لك سيدتي

بين البحث الأكاديمي والمحافل العلمية الدولية

"حفيظة مريوة"... عندما ترفع الجزائرية التحدي

تعتبر الباحثة الأكاديمية الدكتور “حفيظة مريوة”، من الجزائريات الرائدات اللواتي رفعن الراية الجزائرية عاليا في المحافل الدولية، بفضل نجاحاتهن المتميزة في مجال نشاطاتهن العلمية والمهنية، متحديات كل العراقيل بفضل العزيمة وتحملهن لمسؤولية المساهمة في تربية الأجيال وبناء المجتمع.


وفي هذا الشأن، ولأنها مدركة بدور المرأة الرئيسي في بناء الأمة وتقدمها في مختلف المجالات، لاسيما بناء الفرد، فقد ركزت اهتمامها على العمل لولوج المجالات الداعمة للمرأة وتطويرها، كأكاديمية وباحثة بقسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا بكلية العلوم الاجتماعية، بجامعة وهران2 (محمد بن احمد)، لتبرز بأبحاثها في حقول معرفية متعددة التخصصات، مكنتها من المشاركة في مؤتمرات وطنية ودولية، أهلتها للحصول على عدة أوسمة نظير جهودها وتميزها في مجال ترقية وتطوير البحوث العلمية في العالم العربي، بما في ذلك وسام الباحثة العربية المتميزة 2023..  إلى جانب نشرها عدة أعمال وبحوث أكاديمية من كتب ومقالات على المستويين الوطني والدولي.

من جامعة وهران نحو عضوية مجلس التعاون العلمي العربي

تدرجت الباحثة والأستاذة الجامعية، حتى بلغت منصب المديرة التنفيذية المكلفة بالعلاقات الخارجية بمجلس المرأة العربية التدريب والتمكين بمجلس التعاون العلمي العربي، وكذا نائب رئيس المجلس وأمين سرّه، كما تولت أيضًا منصب المنسقة العامة بذات الهيئة. بروزها في مجال البحث العلمي والتعاون الأكاديمي العربي، ساهم بشكل فعال في تعزيز التواصل والتعاون بين الجامعات والمؤسسات البحثية في العالم العربي، لاسيما انضمامها لِـمجلس المرأة العربية للتدريب والتمكين.

حيث يعتبر المجلس مركزا خاصا تابعا لمجلس التعاون العلمي العربي، يعمل على تعزيز دور المرأة العربية في مختلف المجالات، من خلال تقديم برامج تدريبية متخصصة ومبادرات تهدف إلى تمكينها، وتطوير مهاراتها، وزيادة مشاركتها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

وفي هذا الشأن، ذكرت الدكتور “حفيظة مريوة”، أنهم في مجلس المرأة العربية للتدريب والتمكين، يؤمنون بأن بناء قدرات المرأة يعني بناء مجتمعات أقوى وأكثر استدامة. حيث يسعون لتحقيق مستقبل مشرق من خلال تمكين المرأة العربية وتعزيز دورها في جميع المجالات، إلى جانب تقديم برامج تدريبية، تنظيم ورش عمل، دورات تدريبية، وبرامج تعليمية تهدف إلى تنمية المهارات الشخصية والمهنية للمرأة، عن طريق تنظيم ورش عمل، دورات تدريبية، وبرامج تعليمية تهدف إلى تنمية المهارات الشخصية والمهنية للمرأة. والعمل على التوعية والتثقيف حول قضايا المرأة وحقوقها من خلال حملات توعوية ومواد تعليمية.

 كما يركزون على البحث والتطوير من خلال إجراء دراسات وأبحاث لتحديد احتياجات المرأة وتمكينها وتطوير مهاراتها في مختلف المجالات، إضافة إلى دعم ريادة الأعمال، عبر توفير الدعم والمشورة للنساء الراغبات في بدء مشاريعهن الخاصة وتقديم فرص التمويل والتدريب لهن، كما يسهر المجلس على بناء الشبكات، عن طريق إنشاء شبكات تواصل بين النساء العاملات في مجالات مختلفة لتبادل الخبرات والمعرفة والتوجيه والإرشاد المهني والشخصي للنساء لدعمهن في تحقيق أهدافهن، مع التركيز التعاون الدولي، مع منظمات دولية وإقليمية لتحقيق أهداف مشتركة تتعلق بتمكين المرأة.

دور التكنولوجيا الرقمية في دعم المرأة

وأمام التطور المهم في مجال البحث العلمي، تطوير المجال المهني والمعرفي، فقد أصبحت المرأة مضطرة للتوجه نحو التكنولوجيا من أجل تسهيل نشاطها وتسريع وصول إلى ما تبحث عنه، ناهيك عن اختصار الوقت والطريق في حضور عدة مناسبات في وقت قصير ودون قطع مسافات طويلة، مما يساهم في توفيقها بين رعاية العائلة وواجبها الأكاديمي والمهني.

حيث ذكرت الدكتور الباحثة “حفيظة مريوة”، أن التكنولوجيا الرقمية تلعب دورًا كبيرًا في دعم المرأة وتمكينها على عدة مستويات، سواء على الصعيد الشخصي، المهني، أو الاجتماعي، حيث تساهم في دعم المرأة، عبر التمكين الاقتصادي، التعليم والتطوير الذاتي، الدعم الاجتماعي والنفسي من خلال التوعية والتمكين.

 مضيفة أن الدوائر الحكومية والمؤسسات المجتمعية بدورها تسعى دائما إلى تعزيز دور المرأة في المجال الرقمي من خلال مبادرات لتسهيل المهمة لفئة النساء، عبر توفير الخدمات الرقمية والإدارية، مما يسهم في تمكين المرأة من الاستفادة من هذه الخدمات وإبراز دورها الفعال في خدمة المجتمع. على غرار التمكين الاقتصادي، حيث تمكنت المرأة من خلال التكنولوجيا الرقمية من الوصول إلى فرص اقتصادية جديدة، سواء عبر العمل الحر، التجارة الإلكترونية، أو تأسيس المشاريع الصغيرة على الإنترنت. كما سهّلت التطبيقات والمنصات الرقمية الوصول إلى التمويل، التسويق، والتواصل مع العملاء، ما عزز من قدرة النساء على الاستقلال المالي والمشاركة الفعالة في الاقتصاد، التعليم والتطوير الذاتي.

وفي هذا الشأن، فقد أتاحت منصات التعلم عن بُعد فرصًا تعليمية غير مسبوقة للنساء، خصوصًا في المجتمعات التي تواجه فيها الفتيات والنساء صعوبات في الوصول إلى التعليم التقليدي. يمكن للمرأة الآن تعلم مهارات جديدة، الحصول على شهادات، والتطوير المهني الذاتي من أي مكان وفي أي وقت، مما يعزز من فرصها في سوق العمل.

وأردفت الدكتور “مريوة”، أنه من خلال هذه الأدوار، تؤكد التكنولوجيا الرقمية قدرتها على أن تكون أداة استراتيجية في تعزيز دور المرأة في مختلف نواحي الحياة. ومع استمرار التطور الرقمي، تزداد أهمية تمكين المرأة من استخدام هذه الأدوات بفعالية لضمان شموليتها الرقمية وتحقيق المساواة، إضافة الى الدعم الاجتماعي والنفس.

وسائل التواصل الاجتماعي… الفرصة المميزة لإبداع المرأة

ورغم ما يثار من جدل حول استعمال وسائل التواصل الاجتماعي من طرف المرأة، غير أن الدكتورة والباحثة الجامعية “حفيظة مريوة”، ترى أن وسائل التواصل الاجتماعي من أهم العناصر التي تساهم في دعم وتطوير المرأة إذا عرفت كيف تستغلها لصالحها.

