
شيع مئات الفلسطينيين يوم أمس، جثمان الشهيد أحمد السعدي في مخيم جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة.
وكانت وزارة الصحة الفلسطينية، أفادت باستشهاد شاب وصل مستشفى جنين الحكومي مصابًا برصاصة في الرأس وأخرى في الصدر، وإصابة 14 آخرين خلال اشتباكات مسلحة مع قوات الاحتلال.
واستشهد السعدي يوم أمس، وأصيب الباقون في الاشتباكات بعد اقتحام القوات الإسرائيلية مخيم جنين ومحاصرة منزل الشهيد رعد حازم منفذ عملية “تل أبيب”، وشنت قوات الاحتلال حملة مداهمات واسعة لعشرات المنازل في المخيم ما أدى لاشتباكات مع المقاومين.
وفيما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، بأن اقتحام المخيم كان يهدف إلى اعتقال والد الشهيد حازم، أكد المصدر أن القوة الإسرائيلية انسحبت من المكان من دون أن تتمكن من تنفيذ عملية الاعتقال.
دماء الشهداء لن تذهب هدرًا
بدورها، قالت حركة الجهاد الإسلامي إن الشهيد أحمد السعدي هو أحد عناصر سرايا القدس، الجناح المسلّح لها، وقال طارق سلمي المتحدث باسم الحركة، المجاهد أحمد السعدي، أحد مقاتلي سرايا القدس، وقادتها، ارتقى شهيدًا، أثناء قيامه بواجبه الجهادي والشرعي في قتال العدو.
واتهمت الحركة إسرائيل، بمحاولة تصدير أزماتها الداخلية والخروج من حالة الصدمة التي شكّلتها عمليات المقاومة في عمق مستوطناتها، بالعدوان على الشعب، وحذّرت الحركة، إسرائيل من استمرار عدوانها، قائلة إنها لن تسمح للعدو بأن يستفرد بأبناء شعبها.
من جهتها، دعت حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، إلى التصعيد في الضفة الغربية في مواجهة جرائم الاحتلال ومستوطنيه، ونصرة لسكان مخيم جنين، وحذّرت الحركة إسرائيل، من أن دماء الشهداء لن تذهب هدرًا.
تعزيزات إسرائيلية إضافية إلى “خط التماس“
وعلى المقلب الآخر، قال الجيش الإسرائيلي في بيان إنه نفذ صباح يوم أمس عملية في مخيم جنين بالاشتراك مع قوات حرس الحدود التابعة للشرطة، وأضاف خلال العملية أطلق الجنود النار على مسلحين يعرضون القوات للخطر.
وفي سياق متصل، أعلن الجيش الإسرائيلي، تعزيز قواته المنتشرة في منطقة خط التماس بالضفة الغربية المحتلة بثلاث كتائب إضافية، وذلك للمرة الثالثة خلال أقل من أسبوعين، وأكد الجيش أنه في نهاية تقييم الوضع بالجيش الإسرائيلي، تقرر الدفع بثلاث كتائب أخرى إلى خط التماس في يهودا والسامرة -التسمية التوراتية للضفة الغربية- ابتداء من يوم أمس.
ومنطقة “خط التماس”، خطة أمنية إسرائيلية قائمة على الوجود العسكري في المنطقة القريبة من الخط الأخضر والقدس وأحيائها والكتل الاستيطانية الكبرى بالضفة الغربية، بهدف منع تسلل فلسطينيين إلى إسرائيل، وتشمل مناطق الاحتكاك ومنافذ جدار الفصل والسياج الأمني.
وفي 29 مارس الماضي أعلن الجيش الإسرائيلي، إرسال 4 كتائب إضافية لمنطقة التماس، عقب هجوم مسلح أسفر عن مقتل 5 إسرائيليين بمدينة “بني براك”، وقبل ذلك بيومين، كان الجيش قد أعلن إرسال تعزيزات إلى منطقة خط التماس بعد عملية إطلاق نار هي الثانية خلال أيام داخل الخط الأخضر، قتل على إثرها شرطيان إسرائيليان.
