
يشهد قطاع الفنادق والضيافة تحولاً نوعياً مع صعود تقنيات الذكاء الاصطناعي التي بدأت تغير وجه الصناعة بشكل جذري، حيث تتجه كبرى الشركات التكنولوجية مثل أمازون إلى تعميم استخدام المساعدات الرقمية في الفنادق الأوروبية بعد نجاحها في الولايات المتحدة، حيث تقدم هذه الحلول الذكية مجموعة متكاملة من الخدمات بدءاً من توفير المعلومات الفندقية ووصولاً إلى طلب الخدمات الأساسية مثل المناشف أو حجز سيارات الأجرة، مما يعكس تحولاً استراتيجياً في مفهوم خدمة النزلاء.
في هذا السياق، يشير خبراء القطاع إلى أن الذكاء الاصطناعي لا يقتصر دوره على تقديم خدمات أساسية فحسب، بل يمتد إلى إحداث ثورة حقيقية في مجال حجوزات السفر والتوصيات الذكية للوجهات السياحية، رغم أن هذه التطبيقات المتقدمة ما تزال في مراحلها الأولى.
وتكشف الإحصاءات عن وجود فجوة كبيرة في تبني هذه التقنيات، حيث لا تزال 63 بالمائة من الفنادق الفرنسية على سبيل المثال بعيدة تماماً عن استخدام الذكاء الاصطناعي، وفقاً لدراسة أجراها اتحاد “أومي” الممثل لأصحاب العمل في القطاع.
يواجه القطاع تحديات كبيرة في عملية التحول الرقمي، لعل أبرزها قضية تبادل البيانات وامتلاكها، حيث تشكو الفنادق من احتفاظ منصات الحجز الإلكترونية الكبرى ببيانات العملاء وعدم مشاركتها إلا عند وصول النزيل إلى الفندق، مما يحد من قدرة الفنادق على تقديم خدمات مخصصة وتحسين تجربة الضيوف. وتتصاعد هذه المعركة على المستوى الأوروبي في إطار قانون الأسواق الرقمية الجديد الذي يهدف إلى كبح احتكار البيانات.
رغم كل هذه التطورات، يؤكد خبراء الصناعة على استمرار الدور المحوري للعنصر البشري في تقديم خدمات الضيافة، حيث يفضل العديد من النزلاء التفاعل المباشر مع موظفي الفنادق بدلاً من التعامل مع أنظمة ذكية.
وتبرز هنا أهمية تحقيق التوازن بين التكنولوجيا واللمسة الإنسانية، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز كفاءة الخدمات دون أن يحل محل التفاعل البشري الذي يظل جوهر تجربة الضيافة.
في الجانب العملي، تظهر تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل “هابينينغ ناو” الفرنسية كيف يمكن لهذه التقنيات تحسين إدارة العمليات الفندقية بشكل كبير، من خلال تحليل أنماط الطلب وتوقع الذروات وإدارة المخزون وأسعار الغرف بشكل ديناميكي بناءً على عوامل متعددة تشمل الأحداث المحلية وحتى الأحوال الجوية. هذا النموذج التشغيلي الذكي يمثل مستقبل إدارة الفنادق، حيث يساعد في تحقيق إشغال مثالي مع تعظيم الإيرادات.
تكشف هذه التحولات عن مشهد معقد للقطاع الفندقي في عصر الذكاء الاصطناعي، حيث تواجه الفنادق خيارات استراتيجية صعبة بين التمسك بالنماذج التقليدية أو تبني التحول الرقمي بكامل طاقاته.
ويبقى التحدي الأكبر هو كيفية دمج هذه التقنيات بشكل عضوي في عمليات الضيافة مع الحفاظ على القيم الأساسية للقطاع التي تقوم على الترحيب البشري والخدمة الشخصية، مما يطرح أسئلة جوهرية حول مستقبل العلاقة بين التكنولوجيا والإنسانية في صناعة الضيافة العالمية.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله