أكد مصدر مطلع في الآلية الثلاثية المسهلة للحوار السوداني والمكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومجموعة الإيقاد، أن جلسات الحوار المقرر استئنافها سيتم تعليقها للسماح بالمزيد من المشاورات في ظل التباين الكبير في المواقف.
وقصرح المصدر نفسه، إن الآلية الثلاثية وبعد لقائها أول أمس مع ممثلي المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير رأت أنه لا جدوى من عقد الجلسة قبل أن تتضح المواقف بشكل جلي.
وأعلن عمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني ورئيس لجنة العلاقات الخارجية والاتصال بقوى الحرية والتغيير، في إيجاز صحفي عقب اللقاء مع الآلية الثلاثية، أن قوى الحرية والتغيير لن تكون طرفاً أو جزء من أي منبر أو أي عملية تهدف لشرعنه إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر، لكنها مستعدة للتعاطي الإيجابي مع الآلية الثلاثية لإنهاء تلك الإجراءات وما ترتب عليها واسترداد مسار التحول المدني الديموقراطي بسلطه مدنيه كاملة تمثل الجميع، على حد قوله.
وأكد الدقير، المضي في طريق المقاومة الجماهيرية بالوسائل السلمية بما في ذلك العمل السياسي.
وكشفت قوى إعلان الحرية والتغيير عقب لقاء مفاجئ مع ممثلي الجيش، عن رؤية لإنهاء الأزمة الحالية تقوم على إنهاء إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر وتسليم السلطة للمدنيين، وتوحيد الجيش وإبعاده عن الحياة السياسية، وإنهاء المسار الحالي لحوار الآلية الثلاثية المتمثلة في جَمع قوى مؤيدة لإجراءات الجيش وعناصر النظام البائد في العمليةِ السياسية وحصر إجراءاتها بين الذين قاموا بتلك الإجراءات والذين يقاومونه من قوى الثورة.
وكانت مصادر دبلوماسية غربية، قد كشفت في يناير عن رؤية للمجتمع الدولي لحل الأزمة السودانية تتكون من 4 عناصر أساسية أبرزها إلغاء مجلس السيادة والاستعاضة عنه بمجلس رئاسي شرفي يتكون من ثلاثة أعضاء مدنيين، ومنح العسكر مجلس مقترح للأمن والدفاع ولكن تحت إشراف رئيس الوزراء الذي سيمنح سلطات تنفيذية كاملة تشمل تشكيل حكومة كفاءات مستقلة بالكامل مع إعطاء تمثيل أكبر للمرأة، إضافة إلى إحياء وتعديل الوثيقة الدستورية الموقعة في العام 2019 والتي ألغى قائد الجيش عبد الفتاح البرهان عددا من بنودها الرئيسية ضمن الإجراءات التي اتخذها في الخامس والعشرين من أكتوبر.
وآثار غياب قوى الحرية والتغيير وقوى الثورة الرئيسية الأخرى، مثل تجمع المهنيين ولجان المقاومة عن الاجتماع الافتتاحي للحوار السوداني الذي ترعاه الآلية الثلاثية، شكوكا حول إمكانية نجاح الحوار الذي شارك فيه في جلسته الأولى التي عقدت الأربعاء فقط الشق العسكري ومجموعة من الأحزاب والمكونات الصغيرة الموالية لنظام الإخوان والمؤيدة لإجراءات البرهان.
وأقرت الآلية الثلاثية، بأنه من غير الممكن نجاح الحوار في الوصول إلى اتفاق لحل الأزمة في ظل غياب قوى الثورة الرئيسية التي قاطعت جلسة الانطلاق الأولى.
وأضاف الناطق الرسمي باسم الآلية في بيان، إن قوى سياسية أساسيّة تغيبت عن المشاركة في الاجتماع، وعلى رأسها المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير وحزب الأمة والحزب الشيوعي السوداني ومجموعة حقوق المرأة وتجمّع المهنيين السودانيين ولجان المقاومة.
لماذا يفشل الحراك المدني في تحقيق مطالبه..
خرجت في العاصمة السودانية الخرطوم أول أمس، مظاهرات واحتجاجات بالتزامن مع ذكرى عزل الرئيس السابق عمر البشير عام 2019، إثر دعوة أطلقتها لجان المقاومة وقوى سياسية.
وبعد 3 عقود بالحكم، وعقب احتجاجات شعبية منددة بتردي الوضع الاقتصادي، عزل الجيش، الرئيس السابق البشير من الرئاسة في 11 أفريل 2019، وأُودع مع آخرين من أركان نظامه السجن.