عملية “تل أبيب“
وتأتي هذه التعزيزات الإضافية الجديدة، بعد يومين من عملية تل أبيب التي نفذها الشهيد رعد حازم التي أسفرت عن مقتل 3 إسرائيليين وإصابة 10 آخرين.
وجاءت عملية تل أبيب التي وقعت الخميس، في ظلّ تأهب عالٍ في صفوف القوات الإسرائيلية، وفي ظلّ إجراءات أمنية كثيفة وغير مسبوقة، لا سيما وأنها الرابعة خلال الأسابيع الأخيرة.
وبعدما كان أُفيد عن عملية عسكرية موسعة يقوم بها جيش الاحتلال في مناطق فلسطينية متفرقة، تحت اسم “كاسر الأمواج”، وسط تخوف من أن تُشكل هذه العمليات مصدر إلهام لفلسطينيين آخرين، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت أنه منح الأمن الإسرائيلي حرية العمل كاملة لوقف العمليات.
وصرح بينيت في مؤتمر صحافي عقده، يوم أول أمس بمقر وزارة الدفاع، بمشاركة وزيرَي الدفاع بيني غانتس والأمن الداخلي عومر بارليف، إنه قرّر الإبقاء على حالة التأهب.
أزيز الرصاص الفلسطيني يُسمَع في العمق الإسرائيلي
لأربع مرّات خلال أقلّ من شهر واحد، اجتاحت العمق الإسرائيلي سلسلة من الهجمات، أسفرت عن سقوط عدد من القتلى والجرحى.
وإذا كانت هذه الهجمات تركزت داخل ما يُعرَف بالخط الأخضر، وتنقّلت شعلتها من بئر السبع إلى الخضيرة وبني براك، فإن الهجوم الأخير كان وسط تل أبيب نفسها.
وقد باغتت هذه الهجمات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، فيما سارعت السلطات إلى الردّ عبر إطلاق يد قواتها الأمنية؛ وبمزيد من الاعتقالات في صفوف الفلسطينيين.
إزاء ذلك، تُطرَح علامات استفهام بالجملة عن دلالات هذه الهجمات المتتالية وكيف ستنعكس على سلوك إسرائيل في التعامل مع الفلسطينيين لا سيما في الضفة الغربية المحتلة.
ما الذي يميّز الهجمات الفدائية الأخيرة
لعل ما يميز سلسلة الهجمات الفدائية الأخيرة، وهي الأولى من نوعها منذ سنوات، أنه لا أحد يعرف أين محطتها التالية، إذ تبدو وكأنها موجة جديدة من الهجمات تذكّر بتلك التي وقعت عام 2015.
ما يميزها أيضا أنها ليست بالسلاح الأبيض، حيث لم يترك أي فصيل فلسطيني بصماته عليها، إذ يبدو أن ما يجمع بينها هي صفة الفردية، وإن كانت حاضنة بعض منفّذيها جنين بالضفة الغربية، وإن حظيت بتأييد فصائل المقاومة الفلسطينية وتنديد سلطة رام الله.
تتميز هذه الهجمات أيضا بعنصر المفاجأة، فقد باغتت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ولا سيما أنّها وقعت من دون أن تسبقها تحذيرات استخباراتية.
للمكان والزمان دلالاته أيضًا، فقد كانت الانطلاقة على أعتاب شهر رمضان، وهو الشهر الذي يتعقد فيه المشهد وتزداد التوترات التي تسبّبها قيود الاحتلال على المسجد الأقصى، والتي تزيدها حدّة استفزازات المتطرفين الذين تُشرَع أمامهم أبواب المسجد.
القضية الفلسطينية واحدة
أما المكان فهناك في الداخل حيث يتنامى تحريض اليمين المتطرف على الفلسطينيين منذ ما عُرِف بهبّة الكرامة التي تزامنت مع الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة.
في هذا السياق، تبرز معادلة جديدة، فالقضية الفلسطينية واحدة سواء في الداخل أو الضفة أو غزة أو القدس، لا تبدو الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في وارد حل هذا الصراع، تمعن في الركون للقبضة الأمنية يطلق رئيس الوزراء نفتالي بينيت يد الإسرائيليين في حمل السلاح يقرأه مراقبون فشلًا للمنظومة الأمنية الإسرائيلية في الحيولة دون وقوع مثل هذه الهجمات.
يطلق بينيت يدها أيضًا، فحكومته مهدّدة بالسقوط بعد فقدانه الأغلبية النيابية، إذًا هو منهج التصعيد الذي قد يدفع بالأوضاع نحو الانفجار ليس في الضفة الغربية والقدس المحتلة فحسب بل وحتى داخل الخط الأخضر.
وما يزيد من المخاطر، أن العقلية الحاكمة في إسرائيل ليست بصدد تبنّي حلّ الدولتين الذي لا يزال حبرًا على ورق لم يرَ النور بعد.
انتفاضة حقيقية
يرى الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي، أّن ما تعيشه الأراضي الفلسطينية المحتلة هو حالة انتفاضة حقيقية انطلقت منذ عام 2015.
ويشير أيضا، إلى أن هذه الانتفاضة تختلف عن الانتفاضتين الأولى والثانية بطابعها وشكلها وأنماط عملها، وهي تجري بالأساس على شكل موجات، ويقول رأينا موجة كبيرة في عام 2017 عندما أفشل الفلسطينيون مؤامرة البوابات الإلكترونية على أبواب المسجد الأقصى، وفي العام الماضي رأينا أمرًا مماثلًا في معركة القدس والآن نرى أشكالًا جديدة تتصاعد باستمرار.
ويخلص، إلى أن جوهر الأمر أن الفلسطينيين ينتفضون بعد 28 عامًا على اتفاق أوسلو الذي فشل وبعد كل الإستراتيجية التي اعتمدت على المفاوضات وعلى إمكانية أن تقوم الولايات المتحدة بدور تفاوضي إلى آخره.
ويضيف كذلك، هذه من العوامل الأساسية التي أقنعت معظم الشعب الفلسطيني إن لم يكن غالبيته الساحقة ألا حل سوى المقاومة والكفاح؛ خصوصًا مع تصاعد القمع والتنكيل الإسرائيلي ومع ترسخ نظام الأبارتيد والفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني.
كما يلفت، إلى فقدان الثقة بالمجتمع الدولي خصوصًا بعدما تجلى أثناء الحرب الأوكرانية الأخيرة من ازدواجية رهيبة في المعايير وشعور الفلسطينيين بأن هناك تمييزًا صارخًا على الصعيد الدولي ضدّهم.
عمليات المقاومة مستمرة منذ الانتفاضة الأولى
من جهته، يلفت الباحث المتخصص بالشؤون الإسرائيلية صالح النعامي إلى أنّ الموضوع لم يبدأ منذ عام 2015 بل منذ اندلاع الانتفاضة الأولى، حيث يواصل الشعب الفلسطيني منذ ذلك الوقت عمليات المقاومة بكل أشكالها.
ويوضح في ذات السياق، أن هناك جملة من المعيقات التي تؤثر على وتيرة العمل المقاوم ومن ضمنها إجراءات إسرائيل القمعية ولكن أيضًا تعاون السلطة الأمني، ولولا ذلك لوجدنا الكثير من مثل هذه العمليات.
ويلفت، إلى أن هذه العمليات فردية لأن الكيان الصهيوني بالتعاون مع أجهزة السلطة الأمنية قاموا بتجفيف بيئة المقاومة عن طريق عمليات الاعتقال اليومي، مشيرًا إلى أن التعاون الأمني يهدف إلى وأد أي محاولة للعمل المقاوم عن طريق حركات المقاومة.
ويضيف لذلك، نجد أن مثل هؤلاء الشباب يتصرفون بشكل فردي ومع ذلك يحدثون هذا الأثر الكبير على العمق الإسرائيلي، وقد لاحظنا بالأمس كيف دفعت إسرائيل بتعزيزات إضافية فقط لملاحقة شاب فلسطيني واحد.