
بعد أسابيع فقط من إطلاق روبوت الدردشة التوليدي الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي في 30 نوفمبر من عام 2022، كان من المتوقع أن تحقق شركة (أوبن إيه آي) غير الربحية التي تقف وراء( شات جي بي تي)، إيرادات تصل إلى مليار دولار خلال العام الجاري 2024، حسبما قالت مصادر لرويترز في ذلك الوقت.
فقدرة ما يسمى بنموذج اللغة الكبير على تحويل الأوامر والطلبات الخاصة بالمستخدمين إلى شِعر وأغان ومقالات؛ سحرت 100 مليون مستخدم في غضون شهرين، محققة ما استغرقه فيسبوك في أربع سنوات ونصف، وما استغرقه تويتر في خمس سنوات، ليصبح أسرع تطبيق استهلاكي نموا على الإطلاق.
أخطاء لم تستنزف الحماس أو توقف الرعب
وفي بعض الأحيان كانت الإجابات خاطئة، على الرغم من أنها تقدم بشكل مقنع. وقد حدث هذا في كثير من الأحيان لدرجة أن كلمة “هلوسة”، التي تعني قيام الذكاء الاصطناعي باستحداث معلومات خاطئة، اختيرت “كلمة العام” على موقع (ديكشنري دوت كوم)، مما أظهر الانطباعات العميقة التي خلفتها التكنولوجيا على المجتمع. ولكن مثل هذه الأخطاء لم تستنزف الحماس أو توقف الرعب الذي ألهمته هذه التكنولوجيا الجديدة، فقد ضخ المستثمرون بقيادة (مايكروسوفت) مليارات الدولارات على (أوبن إيه آي) والشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي في عام 2023، وبلغت هذه الاستثمارات 27 مليارا وفقا لشركة (بتش بوك). وفجأة أصبحت المعركة من أجل تفوق الذكاء الاصطناعي التي كانت تدور في الخلفية بين شركات التكنولوجيا الكبرى لسنوات، في بؤرة التركيز مع إعلان كل من (ألفابت) و(ميتا) و(أمازون دوت كوم) عن منتجات جديدة. وبحلول شهر مارس 2023، وقّع الآلاف من العلماء وخبراء الذكاء الاصطناعي -بما في ذلك إيلون ماسك- على رسالة مفتوحة تطالب بالتوقف مؤقتا عن تدريب أنظمة أكثر قوة لدراسة تأثيرها على البشرية والخطر المحتمل عليها. وقال أحد “عرابي الذكاء الاصطناعي” وهو جيفري هينتون الذي استقال من شركة ألفابت في ماي:” هذا خطر وجودي، إنه قريب بما فيه الكفاية بحيث يجب علينا أن نعمل بجد الآن، وأن نخصص الكثير من الموارد لمعرفة ما يمكننا القيام به حيال ذلك”.
ثورة الذكاء الاصطناعي.. ما المهم؟
وقدرت شركة (برايس) و(وترهاوس كوبرز) الاستشارية أن التأثير الاقتصادي المرتبط بالذكاء الاصطناعي يمكن أن يصل إلى 15.7 تريليون دولار على مستوى العالم بحلول عام 2030، أي ما يقرب من الناتج المحلي الإجمالي للصين. ومما يعزز هذا التفاؤل بالنمو حقيقة أن كل الصناعات تقريبا -بدءا من التمويل والقانون إلى التصنيع والترفيه- تبنت الذكاء الاصطناعي جزءا من إستراتيجيتها المتوقعة. إن الفائزين والخاسرين في عصر الذكاء الاصطناعي بدؤوا للتو في الظهور. وكما هو الحال في العصور الأخرى، من المرجح أن يتم اختيار المستفيدين على أسس اجتماعية واقتصادية. وأثار المدافعون عن الحقوق المدنية مخاوف بشأن التحيز المحتمل في الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل التوظيف، بينما حذرت النقابات العمالية من اضطرابات عميقة في التوظيف حيث يهدد الذكاء الاصطناعي بتقليص أو إلغاء بعض الوظائف، بما في ذلك كتابة رموز الحاسوب وصياغة المحتوى الترفيهي. وبرزت شركة تصنيع الرقائق (إنفيديا) التي تعد معالجاتها الرسومية هي السلعة الأكثر سخونة في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، كفائز كبير مع ارتفاع قيمتها السوقية إلى نادي التريليون دولار إلى جانب شركتي (آبل) و(ألفابت). وفي الأشهر الأخيرة من العام، ظهر فائز آخر بشكل غير متوقع وسط الاضطرابات.
استفتاء على التبشير بالذكاء الاصطناعي
ففي نوفمبر الماضي، قام مجلس إدارة شركة أوبن إيه آي بطرد الرئيس التنفيذي سام ألتمان لأنه “لم يكن صريحا معهم باستمرار”، وفقا لبيان مقتضب. وفي غياب التفسير، تحول المشهد إلى استفتاء على التبشير بالذكاء الاصطناعي الذي تمثل من ناحية في سعي ألتمان لتسويق الذكاء الاصطناعي، في مقابل المتشككين والمتشائمين الذين سعوا إلى اتباع نهج أبطأ وأكثر حذرا. لقد فاز المتفائلون وألتمان، حيث عاد الرئيس التنفيذي المخلوع بعد أيام قليلة، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى موظفي أوبن إيه آي الذين هددوا بالنزوح الجماعي لو غاب عن قيادة الشركة. وفي شرحه للسبب الذي دفع الشركة إلى حافة الهاوية، قال ألتمان إن الناس كانوا قلقين بشأن المخاطر الكبيرة لتطوير الذكاء الاصطناعي الذي يمكن أن يتجاوز الذكاء البشري. وقال في إحدى الفعاليات التي أقيمت بنيويورك في ديسمبر الماضي: “أعتقد أن كل شيء انفجر”.