الثـقــافــة

تحت شعار” فضاء مفتوح على الكتاب واعتراف بصناعه””

اصدارين جديدين للباحث صلاح الدين بن نعوم بمعسكر

تتواصل جلسات منتدى الكتاب تحت إشراف المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية بمعسكر، وهذه المرة كانت الجلسة مع الباحث صلاح الدين بن نعوم، بموضوع يدور محور حديثه حول (أبو راس الناصري قاضي أم العساكر وحافظ الجزائر إرشاد المريدين إلى طريق الواصلين).

وعليه نظمت المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية بمعسكر بالتنسيق مع نادي بيت الحكمة والأدب والفنون منتدى الكتاب (العدد الثاني والثلاثون) وقد تم استضافة الأستاذ الباحث صلاح الدين بن نعوم لقراءة إصدارين جديدين، بحضور أساتذة وكتاب من ولاية معسكر على غرار حجايل بلقاسم مختار، هذا اللقاء الذي كان من تنشيط الأستاذ محمد الأمين جبار.

تدخل السيد مدير المكتبة الرئيسية قائلا:” يعتبر منتدى الكتاب” كفضاء “للحوار والنقاش والنقد، يمكن بدوره من خلق الحالة الثقافية الجيدة والمؤسسة لميلاد المواهب مع استقطاب المجتمع المدني الذي يضطلع بالدور الاجتماعي كي تصبح القراءة سلوكا يوميا لأبنائنا وللناشئة من أجل تحصيل علمي ممتاز أولا، ومن أجل اكتشاف المواهب الجديدة دون إهمال الاستثمار الناجع في القراءة الرقمية والمصادر التكنولوجية فمنتدى الكتاب” نافدة ثقافية تجمع المؤلفين والقراء”. تظاهرة “منتدى الكتاب”، ترمي إلى ترقية المطالعة والمقروئية من خلال التعريف بمختلف الكتاب والمؤلفين الجزائريين وتشجيعهم، وتقديم فرص للمجتمع لخوض تجارب ثقافية من خلال ربط الكتاب بالقارئ، تحت شعار” فضاء مفتوح على الكتاب واعتراف بصناعه”.

 

كان يُفتي طلبته بالمذاهب الأربعة المعروفة

قام الباحث بتقديم إصداراته أمام الحاضرين واستهله بالشيخ أبو راس الناصري، تعلّم الشيخ على والده أول الأمر، فحفظ على يديه معظم القرآن الكريم، لكنّه أتقنه على يد الشيخ منصور الضرير، كما درس على علماء معسكر ثم أسّس بوسط المدينة مدرسة عرفت بالمدرسة المحمدية أو مكتبة المذاهب الأربعة، وذلك لتحرره العلمي في ذلك الزمان المعروف بالتعصّب، فقد كان يُفتي طلبته بالمذاهب الأربعة المعروفة عند أهل السنة والجماعة، وقد بلغ عدد من حضر دروسه فيها المئات. كان  أبو راس الناضري، من العلماء المكثرين في التأليف، فإنه كان يفخر بكونه لا يعلم أحدا الّف أكثر منه فقال:” ما أعلم أحدا أكثَرَ التآليف بعده غيري، والكمال لله”. كثيرا ما وصفت الجزائر خلال التّواجد العثماني بها بالجمود الحضاري والفكري، وأنها دولة عسكرية ودار جهاد مثلما أشار إليه الرّحالة توماس شو حينما أوضح الطّابع الحربي العسكري للدّولة وإهمالها للجانب الفكري على حدّ قوله، ورغم هذا كلّه إلّا أنها شهدت عددا كبيرا من المبادرات الفكرية والتّأليفيّة، اعتبرت مساهمات لإثراء الحياة الثقافية والعلمية داخل إطار عدد من المؤسّسات التّعليمية كالزّوايا والمدارس والكتاتيب، والتّي أنشئت في مدن وحواضر لا طالما اشتهرت بصيت وازدهار ثقافيين وافرين كبجاية وتلمسان ومازونة وقسنطينة ومعسكر، ومن هذه الأخيرة معسكر اخترنا شخصية أبي رأس الناصري موضوعا لبحثنا.

 

شهرته في علمه الواسع وكثرة حفظه

إن الموضوع الذي نقترحه في هذه الدراسة يبحث في تراث (أبي رأس الناصري المعسكري – 1165-1238هـ/1751-) المخطوط، ذلك أن مترجمنا واحدا من الأئمة المكثرين من التأليف أكثر (أبو راس) من التأليف كثرة لا يضاهيه فيها من الجزائريين أحد حسب علمنا باستثناء (أحمد البوني) الذي تجاوزت تآليفه المائة”، وعن طبيعة مؤلفاته يشير سعد الله “،وغلب على أبي راس، في تأليفه جميعا طابع العصر (أواخر العهد العثماني) فشرح المتون وحشّى الشروح، بل جعل للمتن الواحد أكثر من شروح، واعتمد على حفظه فأكثر في التأليف من التكرار والاستطراد، وذكر الغرائب والعجائب واللطائف تماشيا مع بضاعة العصر من جهة وترويحا عن النفس من جهة أخرى”. وأما عن تنوع الحقول المعرفية التي ألف فيها أبا راس يقول مؤرخنا “ولم يركز أبو راس جهده الفكري على تخصص معين بل تناول كل التخصصات تقريبا”. لم يكتفي (أبو رأس الناصري) بالتنقل بين مدن الغرب الجزائري فحسب بل تنقل إلى مدينة الجزائر فقسنطينة، ثم تونس ومصر والحجاز ثم الشام وفلسطين وكان بدء سفره إلى المشرق سنة 1204هـ وعرف (أبوراس الناصري) في هذه البلدان بعلمه الواسع وكثرة حفظه، حتى لقب في مصر بشيخ الإسلام وصار عند المصريين شهيرا بعد امتحانهم له. ركب البحر إلى مصر، ولقي بها أهل العلم والأدب، منهم الشّيخ مرتضى الذي روى عنه أوائل (الصّحيحين)، و(رسالة القشيري) في التصوّف، و(مختصر العين)، و(مختصر الكنز الراقي).

 

تُشَدُّ الرحال إليه لتدريس الأذكار وتلقينها

كما لقي الشيخ عصمان الحنبلي الذي قرأ عليه المذهب الحنبلي. بعدها قدم إصداره كذلك حول وُلد الإمام المجاهد محيي الدين، سنة تسعين ومائة وألف 1190هـ، وتوفِّي في ربيع الأوَّل، سنة تسع وأربعين ومائتين وألف 1249هـ، 1833م، ودُفن في مقبرة جده الثالث سيدي قادة، وكان رحمه الله في العقد الخامس من عمره حين توفِّي، ويعني هذا أنه لم يعمَّر طويلاً كان رحمه الله متفنِّنًا في العلوم، مرجوعًا إليه في المنطوق والمفهوم، وإليه تُشَدُّ الرحال لتدريس الأذكار وتلقينها، مقصودًا لأجلها من الضواحي والأمصار، تابعًا للسنَّة المطهرة، مُحَبِّبًا في العلم وأهله، مشتغلًا بربِّه قلبًا وسمعًا، مُعرِضًا عن الدنيا تطبُّعًا وطبعًا، له علوٌ ومعرفة تامة في الرواية، وإمامة كبيرة في الإتقان والدراية، ومراتب عليَّة في الزهد والولاية.

 

الزاهد والمتصوف والقائد الذي يعتبر أحد رواد الطريقة القادرية

من بين الشخصيات الوطنية التي لم تنل نصيبها في الكتابة التاريخية نذكر شخصية الشيخ محيي الدين بن مصطفى، التي قلما تطرق إليها المؤرخون خاصة المؤرخون الجزائريون لعدة اعتبارات ولعل أهمها اقتران هذه الشخصية مباشرة بشخصية الابن (عبد القادر) الذي نال كل الاعتراف والتقدير لكونه مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة بمفهومها الوطني، وأهم قائد للمقاومة الشعبية بعد الغزو الفرنسي للبلاد منذ بيعته سنة 1832. ويعتبر الشيخ (محيي الدين بن مصطفى) من الشخصيات المخضرمة التي عايشت نهاية الحكم العثماني وبداية الاحتلال الفرنسي، فهو ذلك الزاهد والمتصوف والقائد الذي يعتبر أحد رواد الطريقة القادرية في الغرب الجزائري أيام الحكم العثماني. الإمام القائد مُحيي الدين بن المصطفى والد الأمير عبد القادر هو أول قائد جزائري أجمع عليه أهل الحل والعقد، وأكثرية أعيان القبائل الجزائرية، وأسرعوا إلى مبايعته على إمارة البلاد، بعد انهيار سلطة داي مدينة الجزائر، وداي وهران وعنابة، وتسليمهم المدن للفرنسيين، ولكن الإمام محيي الدين رفض الإمارة بإصرار قطعي، واكتفى بقيادة سرايا المقاومة في ثلاث معارك، انتصر فيها كلها وهي: واقعة خنق النطاح الأولى والثانية وبرج رأس العين وبعد أن عجز القوم عن إيجاد أمير للبلاد، يتقبَّل هذا المنصب الضروري ويستطيع تحمُّل أعبائه، أحال الإمام (محيي الدين) بيعته إلى الأجدر من أبنائه الستة، بعد أن غرس فيهم اللبنةَ الأولى للجهاد الحربي والسياسي والثقافي تفقَّه على والده الإمام (مصطفى)، وغيره من علماء الجزائر.

 

مسموع الكلمة ومهابً مطاعًا

رحل إلى مستغانم، فأخذ عن علمائها علومًا جمة وأجازوه فيها على ما اصطلح عليه الأئمة، أنه مالكي المذهب، أشعري الاعتقاد، وكان مسموع الكلمة، مهابً مطاعًا، وضع الله له في قلوب الخلق من الهيبة ما لم يوضع لغيره من الأئمة، من أهل قطره في عصره السلطنة، أواخر الخمسين عامًا من حكمهم قصيدة (السنوسي ضُمِّنت قولاً يستحق أن يكتب بماء الذهب، ووردت أبياتها أيضًا في مصدر طلوع سعد السعود للمزاري المخزني)، ولكن بعد مطابقتها مع الأصل في مخطوطة تحفة الزائر تبيَّن أن بعض الأبيات التي ذكرها (المزاري) على خلاف مع الأصل في بعض الألفاظ، ولكنها في المعنى ذاته عَوِّلْ على الصَّبرِ لا تُفزِعْكَ أشجانُ ولا تَرُعْكَ بما فاجَتْكَ وَهران بَلَى هي الدَّار لا تأمَنْ غَوائِلَها   بَلى هي الدَّار أغيارٌ وأحزانُ تُخفي الدَّسائِسَ لم تُعرَفْ لها حِيَلٌ وليس تَعقدُها والله إيمانُ. وفي الأخير تم تكريم الباحث صلاح الدين بن نعوم، والذي بدوره أهدى مجموعة من أعماله لإثراء رصيد المكتبة.

مختار سلطاني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى