
تشير أحدث التقديرات إلى أن واحدة من كبرى الشركات الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي رفعت بشكل ملحوظ توقعاتها المتعلقة بمعدل إنفاقها النقدي خلال السنوات المقبلة، حيث تشير الأرقام الجديدة إلى بلوغ حجم الصرف المتوقع حوالي 115 مليار دولار بحلول عام 2029، وذلك بزيادة ضخمة عن تقديرات سابقة لم تتجاوز 80 مليار دولار، وهو ما يعكس تصاعد الطموحات والتحديات التي تواجه هذا القطاع الحيوي.
شركات الذكاء الاصطناعي .. سباق على البنية التحتية الرقمية
هذه الأرقام لا تقتصر على كونها مجرد مؤشرات مالية، بل تكشف عن سباق متسارع في تطوير البنية التحتية الرقمية التي تقوم عليها تطبيقات الذكاء الاصطناعي، إذ إن الشركة باتت من أضخم المستأجرين لمراكز البيانات حول العالم، ومع تضاعف استخدام روبوتاتها الحوارية وخدماتها المتقدمة ارتفعت الحاجة إلى خوادم ذات قدرة هائلة، وهو ما يفسر ارتفاع تقديرات الإنفاق إلى أكثر من 8 مليارات دولار خلال العام الجاري فقط بزيادة تجاوزت مليارًا ونصف المليار عن توقعات سابقة، الأمر الذي يعكس الضغوط التشغيلية الناتجة عن التوسع الكبير في نطاق الاستخدام اليومي.
ولمواجهة هذه الضغوط، قررت الشركة الدخول في مسار جديد يتمثل في بناء شرائحها الخاصة وتشغيل مراكز بيانات بقدرات غير مسبوقة، حيث تخطط لإطلاق أول شريحة من إنتاجها العام المقبل بالشراكة مع كبرى شركات تصنيع الرقائق، على أن تستخدم هذه الشرائح داخليًا من دون طرحها في السوق، ما يعكس رغبتها في تقليل اعتمادها على الموردين الخارجيين وتعزيز استقلاليتها التقنية.
استثمارات هائلة ومشروعات مستقبلية
وفي خطوة لافتة، عززت الشركة تعاونها مع إحدى أكبر شركات التكنولوجيا في مجال مراكز البيانات، حيث يجري العمل على مشروع ضخم تصل قدرته إلى أربعة فاصلة خمسة جيغاواط ضمن مبادرة تحمل اسمًا استراتيجيا، وتقدر قيمة هذا المشروع بحوالي 500 مليار دولار، مع طموح للوصول إلى قدرة تشغيلية تبلغ 10جيغاواط في المدى البعيد، ويدخل ضمن هذه المبادرة مستثمرون عالميون كبار ما يوضح حجم الرهان على مستقبل الذكاء الاصطناعي كمحرك رئيسي للاقتصاد الرقمي.
وتتضمن خطط الشركة أيضًا توسيع قائمة شركائها في مجال الحوسبة السحابية، حيث أضافت مؤخرًا مزودًا جديدًا يعزز قدرتها على استيعاب الكم المتزايد من البيانات والتفاعلات اليومية، ويعكس هذا التوسع رغبتها في توزيع المخاطر التشغيلية وعدم الاعتماد على مصدر واحد فقط في البنية التحتية، ما يمنحها مرونة أكبر في تلبية الطلب العالمي المتنامي على تقنياتها.
شركات الذكاء الاصطناعي .. تحديات مالية في طريق التوسع
رغم هذه الطموحات الكبرى، إلا أن الأرقام المستقبلية تكشف عن تحديات مالية جسيمة، إذ من المتوقع أن يقفز استهلاك الشركة النقدي إلى 17 مليار دولار خلال العام المقبل، أي بزيادة 10 مليارات عن التقديرات السابقة، ثم يتصاعد تدريجيًا إلى 35 مليار دولار في عام 2027، و45 مليار دولار في 2028، وصولًا إلى 115 مليار دولار في 2029، وهو ما يثير تساؤلات حول قدرة الشركة على تمويل هذا المسار المتسارع من دون التأثير على استقرارها المالي.
ويرى مراقبون أن هذه الأرقام تعكس جانبين متناقضين، فمن ناحية تشير إلى ثقة الشركة في توسع سوق الذكاء الاصطناعي عالميًا، ومن ناحية أخرى تكشف عن مخاطر محتملة إذا لم تتناسب العائدات مع الزيادة الكبيرة في الإنفاق، خاصة أن المنافسة أصبحت أكثر شراسة مع دخول شركات دولية كبرى إلى السباق بما تحمله من خبرات وإمكانات مالية ضخمة.
تعكس هذه التوقعات صورة عن مرحلة جديدة يدخلها الذكاء الاصطناعي كصناعة استراتيجية يتجاوز تأثيرها حدود التطبيقات التقنية إلى إعادة تشكيل موازين القوى الاقتصادية عالميًا، وهو ما يجعل من متابعة مسار هذه الاستثمارات الهائلة ضرورة لفهم مستقبل الاقتصاد الرقمي خلال العقد المقبل.