصوص المرئية والمسموعة إلى لغات متعددة مع الحفاظ على الأداء الأصلي للممثلين. وقد مكنت هذه التقنية بعض الأفلام المستقلة من اختراق أسواق كبرى كانت عصية عليها من قبل.


 

في التجربة الأخيرة التي لاقت اهتماما واسعا، جرى تحويل فيلم خيال علمي من إنتاج سويدي إلى نسخة تبدو كأنها مصوّرة بالإنجليزية، حيث تكيّفت حركة الشفاه وتعبيرات الوجوه مع الصوت الجديد بصورة أدهشت المشاهدين، وهذا ما سمح بعرضه في مئات القاعات داخل الولايات المتحدة التي عادة ما تُعرف بعزوفها عن متابعة الأعمال المترجمة، الأمر الذي كشف عن قدرة هذه الأدوات على فتح أسواق جديدة أمام السينما العالمية.

 

الدبلجة بالذكاء الاصطناعي .. جدوى اقتصادية وآفاق توزيع واسعة

من الزاوية الاقتصادية، يمثل استخدام الذكاء الاصطناعي في الدبلجة وفرا كبيرا في التكاليف مقارنة بالطرق التقليدية التي تستدعي استوديوهات صوتية وجيوشا من الممثلين البدلاء، إذ يمكن إنجاز التعديلات على صورة الفيلم وصوته دون الحاجة إلى إعادة التصوير أو التسجيل، وهو ما يجعل من هذه التقنية خيارا جذابا لشركات الإنتاج التي تسعى إلى خفض النفقات وزيادة العائدات في آن واحد.

كما أن الاعتماد على أدوات ذكية في معالجة الصورة والصوت يقلص الوقت اللازم لإنجاز النسخ الموجهة إلى الأسواق الأجنبية، وهو ما يمنح المنتجين فرصة طرح أفلامهم بسرعة في أسواق مختلفة، وقد رأت بعض الشركات أن نجاح فيلم سويدي محدود في اختراق السوق الأمريكية يمثل دليلا على أن هذه المقاربة قادرة على رفع حجم سوق الدبلجة إلى مستويات غير مسبوقة، خصوصا مع الانتشار الواسع لمنصات البث التي تبحث عن محتوى عالمي يناسب شرائح متنوعة .

 

جدل ثقافي وأسئلة حول التنوع الفني

لكن النجاح التجاري لا يحجب المخاوف الثقافية التي يثيرها هذا التحول، إذ يرى بعض الأكاديميين أن الدبلجة المبنية على الذكاء الاصطناعي قد تفقد الأفلام أصالتها وتذيب خصوصيتها اللغوية والإيحائية، فالمشاهد عندما يرى ممثلا أجنبيا يتحدث وكأنه ابن البيئة الأمريكية مثلا قد يفقد الاتصال بجوهر العمل الفني وثرائه اللغوي والثقافي، ما قد يؤدي إلى تعزيز ثقافة أحادية اللغة تقلل من قيمة الترجمة النصية التي طالما لعبت دورا تربويا وثقافيا.

كما أن الترجمة النصية ليست مجرد بديل عن الصوت الأصلي، بل هي وسيلة لتمكين فئات واسعة مثل الصم وضعاف السمع والطلاب والمهتمين باللغات، وإزاحتها لصالح نسخة محاكية بصريا قد تضر بجماهير اعتادت الاعتماد عليها، وهو ما يثير أسئلة جدية حول إمكانية الوصول وعدالة التوزيع الثقافي، خاصة إذا تحولت الأسواق الكبرى إلى تفضيل النسخ المدبلجة آليا على حساب النسخ الأصلية.

تبدو تقنية الدبلجة القائمة على الذكاء الاصطناعي خطوة ثورية تمنح السينما العالمية آفاقا جديدة لكنها تحمل في طياتها خطرا موازيا يتمثل في تجانس ثقافي غير مرغوب فيه، فبين إغراء التوسع التجاري وحلم العالمية من جهة، والحفاظ على الأصالة والهوية من جهة أخرى، تظل معادلة المستقبل رهينة بمدى وعي صناع القرار الفني والتقني بقيمة التنوع كعنصر جوهري في الإبداع السينمائي.

ياقوت زهرة القدس بن عبد الله 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى