
لطالما شكّل التنقل اليومي تحديًا كبيرًا للأشخاص المكفوفين وضعاف البصر، حيث كانت العصا البيضاء هي الوسيلة التقليدية الأكثر استخدامًا منذ عقود، إلا أن فعاليتها المحدودة أمام العوائق المعقدة والبيئات غير المألوفة جعلت الحاجة إلى حلول تكنولوجية أكثر دقة وفاعلية أمرًا ملحًا. وفي هذا السياق، نجح فريق من الباحثين الصينيين في تطوير نظام مبتكر يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، ليقدّم نموذجًا جديدًا في مجال مساعدة المكفوفين، محققًا نتائج ملموسة بنسبة تحسين بلغت 25 بالمائة في كفاءة التنقل.
الهيكل العام للنظام: نظارة ذكية وسماعات موجهة
يعتمد النظام الجديد على نظارة ذكية مزودة بكاميرا دقيقة تلتقط الصور المباشرة للبيئة المحيطة بالمستخدم بشكل متواصل، حيث تُرسل هذه الصور إلى وحدة حوسبة صغيرة مدمجة داخل الجهاز، تقوم بتحليلها لحظيًا باستخدام خوارزميات متقدمة تعتمد على التعلم الآلي. وقد دُربت هذه الخوارزميات بشكل خاص للتعرف على مكونات البيئة من حول المستخدم مثل الأشخاص، الأبواب، الجدران، قطع الأثاث، والعوائق المتنوعة. وبدلاً من الاكتفاء بالمراقبة، يقوم الجهاز بإصدار إشعارات صوتية كل ربع ثانية عبر سماعات الأذن، بحيث تأتي الأصوات من الاتجاه المطلوب السير نحوه، مما يضمن استجابة فورية ودقيقة لتحركات المستخدم.
التقنية اللمسية: طبقة حماية إضافية
ولم يكتف الباحثون بتقديم التوجيه الصوتي فقط، بل طوروا مكونًا فريدًا يعمل كمستشعر لمسي إضافي، يتمثل في رقع مرنة على شكل أساور تُرتدى على المعصمين والأصابع. تحتوي هذه الرقع على كاميرات صغيرة تتيح لها العمل كمجسات قريبة، تهتز تلقائيًا عندما يقترب المستخدم من جسم على بعد يتراوح بين 5 و40 سنتيمترًا. وتبرز أهمية هذه الرقع في قدرتها على تنبيه المستخدم بالعوائق القريبة التي قد لا تتمكن الكاميرا الأساسية من التقاطها فورًا، مما يعزز من الأمان الشخصي ويمنع الحوادث البسيطة التي قد تؤدي إلى إصابات.
تفاعل طبيعي مع البيئة المحيطة
من أبرز مزايا النظام الجديد أنه يسهل على المكفوفين التفاعل مع الأشياء المحيطة، فعند مدّ المستخدم يده نحو جسم معين، تهتز الرقع اللمسية في اللحظة المناسبة لتُعلمه بوقت الإمساك المناسب، وهو ما يُعد تطورًا نوعيًا في مساعدة المكفوفين على أداء المهام اليومية بشكل مستقل، مثل فتح الأبواب أو الإمساك بالكوب أو الهاتف، دون الحاجة إلى مساعدة من الآخرين.
نتائج مشجعة وتجارب واقعية
خضع هذا النظام المبتكر لسلسلة من الاختبارات الدقيقة لتقييم فعاليته، وذلك حسب ما نشرته مجلة علمية متخصصة. ففي تجربة أجريت داخل متاهة مغلقة بطول 25 مترًا، شارك 20 شخصًا يعانون من إعاقات بصرية، حيث أظهرت النتائج تحسنًا ملحوظًا في المسافات التي تمكّن المشاركون من قطعها، إلى جانب تقليص الزمن اللازم للتنقل، بزيادة كفاءة بلغت 25 بالمائة مقارنة باستخدام العصا التقليدية.
وفي تجربة أخرى أكثر دقة داخل غرف تحتوي على أثاث وعوائق متنوعة، استطاع 12 مشاركًا التنقل بنجاح بعد فترة قصيرة من التدريب على استخدام الجهاز، وبلغت سرعة تنقلهم مستوى مماثل لسرعتهم عند استخدام العصا، ما يدل على سهولة تعلم النظام واعتياد المستخدم عليه بسرعة.
اختبارات في الواقع اليومي
لم تقتصر التجارب على البيئات المغلقة فحسب، بل شملت أيضًا مواقف من الحياة الواقعية، حيث تم اختبار الجهاز مع 8 مستخدمين أثناء تجوالهم في شوارع المدينة، واجتيازهم لغرف اجتماعات مزدحمة وعقبات متنوعة. وقد أظهر النظام أداء مستقرًا وفعالية عالية في هذه الظروف المعقدة، مما يعزز من احتمالية تطبيقه عمليًا في الحياة اليومية، ويفتح آفاقًا جديدة لاستقلالية ذوي الإعاقات البصرية.
مستقبل أكثر استقلالية للمكفوفين
يمثل هذا النظام الذكي خطوة واعدة نحو تحسين جودة حياة المكفوفين، من خلال دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي والمجسات اللمسية بطريقة متطورة وعملية. فهو لا يعزز فقط من قدرة المستخدم على التنقل بأمان، بل يفتح أيضًا المجال أمام مزيد من التطويرات المستقبلية التي قد تشمل وظائف إضافية مثل قراءة النصوص أو التفاعل الصوتي. ويبقى الهدف الأسمى هو تمكين المكفوفين من الاعتماد على أنفسهم واستعادة جزء من استقلاليتهم في عالم متسارع لا يتوقف عن الابتكار.