موضحة أن ما تُوفره التكنولوجيا الرقمية عبر منصات للتواصل الاجتماعي والمجتمعات الافتراضية، فإنها تتيح للنساء التعبير عن أنفسهن، وتبادل الخبرات، والحصول على الدعم المعنوي والنفسي، حيث يمكن أن يكون له أثر كبير في التغيير الإيجابي على المستوى الفردي والمجتمعي، كما تساهم الحملات الرقمية في التوعية بالقضايا المتعلقة بالمرأة في مجال الصحة النفسية، العنف الأسري، والحقوق القانونية، مما يعزز الوعي والتمكين الذاتي، وذلك عن طريق نشر قصص النجاح النسائية، بتسليط الضوء على سيدات ناجحات في مختلف المجالات (الطب، الهندسة، التعليم، الفن، ريادة الأعمال…)، عبر تقديم محتوى تربويًا، تعليميًا، أو توعويًا نشر محتوى تثقيفي يخص المرأة، كالصحة النفسية والجسدية، الحقوق القانونية، التمكين الاقتصادي، إلى جانب نشر محتوى توعوي عن العنف الأسري، حقوق المرأة في العمل، الزواج والأمومة.

وأضافت الدكتور “مريوة”، أن وسائل التواصل الاجتماعي تسمح بكسر الصور النمطية، فهي تفتح المجال بالتحدث عن قضايا مجتمعية حقيقية تواجه المرأة وتغيير الأفكار المغلوطة، كما أنها تقديم المرأة كمؤثرة وصانعة تغيير وليس فقط كمتلقٍ أو تابع.

المرأة بين الماضي والحاضر

وأمام التطور في المجال التعليمي والتربوي والحضاري، فقد عرفت المرأة تحولا كبيرا لاسيما في المجتمع العربي، بفضل الانفتاح والتفتح على العالم، مما جعلها تتواجد في كل المناصب والمجالات.

وفي هذا الإطار، ذكرت الدكتور الباحثة الجامعية “حفيظة مريوة”، أن مكانة المرأة عرفت تحولات جذرية على امتداد التاريخ، لكن وتيرة التغيير تسارعت بشكل غير مسبوق مع بروز الثورة الرقمية. فالتحولات التكنولوجية الكبرى، وعلى رأسها الإنترنت، وسائل التواصل الاجتماعي، والذكاء الاصطناعي، أعادت تشكيل الأدوار الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية، مع أثر خاص على المرأة، مشيرة إلى أنه بعدما كانت المرأة محصورة غالبًا في دور الزوجة، الأم، وربة المنزل، وكان عملها يُقدَّر داخل المجال الخاص، لا في المجال العام، في انخفاض التعليم والتمكين الاقتصادي لم يكونا متاحين بالشكل الكافي. إلى جانب انتمائها إلى المجتمع التقليدي قائم على البنية الأبوية (Patriarchy)، وقت كان القرار بيد الرجل داخل البيت وخارجه، في ظل وصولها إلى المعلومة كان محدودًا، وعبر قنوات تقليدية (الأسرة، المجتمع والدين) وغياب الفضاءات التعبيرية الذاتية.

وبالموازاة، فقد تطرقت الباحثة إلى المرأة اليوم في ظل التحولات الرقمية، التي أتاحت لها التمكين المعرفي والاقتصادي، من خلال فرص غير مسبوقة للتعلم الذاتي، والتكوين المستمر، جعلتها فاعلة في قطاعات التكنولوجيا، ريادة الأعمال، والعمل عن بعد. في الوقت الذي ساهم هذا التطور في تفكيك السلطة الأبوية التقليدية، بعدما أصبحت النساء تعبر عن ذواتهن عبر وسائل التواصل دون وساطة الذكر أو المؤسسة. كما أضافت أن الرقمنة وفرت منصة جديدة للتأثير الاجتماعي والسياسي (نشاط حقوقي، نسوي، إعلامي…).

