
يعد السد الأخضر أحد أبرز المشاريع الوطنية الاستراتيجية، إذ يجمع بين البعد البيئي والاقتصادي والاجتماعي في آن واحد، فهو جدار طبيعي في مواجهة التغيرات المناخية، ومتنفّس للتنمية المستدامة يهدف إلى تحسين ظروف معيشة السكان المحليين وخلق فرص اقتصادية جديدة.
ويطمح هذا المشروع الواعد إلى توسيع الغطاء الغابي ليبلغ 4.7 مليون هكتار، من خلال تشجير 400 ألف هكتار إضافية في أفق 2027، ليكون بذلك نموذجًا عمليًا يوازن بين حماية البيئة وتثمين الموارد الطبيعية.
ومنذ إعطاء إشارة انطلاق مرحلته الأولى من قِبل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في أكتوبر الماضي من ولاية الجلفة، يشهد السد الأخضر تقدّمًا ملحوظًا على مختلف الأصعدة، مع الاستعداد لإطلاق منصته الرقمية خلال سنة 2025.
وتؤكد المديرية العامة للغابات أن الرؤية الجديدة للمشروع لا تقتصر على التشجير فقط، بل تقوم على اعتماد أصناف نباتية متكيفة مع طبيعة التربة والظروف المناخية، بما يضمن استدامة الموارد الغابية واستثمارها في إطار تشاركي مع السكان المحليين.
كما يفتح المشروع آفاقًا واسعة لإشراك الشباب، عبر تمكينهم من المساهمة في عمليات الغرس، والصيانة، ومتابعة المساحات المعاد تشجيرها، إضافة إلى مشاريع مكمّلة كفتح المسالك الغابية وتدعيم الموارد المائية، بما يعكس روحًا جديدة لمبادرة تنموية طموحة بحجم السد الأخضر.
هذا وبلغت الميزانية المرصودة لمشروع إعادة تأهيل السد الأخضر 75 مليون دينار جزائري للفترة الممتدة بين 2023 و2030، موجهة لتمويل مختلف العمليات المسجلة ضمن المخطط المتعدد القطاعات، ويهدف هذا البرنامج إلى غرس أصناف نباتية اقتصادية وسريعة النمو تتحمل الجفاف، مثل الخروب والزيتون والفستق.
وفي ولاية خنشلة، إحدى الولايات الـ13 المعنية بالمشروع، تم اعتماد مبادرة مبتكرة تقضي بإنشاء شريط من أشجار الزيتون على مساحة 909 هكتارات بمحاذاة وادي العرب، وهو مجال يتميز بنشاط فلاحي مكثف، وقد أُسند تنفيذ المشروع وصيانته إلى شباب ناشطين في المجال الفلاحي، بهدف دعم النشاط الزراعي المحلي وخلق فرص عمل جديدة.
كما شهدت الولاية نفسها تعديلًا في أحد البرامج استجابةً لطلبات السكان، حيث تم استبدال المساحة المخصصة في البداية لغرس نبات “الأتريبلكس” (المستعمل كعلف) والبالغة 100 هكتار، بأشجار التين الشوكي، نظرًا للمعرفة المحلية الواسعة بزراعته وقيمة منتجاته المشتقة، مما يعكس اندماج الخبرة في إنجاح أهداف المشروع.
نتائج مشجعة في مجال تثبيت الكثبان
في إطار الجهود المبذولة لتعزيز قدرة السكان على مواجهة التغيرات المناخية وظاهرة التصحر في المناطق الرعوية، أوضحت المديرية العامة للغابات أن أولى العمليات الموجهة لتثبيت الكثبان عبر إعادة بعث الغطاء النباتي في منطقة المصران بولاية الجلفة حققت نتائج جد إيجابية، وأضافت أن هذه المنطقة كانت من بين أكثر المناطق تضررًا بالعواصف الرملية، الأمر الذي أجبر العديد من سكانها على النزوح، غير أن النتائج الملموسة للمشروع الأول لتثبيت الكثبان، سواء من حيث الحد من زحف الرمال أو استعادة التوازن البيئي، أعادت الأمل للسكان وشجعتهم على الالتزام بالحفاظ على هذه المكتسبات.
كما أشارت المديرية العامة للغابات إلى الانتهاء من إعداد البرنامج الخاص بتثبيت الكثبان داخل محيط السد الأخضر وعلى أطرافه في ولايات المسيلة، النعامة، البيض والأغواط. وبالتوازي مع ذلك، تم في بعض المناطق الرعوية اللجوء إلى تقنية التسييج من أجل تعزيز التربة وحماية النباتات في طور النمو، حيث شملت العملية 200 هكتار بولاية باتنة و6000 هكتار بولاية الأغواط.
وفي سياق متصل، ووفق التوجهات الرامية إلى رقمنة القطاع الفلاحي، يجري حاليًا العمل على رقمنة مشروع تأهيل السد الأخضر. وقد بلغت نسبة تقدم المنصة الرقمية الخاصة به 90 بالمائة، وستتيح هذه المنصة آليات متابعة آنية ودائمة لمراحل إنجاز البرامج، إلى جانب مهام المراقبة وتقييم مختلف العمليات الميدانية.
يهدف مشروع بعث السد الأخضر إلى توسيع مساحته من 3,7 مليون هكتار إلى نحو 4,7 مليون هكتار، موزعة على 13 ولاية و183 بلدية وأكثر من 1200 كلم تمتد من شرق البلاد إلى غربها. ويتكون السد الأخضر من فضاءات متنوعة، حيث تشكل المجالات الرعوية ما نسبته 63 بالمائة بمساحة تناهز 2,33 مليون هكتار مغطاة بالحلفاء والأصناف العلفية، في حين تمثل الغابات 18 بالمائة من المساحة بما يزيد عن 600 ألف هكتار، أما الأراضي الفلاحية فتستحوذ على 16 بالمائة أي ما يفوق 500 ألف هكتار.
د.ابراهيم سلامي