وقالت عدد من اللجان المنظمة، إن أبرز أهداف هذه المظاهرات التي استمرت بعد انقلاب 25 أكتوبر هو قطع الطريق أمام ما وصفوه بعودة حزب المؤتمر الوطني، ولاستكمال مهام الثورة وإقامة الحكم المدني.
وردد المتظاهرون في احتجاجاتهم، هتافات تطالب بمدنية الدولة والعدالة لضحايا الاحتجاجات وإبعاد العسكر عن السلطة، ويطالب المتظاهرون بعودة مسار الانتقال الديمقراطي إلى ما قبل الـ25 من شهر أكتوبر الماضي.
هل فشل الحراك المدني..
وفي هذا الإطار، رأى رئيس تحرير صحيفة “التيار” عثمان الميرغني أن الحراك الجماهيري الميداني منذ الانقلاب، لا يقابله أي مسار آخر سياسي تتولاه الأحزاب والقوى السياسية الأخرى، والتي من شأنها أن تبلور هذا الحراك في شكل مطالب وأجندة يمكن أن تتحقق على الأرض.
وأشار، من العاصمة الخرطوم، إلى أنه على الرغم من أن الحراك استطاع تحقيق الضغط المطلوب على جميع الأطراف بما فيها المعارضة والمجتمع الدولي، إلا أنه لم يحقق مكاسب سياسية على الأرض لعدم وجود مشروع واضح ما بعد الانقلاب، ما يؤثر على جدوى المظاهرات في السودان.
ولفت الميرغني، إلى أن خلافات المكونات السياسية كبيرة بدرجة أنها لا تسمح لها بتكوين مشروع سياسي، وأصبحت تنتظر سقوط النظام العسكري أولًا، ومن ثم التفيكر بمن هو البديل له، وتابع أن الحل لا يكمن في العسكر، وذلك بعد أن انقضوا على الشراكة مع المكون المدني والوثيقة الدستورية، وأن سلطة الأمر الواقع في السودان لم تنجح حتى في تكوين حكومة، لافتًا إلى أنه بعد مرور 6 أشهر على الانقلاب لا يوجد حكومة في البلاد حتى تتعامل مع المجتمع الدولي.
وأردف الميرغني، أنه كان من الممكن أن يقابل غياب الحكومة في البلاد حراك مدني يمكنه تسويقه للمجتمع الدولي.
لم تبلغ سن الرشد
وأضاف نفس المتحدث، أن المجتمع الدولي يعتبر أن المكونات المدنية “لم تبلغ سن الرشد” لتدير الدولة لوحدها، وأنه يحاول الموازنة بين أن تكون هناك قوى مدنية قابلة لأن تتولى الحكم يومًا ما، وأن تستند إلى شراكة مع المكون العسكري لحين تصبح قادرة على تولي الحكم بمفردها، لكنه أضاف أن هذا الحل الجزئي لا يتوفر في ظل وجود خلافات بين المكونات المدنية.
واعتبر الميرغني، أن الضغوط التي يمارسها المجتمع الدولي في تكوين حكومة مدنية، بلا جدوى، لأن الجانب المدني لا يوفر البدائل التي يمكن أن يعوّل عليها المجتمع الدولي ليمارس ضغوطًا أكثر على المكون العسكري ليستعيد الشراكة أو يؤسس لحكومة مدنية تنفيذية على مستوى مجلس الوزراء.
ورأى، أن إيقاف الدعم والمساعدات للسودان يمكن أن تشكل ضغطًا على حكم العسكر في السودان، لأن الاقتصاد يضرب أركان الدولة السودانية ويؤثر على العسكر والمعارضة معًا، وفي أن يكون السودان دولة متماسكة.
وختم الميرغني، أن السودان أمام مستقبل مجهول في ظل الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد، لافتًا إلى أنه في حال استمرارها فإنها ستتحول إلى أزمة أمنية كبيرة.
ويشهد السودان منذ 25 أكتوبر الماضي احتجاجات ترفض إجراءات استثنائية اتخذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، أبرزها فرض حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، ومقابل اتهامات له بتنفيذ انقلاب عسكري، قال البرهان إنه اتخذ هذه الإجراءات لتصحيح مسار المرحلة الانتقالية، وتعهد بتسليم السلطة إما عبر انتخابات أو توافق وطني.
وقبل هذه الإجراءات، بدأت بالسودان في 21 أوت 2019 مرحلة انتقالية تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، يتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام عام 2020.