مذكرة أن التغيير لا يكمن فقط في الوسائل، بل في الوعي والديناميات الاجتماعية المصاحبة، مما يجعل من الرقمنة فرصة واختبارا في آنٍ معا لموقع المرأة في مجتمعاتنا، لاسيما وأن التعلم عبر الفضاء الرقمي يسمح بالتعلم مدى الحياة دون تحديد سن معينة، كما أنه يساعد النساء على إعادة بناء مساراتهن المهنية بعد الأمومة أو البطالة.

دور الرجل في دعم المرأة

ولأن المرأة أصبحت أكثر تحررا من ذي قبل، بتبوئها للمناصب وولوجها لمختلف التخصصات دون تقيد بوقت محدد أو سن معين أو وضع اجتماعي، فإن علاقتها بالرجل تفتح مجال التساؤل حول مدى الانسجام بينهما.

ولمعرفة العلاقة بين الطرفين، فقد ردت الدكتور الباحثة “حفيظة دريوة”، بأن أهمية العلاقة التشاركية بين الرجل والمرأة، برزت كأحد مفاتيح بناء مجتمعات عادلة ومتوازنة. موضحة أن مساندة الرجل للمرأة في مختلف المجالات تعد مؤشراً على وعي اجتماعي جديد يتجاوز الأدوار النمطية التقليدية ويعزز من قيم التعاون والمساواة، على غرار الدعم الأسري، حيث يساند الرجل للمرأة داخل الأسرة، من خلال المشاركة الفعلية في رعاية الأطفال، والأعمال المنزلية، واتخاذ القرارات بشكل مشترك، تُسهم في تفكيك الصورة النمطية عن “دور المرأة” وتُرسّخ العدالة الأسرية. الدعم الاقتصادي، إلى جانب دعم المرأة في تحقيق الاستقلال المالي، سواء عبر تشجيعها على العمل أو دعم مشاريعها الخاصة، له آثار مباشرة على تمكينها وتعزيز قدرتها على اتخاذ القرار، ناهيك عن دعمه لها في التعليم والقيادة وذلك بتشجيعها على مواصلة التعليم العالي، والقبول بوجودها في مراكز اتخاذ القرار، ودعمها في الأوساط السياسية والإدارية والعلمية، وكذا الدعم النفسي والاجتماعي، حيث يشكل احترام الرجل لطموح المرأة وتقدير قدراتها، ورفض الخطابات الذكورية التي تقلل من شأنها، نوعاً مهماً من الدعم المعنوي الذي يُعزز ثقتها بنفسها.

واعتبرت الباحثة الجزائرية “حفية مريوة”، أن مساندة الرجل للمرأة علامة على التحول المجتمعي، حيث يتماشى هذا النوع من الدعم مع التحولات نحو المساواة الجندرية، بعدما لم يعد يُنظر إلى المرأة كـ”تابع”، بل كشريكة ذات دور حيوي. وفي هذا السياق، تصبح مساندة الرجل ضرورة استراتيجية لتحقيق العدالة الاجتماعية والتمكين المتبادل، وتمكين المرأة اليوم هو السبيل لبناء مجتمعات قوية وعادلة.

واختتمت الدكتور الباحثة “حفيظة مريوة” حديثها بنصيحة لكل امرأة طموحة تسعى لرسم مستقبلها بمهاراتها الخاصة وتحقيق النجاح والتميز، داعية إياها لتكون إيجابية ومتفائلة، لأن الإيجابية تُعدّ من العوامل المحورية للنجاح، والنظر إلى التحديات كفرص للتعلم، والاحتفال بالإنجازات الصغيرة. الإيجابية تُسهم في تعزيز العلاقات وتحقيق الأهداف، فإن النجاح ليس هدفا نهائيا، بل رحلة مستمرة تتطلب التفاني، الصبر والتعلم المستمر”.


أعدته: ميمي قلان  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى